رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

الأزمات التناحرية تهدد اتفاق السلام بالسودان

بدأ النزاع المسلح بين الحكومة المركزية فى الخرطوم والحركات المسلحة فى إقليم دارفورعام 2003، على خلفية اتهام الأخيرة لحكومة البشير باضطهاد السكان ذوى الأصول غير العربية وإهمال مشروعات التنمية فى الإقليم، غير أن الحكومة شنت سلسلة من الغارات المسلحة على المنطقة سقط على إثرها آلاف القتلى والجرحى، مما دفع محكمة العدل الدولية إلى اتهام الرئيس المخلوع عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

فيما بدأ الصراع المسلح بين حركات التمرد فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، مع حكومة الخرطوم عام 2011 عقب الإعلان عن قيام دولة جنوب السودان، وضم الولايتين لشمال الخرطوم حيث طالبا بحصة فى الحكومة والبرلمان ومنحهما حق الحكم الذاتى.

غير أن الأمور تغيرت بزوال حكم البشير ووصول الحكومة المؤقتة للسلطة برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، حيث شهدت مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان يوم 31 أغسطس 2020 توقيع اتفاق سلام بين، محمد حمدان دقلو"حميدتى"، ممثلاً عن الحكومة السودانية المؤقتة، وكلا من جناح مالك عقار ممثلا عن الحركة الشعبية- شمال، وجناح منى مناوى ممثلا عن حركة جيش تحرير السودان.

كما وقع على الاتفاقية جبريل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة، وخميس عبدالله أبكر رئيس التحالف السودانى، وعبدالله يحى نيابة عن تجمع قوى تحرير السودان، بالإضافة للمجموعات غير المسلحة التى تمثل مسارات الوسط والشرق والشمال.

ووصل زعماء هذه الحركات إلى الخرطوم يوم الأحد الماضى، لبدء تنفيذ بنود اتفاق السلام الذى تضمن مشاركتهم المباشرة فى المجلس الرئاسى وحصولهم على مقاعد فى الحكومة والبرلمان، ولاقى الزعماء ترحيبا من الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى الانتقالى، ليبدأ السودان صفحة جديدة فى تاريخه السياسى.

توقع الدكتور أيمن شبانة أستاذ السياسة الدولية بجامعة القاهرة، أن يصمد الاتفاق نظرا لتضمن بنوده تقاسم السلطة دون عوائق حقيقية، حيث يمكن زيادة عدد الحقائب الوزارية عبر إزالة الدمج بين بعض الوزارات مثل وزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الطاقة والتعدين بما يوفر مقاعد إضافية لحركات التمرد.

أضاف لـ"الزمان" أن الاتفاق تضمن تعهد الحكومة بتوفير مائة مليون دولار أمريكى خلال شهر من تاريخ التوقيع عليه لتنفيذ بنود الاتفاقية، إضافة إلى التزامها بدفع مبلغ 750 مليون دولار أمريكى سنوياً، وذلك لمدة عشر سنوات، تحول لصندوق دعم السلام والتنمية المستدامة فى إقليم دارفور.

أوضح الخبير السياسى أن الاتفاقية نصت على ضرورة استكمال جهود تسريح ودمج القوات التابعة للحركات المسلحة ضمن القوات المسلحة الحكومية، مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السودانى والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن بولايات دارفور الثلاثة، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، على أن تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30%.

لفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن الاتفاق منح الحركات المسلحة الحق فى اختيار ممثليها فى المجلس التشريعى، دون إملاءات من السلطة الانتقالية، مع إمكانية تعديل نسب تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية فى حال الانضمام اللاحق للحركات المسلحة الأخرى إلى الاتفاق.

أشار الدكتور شبانة إلى نص اتفاق جوبا على سيادة أحكام هذا الاتفاق على الوثيقة الدستورية، حيث اتفق الطرفان على إدراج اتفاقيات السلام الموقعة ضمن الوثيقة الدستورية، وفى حال تعارضها مع الدستور فسوف يتم تعديل الوثيقة الدستورية.

أرجع شبانة سبب توقيع الحكومة على الاتفاقية إلى الآثار السلبية التى يعانيها السودان من السياسات المالية التى سبق وإن طبقتها حكومة الإنقاذ على مدى ثلاثين عاما هى مدة حكم البشير، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها وهو ما انعكس سلبا على موازنة عام 2020.

أوضح الخبير السياسى أن هذه العوامل قد أدت إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى سالب 3.1%، وارتفاع العجز العجز للموازنة إلى 254 مليار دولار، وارتفاع معدل التضخم إلى 144%، إضافة إلى تدهور سعر صرف الجنيه السودانى مقابل الدولار الأمريكى.

وقال الدكتور شبانة إن الاتفاق تضمن ضرورة مشاركة كافة الحركات المسلحة وغير المسلحة من دارفور وولايتى النيل الأزرق وكردفان إلى عملية السلام، بما يشمل كافة عناصر التنوع الجغرافى والاجتماعى والمدنى للسودانيين، لضمان تحقيق التعايش الاجتماعى واستدامة السلام، لافتا إلى تشرذم الحركات المسلحة داخلياً، واختلاف رؤاها ومواقفها بشأن قضايا المرحلة الانتقالية.

لفت أستاذ العلوم السياسية إلى أنه بالرغم من وجود الكثير من التحديات التى تواجه تنفيذ اتفاق جوبا، إلا أنه من المرجح أن يظل الاتفاق هو الأساس لتسوية الصراع بالسودان، وأن يتوالى انضمام الحركات المسلحة إليه، خاصة أنه نابع من الإرادة السياسية لأغلب القوى السودانية، وأن عدم اللحاق بقطار السلام قد يؤدى إلى إجهاض تجربة التحول السياسى فى السودان، كما سيؤدى إلى إضاعة الفرصة على معارضيه للمشاركة فى السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما يضعف حظوظهم لدى مشاركتهم فى الانتخابات التى ستعقب المرحلة الانتقالية أو عند تقاسم الثروة.

وحول احتمالات تصدع اتفاق السلام أشار الدكتور شبانة إلى اختلاف قادة الحركات المسلحة مع نائب رئيس المجلس "حميدتى"، قائد قوات الدعم السريع، الذى قامت قواته بشن حملات مروعة لقمع حركات التمرد، مما دفع الحركة الشعبية شمال/ جناح عبدالعزيز الحلو للمطالبة بأن تشمل الاتفاقية على قرار حل الفصائل المسلحة قوات الدعم السريع أيضاً، ليصبح هناك جيش واحد للبلاد، وهو أمر بالغ الصعوبة، قياساً بدور قوات الدعم السريع فى تأمين المرحلة الانتقالية الجارية بالبلاد.

أشار الخبير الاستراتيجى إلى خروج اثنتين من حركات التمرد الأساسية خارج مظلة الاتفاق، هما جناح عبدالعزيز الحلو بالحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، وحركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد محمد نور، حيث يطالب الأول بتطبيق العلمانية، ومنح منطقة جبال النوبة بجنوب كردفان حق تقرير المصير.

فيما دأب الثانى على الاعتراض دون تحديد دوافعه بدقه، وهو ما يمثل امتداداً لموقفه الرافض للاعتراف بإعلان الحرية والتغيير، بحجة أن حركته لم تكن جزءاً منه، وأن انضمامها اللاحق للإعلان سيجعل من أنجزوا الوثيقة أصول والآخرين تابعين، كما رفضت حركته التوقيع على الوثيقة الدستورية.

أوضح الدكتور شبانة أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تعهد بمواصلة المفاوضات مع معارضى الاتفاق، خاصة جناح عبدالعزيز الحلو، لافتا إلى أن حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد نور ليس بوسعها أن تستمر فى معارضة الاتفاق، فى ظل الضغوط الفرنسية على عبدالواحد نور المقيم بباريس، والانشقاقات الداخلية التى تواجهها حركته.

توقع الخبير السياسى أن يتم عزله من قيادة الحركة إذا استمر فى رفضه غير المبرر، وإفساح المجال لقيادة جديدة أكثر مرونة، بعدما أعلن فصيل من قادة الحركة فى مايو2019 تجميد صلاحيات عبدالواحد نور، وتكوين مجلس قيادى جديد مفوض من المؤسسين والقيادة العامة لجيش الحركة، والإدارة العامة للنازحين واللاجئين، وممثلى الحركة بدول المهجر، ولجان الطلاب والشباب لإدارة شئون الحركة مؤقتاً لحين انعقاد مؤتمرها العام، مما يؤكد الانشقاق التنظيمى بالحركة، ويضعف من قدرتها على الاستمرار خارج معادلة اتفاق جوبا.

لفت الدكتور شبانة إلى احتمال تحالف عناصر الثورة المضادة الموالية لنظام الإنقاذ، من أجل عرقلة مسيرة السلام، استناداً لما تملكه من قواعد جماهيرية، ومقدرات مالية وأدوات إعلامية لا يملكها منافسيهم، واحتمال تعاونهم مع بعض القوى الإقليمية الداعمة للنظام السابق، فى ظل الصعوبات التى تواجهها الحكومة المؤقتة لتفكيك دولة الإنقاذ الوطنى العميقة، ومعاناتها من تغلغل فلول النظام وعناصر الإخون المسلمين فى مؤسسات الدولة خلال الأعوام الثلاثين الماضية، والإجراءات المطولة التى ربما تستغرقها محاكمة رموز النظام السابق.

فى سياق متصل أكد ناجى الشهابى رئيس الجيل أن استمرار الاتفاق من عدمه مرهون بالإرادة السياسية لدى الطرفين، وإن كانت الأمور تسير فى طريقها للحل نظرا لاشتراك حركات التمرد فى الثورة ضد نظام عمر البشير، وتطلع الشعب السودانى إلى مستقبل جديد لبلاده.

أضاف الشهابى أن الاتفاق سيعقبه اتفاقيات أخرى مع باقى الفصائل التى لم توقع على اتفاق جوبا، كما سيعقبه التوقيع صدور لائحة تنفيذية تفصيلية لتنفيذ بنود الاتفاق الذى يصب فى مصلحة الشعب الذى أصبح راضيا تماما على هذه الاتفاقية.

وقال رئس حزب الجيل إن الصراعات المسلحة على أرض السودان تضر مباشرة بالأمن القومى المصرى، باعتباره العمق الجغرافى والاستراتيجى لمصر، وأن توقيع اتفاق السلام من شأنه عودة التجارة البينية وفتح باب التصدير أمام منتجات الدولتين لجميع دول العالم.