صندوق النقد الدولي: فجوة تمويلية لشركات البترول.. وضرورة تسريع برنامج الطروحات

مصطفى زكريا
انتقد تقرير صندوق النقد الدولى والذى صدر قبل أيام ما وصفه بالتباطؤ فى تنفيذ برنامج التخارج من الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة، ونتيجة لذلك انخفضت التقديرات الخاصة بحصيلة النقد الأجنبى من الخصخصة من ثلاثة مليارات دولار أمريكى عند نهاية المراجعة الثالثة إلى 0.6 مليار دولار أمريكى بنهاية المراجعة الرابعة فى السنة المالية الأخيرة 2024-2025.
واتفق الصندوق مع الحكومة المصرية على إعادة جدولة هذا الانخفاض ليغطى الفترة المتبقية من البرنامج، الممتدة لسنتين ماليتين، وبناءً على ذلك تستهدف الحكومة المصرية تحقيق حصيلة نقد أجنبى قدرها ثلاثة مليارات دولار خلال العام المالى الحالى 2025-2026، تخصص بالكامل لخفض الدين العام، و2.1 مليار دولار فى العام المالى المقبل.
وأوضح التقرير أن الحكومة تعتزم، فى إطار هذه الجدولة، التخارج من 11 شركة مملوكة للدولة، من بينها بنكان وأربعة كيانات مملوكة للمؤسسة العسكرية، من خلال طرحها فى البورصة المصرية خلال عام 2025، وهو ما سبق أن أعلنته الحكومة فى يونيو الماضى مع إدخال بعض التعديلات على التفاصيل، إذ تضمنت القائمة المعلنة للشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية خمس شركات لا أربعة، هي: وطنية، لتشغيل محطات الوقود، وصافى للمياه المعبأة، وسيلو فودز للصناعات الغذائية، وتشيل أوت لتوزيع الوقود، والشركة الوطنية للطرق.
تقرير الصندوق
وأشار التقرير إلى أن مؤشرات السوق لا تُظهر اختلالات حالية فى سوق الصرف الأجنبى، وأن استقرار سعر الصرف منذ التوحيد رغم الصدمات الاقتصادية الكبيرة يميز مصر عن غيرها. وأوضح البنك المركزى أنه لا توجد طلبات متأخرة للحصول على العملات الأجنبية، وأن البنوك التجارية لا تواجه قيودًا على توفير النقد الأجنبى للمعاملات الجارية. ورغم التراجع التراكمى فى صافى الأصول الأجنبية للبنوك التجارية، أرجعته السلطات إلى سداد متأخرات لشركات النفط والغاز الأجنبية بقيمة 2.7 مليار دولار.
وشدد التقرير على أن خفض التضخم يجب أن يظل أولوية قصوى للبنك المركزى، حيث استقرت معدلات التضخم ضمن النطاق المسموح به منذ أبريل 2024، ومن المتوقع أن تنخفض إلى أرقام أحادية بحلول النصف الثانى من 2026، والتزم البنك المركزى بالانتقال الكامل إلى نظام استهداف التضخم، وطلب دعمًا فنيًا لتحديث إطاره الاقتصادى وتحسين التوقعات، إلى جانب تحليل مفصل لقوى السوق المؤثرة فى أسعار الغذاء. كما سيتعين على البنك المركزى تقليص انكشافه على الجهات الحكومية تدريجيًا، والالتزام بسقف الإقراض للحكومة، وسحب القروض المساندة الممنوحة للبنوك العامة.
السياسة المالية وإدارة الدين والإصلاحات الضريبية
وفيما يخص السياسة المالية، أعاد التقرير تقييم مسار التوحيد المالى على المدى القصير بسبب الظروف الخارجية الصعبة، وخُفّض مستهدف الفائض الأولى للعام المالى 2025/2026 إلى 4% من الناتج المحلى (دون عوائد الطروحات)، مقارنة بـ4.5% سابقًا، لتوفير مساحة لدعم الفئات الضعيفة والطبقة المتوسطة. ومن المخطط أن يرتفع الفائض إلى 5% فى العام المالى 2026/2027.
وتعهدت الحكومة بحزمة إصلاحات ضريبية لزيادة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلى بنسبة 2% خلال عامين، تشمل إلغاء الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة، وفرض ضريبة على مبيعات المناطق الحرة للسوق المحلية، وتطبيق نظام ضريبى مبسط للمشروعات الصغيرة. وتهدف هذه الإجراءات إلى تحفيز الامتثال الضريبى وتقليل الاقتصاد غير الرسمى. كما أُقرت تعديلات على قانون الضريبة العقارية وقانون الإعاقة لإغلاق الثغرات وزيادة الحصيلة.
وفى إطار تحسين الحماية الاجتماعية، تعتزم الحكومة رفع الإنفاق على الدعم النقدى والتعليم والصحة بنسبة 0.5% من الناتج المحلى بحلول 2026/2027. وتخطط لتوسيع برنامج “تكافل وكرامة” ليصل إنفاقه إلى 0.4% من الناتج المحلى فى 2025/2026، بجانب دمج برامج الدعم العينى تدريجيًا فى برامج تحويلات نقدية، مستفيدة من قانون الحماية الاجتماعية الجديد. كما سيؤدى تحريك أسعار الوقود نحو مستوى الكلفة بحلول نهاية 2025 إلى تحرير موارد إضافية للدعم المستهدف.
مراقبة الاستثمار العام وإصلاح الشركات العامة
ذكر التقرير أن السلطات المصرية بدأت تنفيذ تدابير لمراقبة الأنشطة المالية للقطاع العام، خاصة بعد عدم تحقيق مستهدف الاستثمار العام فى يونيو 2024. ووفقًا لقرار رئيس الوزراء رقم 739 لعام 2024، يتعين على الجهات العامة تقديم تقارير دورية للجهاز المركزى للمحاسبات حول تنفيذ الاستثمارات، والذى بدوره سيرفع تقريرًا نصف سنويًا لمجلس الوزراء. وحددت الحكومة سقفًا للاستثمار العام فى 2024/2025 بقيمة تريليون جنيه، وسقفًا مبدئيًا للعام التالى بقيمة 1.158 تريليون جنيه.
كما استكملت الحكومة تصنيف الهيئات الاقتصادية وفقًا لدليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2014، إلا أنها طبقت إعادة التصنيف على كيان واحد فقط من أصل 11 مقترحًا بسبب طبيعة عمل الكيانات الأخرى. وأكد الصندوق أن عدم التوافق الكامل مع المعايير الدولية قد يحد من شفافية البيانات، مشيرًا إلى استعداده لتقديم دعم فنى فى هذا الصدد.
وفى إطار زيادة الشفافية، ستنشر الحكومة بيانًا عن المخاطر المالية ضمن مشروع موازنة 2025/2026، يشمل تحليلاً للمخاطر الماكرو اقتصادية وتفصيلًا للضمانات الحكومية.
وتناول التقرير المخاطر المرتبطة بالشركات العامة مثل الهيئة العامة للبترول، التى حصلت على ضمانات حكومية تعادل 18% من الناتج المحلى، وتراكمت عليها متأخرات تصل إلى 4 مليارات دولار. وتواجه الهيئة مشكلات فى تحصيل مستحقاتها من شركة الكهرباء، بينما انخفض إنتاج النفط والغاز، وقد التزمت الحكومة بإعداد خطة متكاملة لإصلاح أوضاع الهيئة بدعم من زيادات جديدة فى أسعار الطاقة، كما قررت تجميد ودائع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فى الحساب الموحد للخزانة لمدة 3 سنوات بقيمة 500 مليار جنيه لتعزيز الرقابة.