باع كليته من أجل ”المخدرات” رحلة تعافي محمد بوجي من الأدمان الي الحياة من جديد

في أحد المقاطع التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، ظهر شاب يُدعى محمد بوجي يروي حكايته مع الإدمان، في رحلة طويلة ومؤلمة انتهت بخسارته لكليته، لكنها فتحت أمامه بابًا للتعافي.
الفيديو الذي نشره البلوجر كريم السيد من حوار مع «بوجي»، لم يكن مجرد اعتراف عابر، بل صرخة صادقة لامست قلوب آلاف المتابعين.
منذ اللحظة الأولى، تحدّث بوجي بجرأة غير معتادة، واضعًا تفاصيل حياته القاسية على الطاولة بلا تجميل: «أنا كنت بضرب حاجات مش بتفوقني بالأربع والخمس أيام"
من الحلم إلى الهاوية.. البداية كانت تجربة
محمد، في العشرينات من عمره، كان شابًا عاديًا يحمل أحلامًا بسيطة عن الاستقرار والعمل. لكن لحظة واحدة، جرعة واحدة، ورفقاء سوء.. كانت كفيلة بقلب كل شيء. يقول محمد في مقطع مصوّر اجتاح مواقع التواصل:
“كنت بصحى وأنام على فكرة واحدة بس: أجيب الجرعة منين؟ مكنش يهمني جسمي ولا حياتي، كنت ممكن أعمل أي حاجة علشان الفلوس.”
قرار صادم.. بيع الكلية من أجل المخدرات
مع تدهور حالته النفسية والجسدية، وجد محمد نفسه أمام قرار صعب ومستحيل: بيع جزء من جسده — كليته — مقابل مبلغ من المال لاستخدامه في شراء المخدرات. لم يكن يراه قرارًا كارثيًا في لحظتها، بل وسيلة للنجاة من ألم الإدمان.
“كنت شايف إن حياتي خلصت.. الكلية دي مش هتفيدني وأنا ميت بالحياة.. فلما لقيت حد بيشتري، وافقت فورًا.”
كلماته صدمت المتابعين، وأشعلت النقاش على السوشيال ميديا حول إلى أي مدى يمكن أن يصل شاب فقد سيطرته على حياته.
عندما قال الجسد: كفى
المفارقة أن جسد محمد كان نقطة التحول. بعد العملية، لم يتحمل جسمه الاستمرار في التعاطي، فبدأ في الانهيار، ليجد نفسه مضطرًا للتوقف. لكن التوقف الجسدي لم يكن كافيًا، فبدأ رحلة شاقة في التعافي النفسي والسلوكي، بدعم محدود من أسرته، وعدد من المختصين الذين آمنوا بأنه يستحق فرصة أخرى.
اليوم يقول محمد: “أنا مش عندي 32 سنة.. أنا عندي سنتين!”
بعد سنوات من الضياع، يعيش محمد اليوم حياة مختلفة، متعافية، حذرًا من أي انزلاق جديد، ويُوجه كلماته بقوة لكل شاب يفكر في التجربة:”أنا خسرت كليتي وكرامتي وسنين من عمري، لكن مش هخلي اللي باقي يضيع.. كل يوم بعدت فيه عن المخدرات هو انتصار جديد.”
يرى عدد من الخبراء في مجال الصحة النفسية والاجتماعية أن قصة محمد بوجي تمثل جرس إنذار حقيقي للمجتمع، وليست مجرد حكاية فردية أو قصة تعاطف عابرة على السوشيال ميديا.
وأكدت الدكتورة هالة الشربيني، أخصائية العلاج السلوكي والإدمان، أن قصة محمد تسلط الضوء على بُعد خفي وخطير في قضية الإدمان، وهو شعور المدمن بأنه بلا قيمة أو مخرج، مما يدفعه أحيانًا إلى اتخاذ قرارات كارثية مثل بيع عضو من جسده.
وأضافت، أن هذا النوع من التفكير دليل على انهيار الدعم النفسي والاجتماعي حوله، مؤكدة أن عملية التعافي، كما مر بها، لا تعتمد فقط على الإقلاع عن المادة المخدرة، بل على بناء الذات من جديد، واستعادة الإحساس بالقيمة والكرامة.
حاجة المجتمع إلى الجانب الإنساني من المتعافي
بينما قالت الدكتور سامية خضر، خبير اجتماعي، إن قضية بيع الأعضاء في بيئات الإدمان أصبحت واقعية وخطيرة، مشيرة إلى أن نحن بحاجة إلى تشريعات أكثر صرامة، ورقابة على مراكز زراعة الأعضاء، إلى جانب توعية حقيقية في المدارس والمجتمع حول مخاطر الإدمان واستغلال الضعفاء.
وأوضحت أن قصص مثل محمد، رغم مأساويتها، تلعب دورًا مهمًا في كسر الوصمة المرتبطة بالمتعافين من الإدمان، مؤكدًا أن المجتمع بحاجة إلى أن يرى الجانب الإنساني في المتعافين، لا أن يُحمّلهم ذنبًا أبديًا.
الإصرار على النجاة
وأكد الدكتور حسن إبراهيم، استشارية دعم المتعافين، أن أكثر ما لفت نظري في قصة محمد هو إصراره على النجاة رغم كل ما مر به، موضحا أننا نحتاج إلى دعم حكومي ومجتمعي أكبر لمراكز إعادة تأهيل المدمنين، وتوفير فرص عمل وتدريب للمتعافين حتى لا يعودوا لنفس الدائرة المفرغة.