رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

”الدفاية القاتلة” تحصد أرواح المواطنين فى الشتاء

تواجه البلاد تلك الأيام موجة من الصقيع الحاد، الذى أجبر البعض على الاستعانة بوسائل التدفئة على اختلاف أشكالها وألوانها، حسب القدرة المالية لكل شخص، فهناك من اعتمد على "حرق الأخشاب" وآخرون اعتمدوا على "الدفايات الحرارية" لتكون بداية فصل جديد فى مسلسل القتل مجهول الفاعل ولكن ما هى إلا أيام ويتكرر المشهد حتى أصبح لدينا قاتل يمكن توجيه أصابع الاتهام إليه تجسد فى "دفاية" لا يتجاوز حجمها بضعة سنتيمترات، وقد تسببت فى موت "عريس وزوجته" لم يكتمل على زفافهما شهر قبل أيام، وتكرر الحادث فى مناطق متفرقة وكل عام يكون لتلك الدفاية ضحايا بالعشرات فى أنحاء متفرقة من الجمهورية، دون تحرك رسمى من الحكومة لوقف عمليات الاستيراد لتلك النوعية رديئة الخامة سيئة السمعة.

"أحمد الله أنى غفوت لثوانٍ واستيقظت لتناول شربة ماء لأجد أحد أبنائى كاد يلفظ أنفاسه الأخيرة".. بتلك الكلمات بدأت "عبير محمد" صاحبة الثلاثة وأربعين عاما حديثها لـ"الزمان": اشتريت دفاية بـ 100 جنيه شمعتين وتعمل بالكهرباء من أحد أصحاب المعارض فى قليوب البلد بمحافظة القليوبية، وقد أخبرنى أنها تركية المنشأ وآمنة بالكامل وذلك العام الماضى، وكنا فى نهاية موسم الشتاء وبالتالى لم أكن أعتمد عليها طوال ساعات الليل واكتفى فقط بتشغيلها لساعة أو اثنين على الأكثر توفيرًا للكهرباء.

وأضافت، "قبل أيام ومع انخفاض درجات الحرارة كنت اضطر إلى تشغيل الدفاية لساعات طويلة، وفى أحد الأيام بسبب الإرهاق الذى أصابنى من أعمال المنزل طوال النهار، غفوت لدقائق وربما لحظات لا أدرى ما الوقت وكان نجلى الصغير الذى يبلغ من العمر 7 سنوات نائما بالقرب من الدفاية على بعد مترين، وما إن استيقظت لتناول شربة ماء وجدت وجهه يميل إلى اللون الأزرق".

وأوضحت، "صرخت بكل ما أوتيت من قوة حتى استيقظ الجيران وحملناه إلى المستشفى وما إن خرج من المنزل واستنشق هواء الشارع وفاق على الفور، لكن زيادة اطمئنان أخذته إلى المستشفى وهناك حذرنى الطبيب من استعمال تلك الدفاية مرة أخرى، والتى كادت أن تقتل نجلى فى ثوانٍ معدودة، ونصحنى بأنه فى حال إشعال أى مصادر تدفئة يجب أن يكون أثناء الاستيقاظ وليس النوم مع وجود فتحات تهوية لمنع سحب الأكسجين".

"برودة الطقس أهون ألف مرة من مسلسل الرعب الذى عايشناه ليلة رأس السنة"، هكذا عبر "بولا نصيف" الشاب الثلاثينى عن الحالة التى أصابته وأهل خطيبته قبل أيام، قائلاً: "كنت فى زيارة لأهل خطيبتى وكان ابنهم الصغير وهو فى الصف السادس الابتدائى نائما داخل غرفته وكان يوما شديد البرودة، وما إن دخلت حماتى على ابنها داخل غرفة النوم حتى سمعنا صوت صراخ بعد أن حاولت إيقاظه من النوم لأكثر من دقيقتين دون أى استجابة منه أبدًا، وعلى الفور أخذناه إلى أقرب مستشفى وقمنا بعمل جلسة تنفس صناعى، حتى استعاد وعيه مرة أخرى".

وأضاف، "بعد أن هدأت الأوضاع وبحثنا عن السبب اكتشفنا أن "مينا" قام بتشغيل الدفاية داخل غرفته وأغلق كل منافذ التهوية وبعد ساعتين نفد الأكسجين من الغرفة فتعرض إلى "إسفكسيا اختناق" التى كادت أن تنهى حياته إلى الأبد، بما أدى ذلك إلى تحطيم الدفاية على يد والدته، فهى ليست المرة الأولى حسب قوله، وسبق أن تكرر المشهد مع بعض أفراد الأسرة".

فيما أوضح المهندس سالم محمد "خبير بإحدى شركات تصنيع الأجهزة الكهربائية"، "أنه يجب الوضع فى الاعتبار أن هناك سوء استعمال أحيانًا من المستهلك وذلك عن طريق غلق كل منافذ التهوية داخل الغرفة وتشغيل الدفاية وهو أمر سيؤدى حتمًا إلى حرق الأكسجين الموجود ومن ثم نقص الأكسجين الواصل عن طريق الدم إلى المخ وتعرض الإنسان فى البداية إلى حالة إغماء يتلوها اختناق ثم وفاة، ولكن إذا ما أخذ المستهلك احتياطه وتعرض للاختناق فهنا يجب توجيه أصابع الاتهام وصدورنا مطمئنة إلى الشركة المصنعة".

وشدد على ضرورة شراء دفاية معلومة المنشأ وذات شهادة ضمان، ولا بد أن تكون ذات توصيلات كهربائية جيدة ويراعى أن تكون معلومة البيانات فيما يتعلق بقدرتها على التحمل ومكان التصنيع، حتى لا تتعرض للذوبان فى حال تعرض للتيار العالى، وكذلك لا بد بالاستعانة بفنى كهربائى عند تشعيل الدفاية، أو حدوث أى عطل وتغير "الفيش" فى حال هلاكها، وعدم استخدام محولات الجهد الكهربائية عند تشغيل المدافئ الكهربائية، وعدم إيصال المدفأة مع غيرها من الأجهزة بمشترك كهربائى واحد باستخدام التوصيلات وعدم ترك سلك المدفأة عرضة للمشى فوقه، وإذا لاحظت حرارة صاعدة من الفيش أو رائحة غريبة عليك بإيقاف الدفاية والاستعانة بفنى الصيانة.

وبين أن الدفايات المصنعة بواسطة الشركات المصرية المرخصة المعروفة لديها ضمان وفنيون لصيانتها ورغم أنها مرتفعة السعر لكنها أكثر أمانًا بعكس الدفايات الشعبية، التى وصل سعرها إلى 50 جنيها صعودًا إلى 200 جنيه.

ويتفق معه، أحمد الشيخ "مهندس كهرباء"، قائلاً إن ما يحدث هو تسريب غاز أول أكسيد الكربون من الدفايات رديئة الصنع، وهو ما يؤدى إلى قتل المستخدم أثناء النوم فلو حدث هذا الأمر أثناء الاستيقاظ لاستشعر الخطر، لأن هذا الغاز يتحد بالهالوجين فى الدم وهو المسئول عن نقل الأكسجين من الجو إلى الدم، وعند الاتحاد الشديد بينهما يؤدى ذلك إلى منع وصول الأكسجين إلى الدم، وبالتالى الإصابة بالفشل التنفسى ثم فقدان الوعى، ومن ثم الوفاة.

ولفت إلى أن استخدام الدفايات الرديئة قد يؤدى التهاب الشعب الرئوية، ووسيلة للعدوى بأمراض الجهاز التنفسى، حيث البقاء فى مكان مغلق لفترة مع أفراد مصابين مثلاً بنزلات شعبية يؤدى إلى نقل المرض، وفى كل الأحوال لا ينصح بها على الإطلاق، حيث لا بد من حصار إعلانات تلك الدفايات السيئة والرديئة والمنتشرة عبر فضائيات بير السلم.

فيما أكد "محمد عامر" تاجر أدوات منزلية وكهربائية: "نبيع كافة أنواع الدفايات ونتجنب الرديئة أو المجهولة ذات الأسعار الرخيصة، حتى لا نكون سببا فى وفاة أحدهم، حيث إن هذه الأنواع الرديئة تُعرضنا للمساءلة القانونية وربما الحبس، لأنك ساهمت فى ترويج سلعة مغشوشة، والعملية برمتها تعود إلى مناطق تصنيع والتلاعب فى اسم المنشأ لتلك الدفايات فى محافظة القليوبية، حيث يقوم بعض التجار بمحو اسم بلد المنشأ وتكون الصين على سبيل المثال، ويتم وضع اسم صنع فى تركيا وهى دفايات لا تقل عن 1200 جنيه وبها حساسات وتايمر لغلق الدفاية حسب التوقيت الذى تختاره".

وأضاف، أنه من الضرورى ترك النوافذ مفتوحة عند استعمال مدفأة الغاز لأنها تؤدى إلى استهلاك كمية الأكسجين الموجود فى الغرفة، مما ينتج عنه فقدان الوعى للنائمين، واختناقهم بأول أوكسيد الكربون، فقد يحدث خللا فيها أو فى توصيلاتها فيؤدى إلى وفاة الشخص الموجود فى الغرفة بسبب استنشاق الغاز المتسرب، ناهينا عن الحرائق التى من الممكن حدوثها".

ويتفق معه "أسامة عزت" تاجر أجهزة كهربائية، قائلاً إن انخفاض درجات الحرارة وإقبال الناس على الدفايات دفع بعض التجار إلى الجنون وقاموا باستيراد دفايات صينية بعضها ينفجر مثل القنابل بعد أيام من الاستعمال، والحل لمواجهة تلك الظاهرة محاصرة الأنواع السيئة والتى سبق أن تسببت فى كوارث، وتفعيل الرقابة وحصار عمليات التسويق العشوائى.