كسوف كلي للشمس في أبريل المقبل.. هل يراه المصريون؟ تنفيذ 1000 مشروع ضمن برنامج فرصة للتمكين الاقتصادي «شؤون الحرمين» ترفع جاهزيتها لتهيئة الأجواء التعبدية خلال العشر الأواخر من رمضان فلسطين: العالم على «محك اختبار نهائي» لإدخال المساعدات إلى غزة فحص 6 ملايين و264 ألف طفل ضمن مبادرة علاج ضعف وفقدان السمع وزيرا الأوقاف والتنمية المحلية ومحافظ الجيزة يلتقون قيادات الدعوة بمحافظة الجيزة وزير التنمية المحلية ومحافظ الجيزة ومفتى الجمهورية يفتتحون مسجد الروضة بحدائق الأهرام جهود أجهزة وزارة الداخلية لمكافحة الجريمة ومرتكبي السرقات تطوير وتشغيل 3 أقسام للعلاج الطبيعي خلال فبراير الماضي طرح 19 ألف وظيفة معلم مساعد مادة قريبًا تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير (188) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية بشتى صورها
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

 مظاهر تسامح الحضارة الإسلامية فى الأندلس (4)

من المراسلات الإخوانية ما كتب به أيوب بن سليمان المروانى (ق هـ 6) (1)إلى بسام بن شمعون اليهودى الوشقى، الذى كانت تربط بينهما روابط صداقة متينة، بلغت درجة الإخاء حتى أصبح مطمح نفسه الذى اختاره من بين كل أبناء جنسه، ويعلل أسباب هذا الاختيار بأن الرجل على خلق كريم وعلى جانب كبير من الكرم (2)، وكل ما يطلبه أيوب بن سليمان فى رسالته هذه، أن يقضى وقتًا ممتعًا فى ضيافة هذا اليهودى، فى منزله بين جواريه وقيانه.

يقول: "لما كنت - وصل الله تعالى إخاءك وحفظك- مطمح نفسى، ومنزع اختيارى من أبناء جنسى، على جوانبك أميل، وأرتع فى رياض خلقك الجميل، هزتنى خواطر الطرب والارتياح، فى هذا اليوم المطير الداعى بكاؤه إلى ابتسام الأقداح، واستنطاق البم والزى، فلم أر معينًا على ذلك، ومبلغًا إلى ما هنالك إلا حسن نظرك وتجشمك من المكارم ما جرت به عادتك، وهذا يوم حرم الطرف فيه الحركة، وجعل فى تركها الخير والبركة، فهل توصل مكرمتك أخاك إلى التخلى معك فى زاوية، متكئًا على دن مستندًا إلى خابية، ونحن خلال ذلك نتجاذب أهداب الحديث الذى لم يبق من اللذات، ونجيل الألحاظ فيما تعودت عندك من المحاسن والأسماع فى أصناف الملاهى، وأنت على ذلك قدير وكرمك بتكلفه جدير:

                ولا يعـين المرء يومًا على             راحـتـه إلا كريــم الـطـبـــــــاع

                وها أنا واسمع منى إلـــــى             الباب وذو الشوق حليف استماع

                فإن أتــى داع بنيل المنـــى            ودع أشجانى ونــعم الــــــوداع(3)

   ولفهم هذه الرسالة لابد من معرفة الظروف الزمانية والمكانية التى عاش فيها أيوب المروانى(4)، فى زمن ضاعت فيه الدولة المروانية وسقطت هيبتها، وأصبح لقب المروانى شؤمًا على صاحبه، وهو القائل فى هذا " الحمد لله الذى أسعدنا به أولًا وأشقانا به آخر"، وقد أورد ابن سعيد حكاية إن دلت على شىء فإنما تدل على ما كان يتمتع به اليهود من الطمأنينة والاستقرار، الشىء الذى لم يحظ به بعض العرب المسلمين كالمروانيين، يقول ابن سعيد فى ترجمة أيوب هذا" وأتفق له فى طريقه أن أكرمه بدوى نزل عنده، وقد تخيل أنه رسول من بعض ملوك الملثمين، أو ممن يلوذ بهم، فلما أعلمه غلامه أنه من بنى أمية هاج وأخذ رمحه وحلف ألا يبقى له فى منزل، فقال لغلامه: إذا سئلت عنى فقل إنه من اليهود، فإنه أمشى لحالنا"(5).

 

          إذا كانت هذه المراسلة صدرت من أيوب بن سليمان إلى بسام بن شمعون رغبة منه فى قضاء أمسيات لذة ومتعة، اتحد فى الرغبة فيها هواهما، فإن المخاطبة التالية جرت بين أبى المطرف بن الدباغ (6) وبين أبى الفضل بن حسداى، وأظهرت جوانب الاختلاف بين الصديقين فى رؤيتهما لمتع ‎الحياة، وفى عقيدة كل منهما فى الخمر، فإذا كان ابن الدباغ يوضح فى رسالته استمتاعه بطيبات ما أحل الله، وابتعاده عما حرم الله ومن ذلك الخمر، يقول: "كتابى هذا من وادى الزيتون، ونحن فيه محتلون، ببقعة اكتست من السندس الأخضر، وتحلت بأنواع الزهر، وتخايلت بأنهار تتخللها، وأشجار تضللها، تحجب أدواحها الشمس لالتفافها، وتأذن للنسيم فيميل من أعطافها، وماشئتم من محاسن تروق وتعجب، أطيار تتجاوب بألحان تلهى وتطرب، فى مثله يعود الزمان كله صبا، وتجرى الحياة على الأمل والمنى، وأنا -أبقاكم الله- فيها بحال من طاب غذاؤه، وحسن استمراؤه، وصحا من جنون العقار، واستراح من مضض الخمار، وزايلته وساوسه، وخلصت من الخباط هواجسه "(7).

وتصل رسالته إلى ابن حسداى فيجيبه عليها برسالة يمجد فيها الخمر لأنها صافية طاهرة، طيبة عاطرة، طلقة ناضرة.

يقول فيها "ولكن هات حدثنا حين لم ترض بالراح إلفا وطلقتها ألفا، ما سببك فى سبك لها، وهى صافية طاهرة، وغضك منها وهى طيبة عاطرة، وكلوحك فى وجهها وهى طلقة ناضرة؟ ومالك جواب غير قول أبى نواس:

                لا تسم المـــدام إن لمت فيها           فتشـــين اسمها المليح بفيكا

وأما إشارتك فى أن نشربها على ودك، ونتذكر عليها طيب عهدك، فلا ولا كرامة ولا نعمى عين، فهى أجل وأكرم من أن نبذ لها فى ود من جفاها وقلاها، ونديرها على حمد من ذمها وهجاها".(8).   

 

 

1)  ترجمته فى المغرب لابن سعيد ج1 ص60 .

2) هذه الصفة سنجدها تتكرر عند الشاعر والممدوح إذ ركز عليها فى المدح جل الشعراء

3) النفح 3 ص 529

4) من أدباء القرن الهجرى السادس تولى الكتابة لابن الحاج قاضى الجماعة بقرطبة

5) المغرب لابن سعيد ج1 ص61 .

6)الذخيرة لابن بسام ق3 م1 ص251 .

7) المصدر السابق ص282

8) الذخيرة ق3 م1 ص287