إثيوبيا تسقط دبلوماسيا في ملف سد النهضة

القاهرة والخرطوم يعريان أديس أبابا أمام العالم
القيادة السياسية تبحث عن حلول جديدة لاحتواء التمرد الإثيوبى
حليمة: حان وقت اجتماع الرؤساء الثلاثة بواسطة أمريكية لوضع حل عملى
مطاوع: المشاكل الداخلية تحكم القرار الإثيوبى رغم مرور تجارتهم الخارجية عبر قناة السويس
البشبيشى: لا بد من تقديم رؤية شاملة وجديدة للتعاون مع دول حوض النيل
اللواء العمدة: لن يجرنا أحد إلى الحرب دون إرادتنا
اللواء فتحى عبدالله: إثيوبيا تتعنت بإيعاز من تل أبيب
أعلن وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبدالعاطي، الأربعاء، أن إثيوبيا رفضت الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة ألية قانونية ملزمة لفض النزاعات، مؤكدا أنها سعت إلى الحصول على حق مطلق فى إقامة مشروعات في أعالي النيل الأزرق
ولفت إلى أن إثيوبيا تمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لها أن تعدلها بشكل منفرد، واعترضت على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فعالية لمجابهة الجفاف.
وأشار إلى أن مفاوضات سد النهضة لم تحقق تقدما يذكر بسبب المواقف الأثيوبية المتعنتة على المستويين الفني والقانوني.
ومن جانبه، قال وزير الري السوداني ياسر عباس، الأربعاء، إنهم طالبوا بإحالة الخلافات بمفاوضات سد النهضة إلى رؤساء وزراء الدول الثلاث.
وتابع عباس في مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي:" المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا تواصلت اليوم على مستوى وزراء الري، وأكد سعي السودان، القانوني للتوصل لحلول مرضية وعادلة حول القضايا الخلافية.
كما أكد أن بلاده تؤكد على حق الدول في الاستخدام المنصف لمياه النيل دون ضرر.
وأشار إلى أنه رغم التقدم المعتبر الذي تم تحقيقه في الجوانب الفنية المتعلقة بملء وتشغيل سد النهضة، إلا أن الخلافات في الجوانب القانونية كشفت عن خلافات مفاهيمية حقيقية بين الأطراف الثلاث حول عدد من القضايا على رأسها مدى إلزامية الاتفاق وآلية حل النزاعات وعدم ربط الاتفاق بأي اتفاقيات أخرى باعتبار أن الاتفاق الحالي يفترض أن يتعلق بملء وتشغيل السد وليس بتقاسم حصص المياه بين الدول الثلاثة.
وأوضح أنه بناء على ذلك طلب السودان، إحالة الملفات الخلافية لرؤساء الوزراء في الدول الثلاثة للوصول لتوافق سياسي بشأنها بما يوفر الإرادة السياسية التي تسمح باستئناف المفاوضات في أسرع وقت بعد التشاور بين وزراء الري في الدول الثلاثة.
وأكد مجلس الأمن القومي الأميركي، مساء الأربعاء الماضي، أن 257 مليون شخص في شرق أفريقيا يعتمدون على إثيوبيا في إظهار قيادة قوية للتوصل إلى اتفاق عادل بشأن سد النهضة.
وذكر المجلس في تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر: "حان الوقت لإبرام اتفاق قبل البدء في عمليات ملء سد النهضة بمياه النيل".
وأكد بيان صادر عن وزارة الري السودانية نشوب خلافات مفاهيمية حقيقية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن عدد من القضايا المتعلقة بسد النهضة، على رأسها مدى إلزامية الاتفاق وآلية حل النزاعات وعدم ربط الاتفاق بأي اتفاقيات أخرى.
وذكر أن الاتفاق الحالي يفترض أن يتعلق بملء وتشغيل السد وليس بتقاسم حصص المياه بين الدول الثلاثة.
وقال السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن المذكرة التى قدمتها إثيوبيا للمفاوض المصرى والسودانى، هذا الأسبوع مرفوضة تماما لأنها لم تراعِ المواثيق والأعراف الدولية المنظمة للأنهار الدولية التى يتشارك فيها أكثر من دولة والتى لا تسمح لإثيوبيا بأن تستأثر بالقرار منفرده.
أوضح لـ"الزمان" أن التعنت الإثيوبى أصبح واضحا للمجتمع الدولى نظرا لوجود مراقبين دوليين فى المفاوضات من الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى ممثلا فى دولة جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، التى دخلت كوسيط فى مفاوضات واشنطن التى رفضت إثيوبيا التوقيع عليها.
لفت حليمة إلى رفض إثيوبيا حضور البنك الدولى الذى قام بصياغة نص اتفاق واشنطن، والذى طالب بمراعات كمية المياه المتدفقة من السد إلى دولتى المصب وليس عدد سنوات الملء، وهو نص عادل غير أن إثيوبيا خشيت من أن يطالبها بالالتزام بهذا الرأى فرفضت حضور المفاوضات.
وقال مساعد الوزير الأسبق إن تصرفات إثيوبيا تؤكد أنها عازمة على ملء السد بصرف النظر عن موافقة دولتى المصب من عدمه لافتا إلى احتمال أن يكون هناك دول إقليمية ودولية تقف وراء ذلك التعنت، الذى يهدد الأمن القومى المصرى فى ظل الصراعات المسلحة التى تدور على حدودنا الغربية فى ليبيا، وتصاعد أزمة كورونا التى أضرت باقتصاديات كل دول العالم.
طالب حليمة بعقد اجتماع على مستوى رؤساء الدول بحضور الرئيس الأمريكى الذى أشرف بنفسه على مفاوضات واشنطن للبحث عن حلول عملية للمشكلة، موضحا أن إثيوبيا تعانى من مشاكل سياسية قد تدفعها لخلق أزمات خارجية لشغل الرأى العام الداخلى، مثل أزمة إقليم التيجراى الذى يطلب الانفصال عن الحكومة الفيدرالية.
فى سياق متصل أوضح الدكتور عبدالفتاح مطاوع الرئيس الأسبق لهيئة مياه النيل، أن تقرير المجموعة الدولية للكوارث التى أصدرت تقريرها مؤخرا بإشراف روبرت مالى حيث أكد فيه تأزم الأوضاع الداخلية فى إثيوبيا، وأن هناك صراعا يدور بين نخبة قبيلة التيجراى التى تشكل 6.1% من السكان ونخبة قبيلة الأمهرة التى تشكل 27% من السكان.
وقال إن التقرير أشار إلى احتمال تطور الأمور بصورة تدفع الجيش الإثيوبى للتدخل، مما سيعمق الشروخ داخل الجيش ويضعف تماسكه الهش، ويقترح التقرير على الحكومة الفيدرالية إعطاء حوافز لقبيلة التيجراى، وعلى الأخص لسكان حدود الأقاليم، وفتح باب تعليم اللغة بالمدارس، مشيرا إلى أنه على الرغم من روابط الديانة المسيحية واللغة والثقافة بين التيجراى والأمهرة، إلا أن النعرات العرقية هى الغالبة.
أضاف مطاوع أن التقرير أشار إلى أنه منذ مجىء آبى أحمد، إلى السلطة فقدت قبيلة التيجراى سيطرتها ونفوذها بعد طرد موظفيها من الوظائف الحكومية، وأن السلام الذى سعى إليه آبى أحمد مع إريتريا كان على حساب التيجراى وعاصمتهم "ميكيلى" المجاورة لإريتريا.
أوضح رئيس الهيئة الأسبق أن هناك تاريخا من الصراعات والكراهية بين التيجراى والإريتريين، وأن سعى أبى أحمد للسلام مع إريتريا الذى حصل بموجبه على جائزة نوبل للسلام جاء أساسا لتقليص سلطة التيجراى التى ظلت تسيطر على مصادر السلطة والثروة لمدة ثلاثة عقود.
لفت مطاوع إلى أن أبى أحمد من قبيلة الأورومو ذات الأغلبية الفقيرة المضطهدة لعدة قرون، وله محاولات عديدة فى دغدغة مشاعر قبيلة الأمهرة ذات التاريخ الطويل فى الصراع والتنافس على الحدود مع قبائل التيجراى والأقليات، على مصادر الثروة من السمسم، وحول اللغة والتعليم والسلطة التى يتعطش لها الجميع فى إثيوبيا.
أكد خبير المياه أن تقرير المجموعة الدولية للكوارث انتهى إلى أن إثيوبيا، ما لم تضع حداً للنار المشتعلة بين القبائل، عن طريق إعطاء حوافز لقبيلة التيجراى، ستتحول النيران إلى حريق هائل يصعب السيطرة عليه.
لفت الدكتور عبدالفتاح مطاوع إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبى يريد أن يعطى ظهره للصراعات القبلية والاجتماعية والسياسية فى الداخل الإثيوبى، عن طريق المقامرة باستغلال مشروع سد النهضة فى إثارة المشاعر القومية الزائفة ضد مصر! متصورا أن بإمكانه وقف الصراعات القبلية الداخلية بفتح جبهات صراع خارجية.
وحول الحلول البديلة أمام مصر قال مطاوع إن إثيوبيا دولة فقيرة تحصل على معونات غذائية من كثير من دول العالم التى تمر من قناة السويس، وفى حالة تصاعد الصراع يمكن وقف سفنهم العابرة فى قناة السويس مما سيؤثر بقوة على توفير الغذاء لشعبها.
واختتم مطاوع كلامه بأن منطقة شرق أفريقيا غنية بمواردها المائية، ولكنها تفتقر لمشروعات البنية الأساسية لإنتاج الغذاء من مدخلات ومخرجات العملية الإنتاجية، ناهيك عن تأثرها بالتغيرات المناخية، التى نسميها بالأزمة الكونية الأولى بالقرن العشرين، والتى جاءت بعدها أزمة فيروس كورونا، كثانى أزمة كونية فى القرن الحادى والعشرين، وأولى بها أن تفكر فى مشروعات إنتاجية إقليمية ترفع من نسبة الاكتفاء الذاتى من الغذاء لشعبها ولشعوب المنطقة.
من جانبها دعت الدكتورة هبة البشبيشى الأستاذ بمعهد الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، الحكومة المصرية إلى تقديم رؤية شاملة جديدة لصياغة التعاون بين دول حوض النيل جميعا وليس بين مصر وإثيوبيا فقط، وذلك لتلبية طموحات الشعوب الأفريقية، فمن يضمن لنا ألا تأتى كينيا أو رواندا غدا بطلب إقامة سدود لتوليد الكهرباء أو أى شأن آخر.
أضافت أنه يجب على مصر أن تنتهز الفرصة الأخيرة فى المفاوضات بالتقدم بطلب لعقد اجتماعات توافقية؛ لإثبات حسن النوايا بين الدول الأفريقية، على أن تطالب بوجود طرف أوروبى فى المفاوضات، يفضل أن تكون فرنسا لحضور ذلك الاجتماع لصياغة اتفاقية جديدة أقوى وأهم من اتفاقية عنتيبى.
وقالت إنها كباحثة فى الشئون الأفريقية متبرعة تماما لصياغة مفردات الوثيقة الجديدة الخاصة بنهر النيل والحديث عن الاستخدام العادل والمنصف، واستخدام مفهوم المحاصصة المائية، بالتنسيق مع أى أستاذ للقانون الدولى.
طالبت البشبيشى مصر بتوقف الإعلام عن الحديث المستمر عن الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل التى يرفضها الشعب الإثيوبى نظرا لارتباطها بالاستعمار والتحدث بدلا منها عن التعويضات المالية المنصوص عليها فى اتفاقية الإطار عام 2015.
أكدت خبيرة الشئون الأفريقية أن فكرة تجاهل هذه التعويضات لن تعود علينا إلا بالخسارة لأنه حق قانونى ترتب على اتفاقية حديثة موقعة من البرلمان الإثيوبى، محذرة من تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية فى بروكسل الذى تحدث عن التعويضات ولكن بصورة عكسية من مصر تجاه إثيوبيا إذا ما منعتها مصر من ملء السد فى الميعاد المعلن، ومعنى ذلك أن النية مبيتة لإحراج مصر عالميا والضغط عليها لدفع تعويضات، متعجبة من عدم التنبه للخطورة القانونية المترتبة على تلك الخطوة.
وعلى الصعيد الاستراتيجي، قال اللواء عادل العمدة، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، والخبير العسكرى، إن هناك مسارا سياسيا آخر لحل أزمة سد النهضة وهذا ما ذكره وزير الخارجية سامح شكرى، وذلك من خلال اللجوء لمجلس الأمن والأمم المتحدة لاتخاذ ما يرونه مناسباً للتعامل مع التعنت الإثيوبى.
وأضاف مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أن هذا التعنت الواضح من المفترض أنه سيتسبب فى ضرر كبير على دول المصب، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتعارض مع القوانين الدولية، ويوجب على الأمم المتحدة توقيع عقوبات رادعة على الجانب الإثيوبى، لإعادتها إلى مسار المفاوضات مرة أخرى على أرضية حقيقية صلبة، أو نكون قد وصلنا مع إثيوبيا لأقصى درجات العمل التفاوضى.
وأكد اللواء العمدة أنه لن يستطيع أحد أن يزج بمصر إلى حرب إلا فى حالة أن كنا نريد أن نخوض حرباً، لافتا إلى أن ذلك يتم وفق تقدير الموقف بالنسبة لنا، ولن يستطيع أحد أن يفرض علينا إرادته أو يملى علينا كيفية التصرف أو أخذ قرار، موضحاً، أن قرارنا حُر وفق مصالحنا فى التوقيت المناسب على تقدير الموقف.
أشار اللواء فتحى عبدالله مستشار مدير الكلية الحربية، والخبير العسكرى، إلى أن الأزمة المتعلقة بسد النهضة هى موضوع شائك بسبب التعنت الإثيوبى، مشيرا إلى أن الحل العسكرى هو أمر موجود وقائم ولكن له سلبيات، فى حين أن إثيوبيا تملك ثقة كبيرة جدا غير معروف مصدرها.
وأوضح مستشار مدير الكلية العسكرية، أن أزمة سد النهضة موضوع متعلق بالحياة أو الموت، لافتا إلى أنه حالياً عقب أزمة كورونا عدد المصريين أصبح 110 ملايين نسمة، بعد عودة المصريين من الخارج، وهذا قد يسبب أزمة كبيرة فى حالة تنفيذ إثيوبيا ملء السد بطريقتها دون اتفاق، وهذا أمر لن نقبل به أبداً.
وتوقع اللواء فتحى، أن إثيوبيا إذا لم تنصاع للاتفاق مع مصر والسودان سوف يكون هناك حل عسكرى يعقب كل هذه المفاوضات التى تتهرب منها إثيوبيا، مضيفاً، أنه لا يعتقد أن هناك أملا معها فى المفاوضات لأن إثيوبيا لديها ثقة عمياء أنها ستنفذ ما تريده فيما يتعلق بالملء.
وأكد اللواء فتحى عبدالله، أنه خلال المباحثات الأخيرة لإثيوبيا من الواضح بشكل يراه الجميع أنها متعنتة جداً ولديها رؤية أخرى غير الاتفاق السياسى، معرباً عن عدم التفاؤل لهذا التعنت الواضح، رغم علمهم أن الجيش المصرى هو العاشر على العالم ولديه قدرات قتالية عالية، لذلك هذا الموقف المتعنت من قبل إثيوبيا وعدم أخذها الأمور بجدية أمر محير وغير طبيعى.
وتابع، أعتقد أن إسرائيل بنسبة 99% لديها يد فى هذا التعنت، موضحاً، أن هناك قاعدة صواريخ مضادة للطائرات وضعتها إسرائيل حول سد النهضة تحسباً لدخول أى طائرات تحاول القضاء على السد.