رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

السفير رؤوف سعد: بقاء الحكومات تحدده إدارتها للأزمات (حوار)

الجائحة أحدثت زلزالا داخل الاتحاد الأوروبى وكشفت هشاشته

المفوضية الألمانية تتجه لمعالجة مشاكل الاتحاد

أوروبا تواجه الجائحة بـ"صندوق للتعافى"

السفير رؤوف سعد رئيس المكتب الوطنى لاتفاقية المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبى، سفير مصر سابقاً لدى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل وبلجيكا و موسكو، والرئيس الأسبق للجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشعب، عمل معاوناً لوزير الخارجية السابق، خدم فى عدة بعثات فى نيويورك وسفارة مصر فى موسكو، وقضى 7 سنوات فى القوات المسلحة، كما شارك فى حرب أكتوبر.

حاورته "الزمان"، فى عدد من الموضوعات الهامة حول الاتحاد الأوروبى ومدى تأثره بجائحة كورونا، وجهود الاتحاد لإعادة ترميم الدول المتأثرة بهذا الوباء العالمى، كما حدثنا عن تأثير تقييم الشعوب للحكومات بعد الجائحة وعلاقة مصر بالاتحاد الأوروبى، وتطرق خلال حواره إلى الأزمة الليبية، وتأثر الحلفاء داخل الاتحاد الأوروبى بعد الجائحة.

وإلى نص الحوار..

هل كشفت جائحة كورونا درجة استعداد حكومات العالم؟

جائحة كورونا أحدثت فى العالم كله تأثيرات تكاد تكون غير مسبوقة فى العصر الحديث، وهذه التأثيرات تجاوزت بكثير الأضرار الصحية والاقتصادية التى سببتها لأنها أحدثت اهتزازاً يصفه البعض كزلزال فى النظام الدولى ككل فى العلاقات الدولية بين الدول، من أهمها، أن هذه الجائحة كشفت مدى جاهزية واستعداد الحكومات فى الدول المتقدمة لمواجهة هذه الجائحة وتبين أن دور الدول كان يتراجع بصفة مستمرة فى ظل التوجهات الديمقراطية التى تدعوا إلى الحريات والشفافية وغيرها، ومن هنا يتوقع دور الدولة الوطنى وليس دورها المركزى وهناك اختلاف بين المعنيين، لأنه قد يفهم البعض أن دور الدولة وكأنه دعوة عقائدية لترويج الدولة الاشتراكية لأنه ببساطة هناك العديد من الدول لا تتبنى النهج الاشتراكى ولكنها تتمتع كدولة بالكفاءة والأداء، ومن أبرزها مصر التى قادت جهود مواجهة الجائحة بحرفية عالية وبجاهزية بشكل أذهل المصريين أنفسهم واستطاعت من خلال الأداء المتماسك والتنسيق الوطنى على نطاق واسع بأن تبرز عالميا كإحدى أفضل الدول التى تعاملت مع هذه الجائحة.

كيف أثرت الجائحة على العلاقة بين المواطنين والحكومات؟

خلقت جائحة كورونا علاقة مهمة بين المواطنين والحكومة لأنه وسط هذا النوع من الكوارث لا يمكن بجهود الحكومات أن تأتى بنتائج حقيقية ما لم تتم من خلال ومن أجل المواطنين، وبالتالى العلاقة بين المواطنين والحكومة اتخذت أولوية جديدة فى سُلم الأولويات الوطنية والعالمية، بحيث إنه أصبح العامل أساسى فى الحكم على أداء الدولة بما فيه علاقة المواطنين والتى أصبحت مثل "الحكومة الرشيدة".

هل تؤثر الجائحة على مقياس اختيار الحكومات فى المستقبل؟

أحد النتائج الهامة التى ستفرزها هذه الجائحة أنه فى المستقبل سيصبح معيار كفاءة الحكومات معيار أساسى فى اختيار الحكومة، حيث إن المواطن سوف يرتكز فى تقييمه لأداء الحكومة بشكل أساسى قد يتجاوز انتماءات حزبية أو عقائدية.

كما أن الجائحة تسببت فى خلافات كانت موجودة بالفعل بين حلفاء تقليديين بل وظهرت أنواع جديدة من التحالفات على القمة وعلى سبيل المثال الخلاف بين الاتحاد الأوروبى وبين الولايات المتحدة، حيث حدث حالة من الانكفاء الوطنى وبدأ ما يسمى بالمصالح المشتركة بين الحلفاء واتضح أن هناك تعارض وصراع تجارى دائر بين الاتحاد الأوروبى وبين أمريكا، وكذلك الصراع الدائر بين الصين وأمريكا جعل من شكل التحالف الأمريكى الأوروبى موضع شك ودخل الاتحاد الأوروبى والصين حالة من التآلف بدلا من التحالف فى مواجهة الإجراءات التجارية الأمريكية وكل هذا ظهر بشكل كبير خلال جائحة كورونا، باعتبار أن الصين كانت مصدرا للجائحة إلا أنها تمكنت أن تسيطر على هذا الوباء فى وقت قليل وبالتالى كانت خبرتها مهمة فى هذا الصدد.

ما تأثير الجائحة على الاتحاد الأوروبى؟

هناك مفوضية جديدة لرئاسة الاتحاد برئيس ألمانى وبهذا الشكل ستترأس ألمانيا الاتحاد اعتبارا من يوليو، هذه المفوضية بدأت وهى عازمة على أن تعالج التصدع والنكسات التى كانت تعانى منها خلال السنوات السابقة، خصوصا مسألة الخروج البريطانى وارتفاع شعبية التيارات الشعبية واليمينية، التى تشكك وبعضها تعارض الوحدة الأوروبية وبالتالى كانت على أهبة أن تنطلق إلى مرحلة جديدة وبعزم جديد وقوة دفع جديدة من خلال عدد من المبادرات، مثل مبادرة الصفقة الخضراء وهى صفقة استراتيجية جدا لأنها تدعو إلى وصول ما يسمى بالحياد الكربونى عام 2050، واستراتيجية ما يسمى بالاقتصاد الدائرى وعدد من الاستراتيجيات التى سوف تغير نمط الإنتاج والاستهلاك، ليس فقط داخل الاتحاد الأوروبى ولكن أيضا فى علاقاته مع الدول الشريكة ومنها مصر، وكانت وهى تتأهب للانطلاق بهذه الاستراتيجيات الجديدة التى كانت تعتمد عليها فى إعادة الهوية وإعادة الروح الوحدوية داخل الاتحاد الأوروبى، فأصيبت بأزمة الجائحة وبناء عليه أحدثت زلزالا داخل الاتحاد الأوروبى هو الآخر كشف أن هوية الاتحاد الأوروبى تعانى من "هشاشة"، خصوصا فى ضوء الانقسام الذى ظهر بين أعضاء الاتحاد الأوروبى الذين تضرروا بشكل أساسى من الجائحة وتحديداً إيطاليا وإسبانيا، وشكواها من أن الاتحاد الأوروبى تقاعس وأن هناك تفضيلا للمصلحة الوطنية على المصلحة الأوروبية وهذا أمر خطير، وبالتالى هذا الأمر أضاف جرحا جديداً بالإضافة إلى الجراح الأوروبية القديمة.

ولكن الإرادة الألمانية لرئيسة المفوضية الأوروبية ساعدت أن تتخذ إجراءات سريعة لمعالجة هذه الجروح وبدأت المفوضية تتحرك فى اتجاه التنفيذ الفعلى لهذه الاستراتيجيات واتخاذ إجراءات سريعة لوضع برنامج للتعافى، من خلال إنشاء صندوق "للتعافى الاقتصادى من آثار الجائحة"، وبدأت محاولة تعبئة القوى المؤيدة للوحدة الأوروبية من خلال إجراءات تخدم المواطن، حيث إن المحاسبة من الآن فصاعداً سيكون "أداء الحكومات"، وبالتالى الإجراءات داخل الاتحاد لا تنطبق فقط على العلاقات لخارجية بل تبدأ من العلاقات ما بين الدول الأوروبية، خصوصاً أن هناك دولتين مثل بولندا والمجر الاتحاد الأوروبى اتخذ إجراءات فعلية ضدهما لأنهما تعمدتا مخالفة سيادة القانون.

ماذا عن العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبى؟

علاقتنا بالاتحاد الأوروبى هى علاقة استراتيجية رئيسية وشريك تجارى رئيسى لنا، حيث إن حجم التجارة بين مصر والاتحاد يكاد أن يصل إلى 30 مليار يورو، وهذا حجم ضخم وبالتالى فإن كل ما يتخذ داخل الاتحاد الأوروبى له تأثير علينا فى مصر، لذلك أعتقد أنه بالرغم مما أحدثته هذه الجائحة من ضرر على الاقتصاد المصرى وأضرت بالمكتسبات الكثيرة التى حققها المجال الاقتصادى، إلا أنه أتاح فرصة لمصر أن تواصل بجرأة الإصلاح الاقتصادى وتنخرط أكثر فى إصلاحات أساسية فى القطاعات الزراعية والاقتصادية والتجارية حتى يمكن أنها تتواكب مع المتغيرات العالمية وتستطيع من خلال هذه التعديلات الهيكلية أن تصبح عضو هام فى الاقتصاد العالمى.

ما موقف الاتحاد الأوروبى من الأزمة الليبية؟

واضح أن هناك اختلافا فى المصالح وطبعاً المصلحة فى ليبيا تدور حول النفط، بالإضافة أن هناك هاجسا مهما جدا يشغل الاتحاد الأوروبى وهو "الهجرة غير الشرعية"، حيث إن الهجرة الشرعية مرتبطة تماما بالأزمات سواء فى منطقة المتوسط أو أفريقيا أو غيرها، فالنزاعات السياسية والأزمات تفرغ مهاجرين غير شرعيين أو إرهابيين، وهذه هى الظروف التى تهيئ لمثل هذه الظواهر الضارة، وبالتالى مصر تبذل كل الجهد بصمت محسوب للوصول إلى حل سياسى وليس عسكرى للتوصل إلى سلام دائم فى ليبيا.

ما تأثير الجائحة على الدول المتقدمة؟

الولايات المتحدة مهتمة بأن تحتوى الأزمة بقدر الإمكان، ومنذ إدارة أوباما أطلقوا شعارا جديدا وهو "السهم إلى أسيا"، وهذا معناه أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتواجد فى أسيا تواجدا استراتيجياً وهذا لا يعنى أنها ستنسحب من التواجد فى المنطقة، ولكن هناك فرق بين التواجد التكتيكى يختلف عن التواجد الاستراتيجى فأمريكا لا تستطيع أن تتواجد فى منطقتين استراتيجيتين وبالتالى فالصورة التى نراها الآن أن التحدى الرئيسى هو الصين وبالتالى هناك إجراءات تقوم بها إدارة ترامب قد تجد هذه الإدارة الكثير من المعارضين داخل الولايات المتحدة، إلا أنه أصبح من الواضح الآن أن هذا هو التوجه وبالتالى نتوقع إذا أعيد انتخاب إدارة ترامب سوف يستمر هذا التوتر، ولكن هناك بعض الخبراء يقدروا أنه إذا أتت الانتخابات بمرشح ديمقراطى ستتغير الأمور كثيراً.

ولكن فى حقيقة الأمر هناك صعود وهبوط اقتصادى وسياسى بشكل نسبى بين بعض الدول بعد الجائحة، حيث إن هناك صعودا فى الصين والهند والبرازيل وهناك جهود فى روسيا، كما تشهد منطقة النمور الأسيوية صعوداً هادئ.

كيف ترى مصر من حيث إدارتها لسياستها الخارجية؟

مصر تدير سياسة خارجية تحتاج أن نتأملها حيث إننا لو نظرنا لأى سياسة خارجية سنجد أن بها هامشا نسميه تنازلات أو توازنات وهى تضيق وتتسع حسب مدى اتساع أو ضيق مصالح الدولة، بمعنى أنه كلما تعددت واتسعت مصالح الدولة كلما ضاق هامش التوازنات، بمعنى أنه عندما تكون السياسة الخارجية للدولة أو العلاقات محصورة فى دولتين كبيرتين نجد أن قدرتنا على المناورة محدودة جدا، ولكن عندما تتسع هذه المصالح سنجد أن قدرتنا على المناورة تتسع، وعلى سبيل المثال اليوم علاقات مصر ممتدة مع روسيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأسيوية، مثل زيارة الرئيس السيسى لدولة سنغافورة والتى عاد منها بتكنولوجية كبيرة عن تحلية المياه، وبالتالى الدولة المصرية تدير سياسة خارجية عصرية تستهدف المصلحة المصرية بشكل أولى وعلى هذا الأساس تدير علاقتها ومصالحها مع العالم الخارجى.