رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

وهربت الفريسة من العروسة

وبينما هو يرتب أغراضه دلفت والدته إلى حجرته مبتسمة وراحت ترقبه فى هدوء حتى التفت منير إليها متسائلا عن سر الابتسامة، فقالت: ألم تحدثنى يوما عن أمل ابنة الجيران فى العمارة المجاورة وكيف أنها تعجبك وترى فيها شريكا مناسبا، فلماذا لا تتقدم إليها الآن يا بنى وقبل سفرك إلى عملك الجديد فى شمال سيناء فتخطبها وتبقى على اتصال بها وتزوجها حين تستقر أمورك؟ لم يعلق منير، فاستأنفت والدته حديثها: ويمكنك أن تقترض منى لتقدم إليها شبكة لطيفة وترد إلى مالى حين ميسرة.


اغتبط منير لما سمع، وفى اليوم التالى اصطحب منير والدته فى زيارة إلى منزل أسرة أمل التى رحبت بمنير ووالدته، وفرحت لتقدم منير الشاب الوسيم لخطبة ابنتهم الجميلة.

واشترطت أم العروس أن يقدم منير الشبكة إلى أمل قبل سفره، لتفرح أمل ويعلم الجميع أن أمل قد خطبت. تردد منير لبرهة فى الرد فقد كان يرجو أن يتراخى تقديم الشبكة إلى عدة أشهر أو إلى سنة يجمع فيها من عمله ما يكفى من المال ويشترى شبكة العروس، ولكن أمه رمقته بنظرة سريعة ذات مغزى، ففهم منير إشارة والدته إلى عرضها بإقراضه وأنها ترغب فى رؤيته مرتبطا.

نزل منير على رغبة والدته وقبل بشرط والدة العروس. وقد تمنى منير فى سريرته أن تنتقى العروس شبكة لطيفة تراعى ظروفه وأنه ما زال فى بداية الطريق، ولكن فى محل الصاغة نسيت العروس كل من حولها وراحت تشاور إلى قطع الذهب تساعدها أمها قطعة وراء قطعة والبائع يسرع فى تلبية أمرها حتى افترشت فاترينة عرض المصوغات.

وألجم الخجل لسان منير فلم يستطع أن يقول كفى أو ما شابه ذلك وندم على عدم اصطحاب والدته معه فى هذا المشوار الملغم بالإحراج. طلب منير من البائع أن يحسب حسبته بينما أشارت العروس إلى قطعة أخرى جميلة من الذهب المشغول وأمرت البائع ففتح فاترينة المعروضات خلفه ووضع قطعة الذهب إلى جوار سابقاتها من مختارات العروس التى ابتسمت لها أمها فى خفاء وقرصت يدها مؤيدة لها أن اختارى ما شئتى ولا تعبأى بأحد.

ووجهت أم العروس كلامها إلى منير: أنت تتمنى لعروسك السعادة أليس كذلك يا أستاذ منير؟

أسقط فى يد منير الذى لم يجد أحدا فى صفه والبائع يردد بصوت مرتفع: اختيارات مبهرة يا فندم، ما أحسن اختياراتك. مطلوب 50 ألف جنيه بس يا فندم. فقدم منير إلى البائع ثلاثين ألفا كانت معه، على أن يعود بالباقى خلال ساعة. وقد فعل بفضل والدته، وخرجت العروس سعيدة.

سرت والدة منير لخطبته ولكن منير لم يسترح لتصرفات خطيبته وأمها اللتين لم يراعيا حدودا، كأنهما عثرا على ضحية، هكذا أحس منير. وسافر الرجل إلى عمله الجديد فى سيناء وهو يرجو أن تتطور علاقته بخطيبته عبر اتصالات التليفون وتطبيقات الاتصال المختلفة.

كان عمل منير شيقا بالنسبة إليه مما أدخل الفرح على قلبه وشجعه على تقبل بعده عن أسرته وعن خطيبته بيسر. وراح الخطيبان يتبادلان الاتصالات كلما تيسر لهما، وهو ما كان حريا بتطور علاقتهما إلى مزيد من التعارف والتفاهم، ولكن منير كان يحس حزنا واستغرابا كلما اتصل بخطيبته، إذ لم يغب عن الخطيبة اللطيفة أن تسأل خطيبها فى مسار اتصالاتهما عن إمكاناته المادية وعما يتقاضى فى عمله الجديد وعما سيرسل إليها من مال عندما يتزوجا وتصبح زوجته. وحاول منير أن يصرف عن قلبه سوء ما يحس وهو يعزى كثرة سؤال أمل عن إمكاناته وعن راتبه إلى حداثة تعرفهما وإلى قلة خبرتها بالحياة.

وشكا منير إلى والدته ما يحس من قلق تجاه خطيبته وتفكيرها واهتماماتها، فدعته والدته إلى التريث فى الحكم وإلى التحلى بالصبر مؤكدة على أهمية الزواج وجمال وقيمة الأسرة والزوجة.

مضت الشهور بمنير سريعا فى شمال سيناء وهو يتقدم فى تعلم خبرات جديدة وأناس جديدة ويتطلع إلى مزيد من العمل ومن التطور المهنى والشخصى، ولكن أسلوب خطيبته أمل لم يتبدل حتى بعد أن لفت نظرها إلى كثرة حديثها عن المال وعن التزاماته المالية، فبقى قلق منير تجاه تفكير خطيبته فى فؤاده ولم يتغير ولم ينزو بعيدا ويذبل كما تمنى، فطلب منير إجازة لزيارة أسرته بالقاهرة ورؤية خطيبته فكان له ما شاء. وقد عصر منير رأسه وقلبه واستقر على قرار. فاستمتع بالعودة إلى بيت أسرته وفرح بلقاء والدته التى سرت لنجاح ابنها فى عمله وحزنت لما أحس منير تجاه خطيبته، ولكنها لم تستطع أن تثنى منير عن عزمه.

قصد منير إلى بيت خطيبته وفى يده مظروف به رزمة ضخمة من عدة آلاف من أوراق النقد المصرية.

وبعد كلمات التحية والتهنئة بالعودة إلى القاهرة طلب منير من خطيبته أن تحضر شبكتها التى اشتراها لها ليخرجا معا فى مشوار قصير إلى أحد محال الصاغة ليستبدلا الشبكة بمزيد من الذهب الذى تحبه أمل. وأدى مظروف النقد دوره بإتقان، فبعد تردد قليل ظهر فى أعين أمل وأمها وافقت الأم على خروج ابنتها بالشبكة مع خطيبها منير. وما أن أصبحا خارج المنزل أخذ منير شبكته من يد خطيبته وقال لها: أشكرك، اعتبرى أن الفريسة هربت من المصيدة يا عروسة.