مافيا الأزمات تتحرك قبل موسم «الشتاء».. والحكومة تردّ بخطط عاجلة

عصابات تخزّن «البنزين والغاز» وبقّالون يسرقون «السلع التموينية»
كيف تظهر الأزمات؟ وهل تكون بفعل أفراد أم حكومات؟ ففى الوقت الذى تحاول فيه حكومة المهندس شريف إسماعيل توفير السلع التموينية وضبط الأسعار، بالتزامن مع دخول موسم الشتاء، فإن الملامح العامة تشير وبقوة إلى خروج "عصابات الأزمات" من مبيتها الصيفى، للتحكم فى مصائر بعض السلع، لتكون بداية أزمة بين المواطن والحكومة، لتحقق تلك العصابات أرباحًا وثروات من دماء المواطن "الغلبان".
ولأن ارتفاع الأسعار تهمة تنفيها الحكومة فى كل المحافل، كان لزامًا علينا أن نرصد خلال السطور القليلة المقبلة "مواطن الأزمات"، لمعرفة المتسبب الحقيقى فى ارتفاع أسعار بعض السلع وغياب بعض السلع وعلى رأسها "أسطوانات الغاز، والبنزين، والسلع التموينية".
البداية كانت مع الأزمة التى ظهرت مطلع شهر سبتمبر الماضى، وهى غياب أسطوانات الغاز فى الأقاليم، وبالتالى ارتفاع أسعارها وظهور نشاط مبكر للبلطجية المتحكمين فى سوق الأسطوانات، رغم الكميات الهائلة التى تضخها شركة "بتروجاس" يوميًا، ليصل عدد الأسطوانات إلى مليون و150 ألف أسطوانة، بحسب تصريحات رئيس الشركة، إلا أن مافيا السوق السوداء تمكنت من ابتلاع تلك الكميات، لتقوم بتخزينها لأيام ومن ثم يرتفع سعرها إلى 50 جنيهًا للأسطوانة الواحدة، لتقوم وزارة التموين بحملات على المستودعات وتحل الأزمة بشكل مؤقت، ليبقى التساؤل: هل ستعود الأزمة من جديد أم لا؟
"الزمان" بدورها قامت بتتبع إحدى السيارات التى خرجت من شركة "بتروجاس" لتتعرف على خط السير منذ الخروج حتى الوصول إلى المستودع، وقد كانت وجهتها من شمال القاهرة إلى محافظة المنوفية، وبعد ساعتين وصلت إلى وجهتها "مدينة أشمون" حيث قامت بتفريغ الشحنة مباشرة إلى سيارات نصف نقل وعربات "الكارو" التى كانت بانتظارها، وقد تمكنا من توثيق تلك المشاهد من خلال التقاط مجموعه صور.
على مدار ساعتين، والسيارة تقوم بتفريغ الشحنة داخل عربات "البلطجية"، وكانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحًا، فحاولنا التواصل مع رئيس مجلس مدينة أشمون لإطلاعه على الواقعة، فرفض التعليق وبعد إلحاح، نصحنا بالتوجه إلى قسم الشرطة وتحرير محضر بالواقعة.
وحتى نوثق الجريمة التى يرتكبها البلطجية، قمنا بالتواصل مع أحدهم بدعوى شراء أسطوانة لنتعرف منه على السعر، إذ أخبرنا بأن الأسطوانة بـ50 جنيهًا.
فى سياق متصل، أكد معتز عبدالله عضو مبادرة "لا للغلاء"، أن كارثة مستودعات الغاز ستبدأ خلال الفترة المقبلة، إذ يقوم أصحابها ببيع الأسطوانات لمزارع الدواجن بسعر 40 جنيهًا للأسطوانة، وحتى يتم تجنب ذلك هناك إجراء تقوم به وزارة التموين، إذ تكفلت من خلال بقالى التموين بأن تتولى مهمة توزيع الأنابيب من خلال "بونات" يتم منحها للمواطنين، وعلى أساسها يقوم بصرف الأسطوانة، وهذا النظام يشوبه عوار، إذ يتفق بعض بقالى التموين مع البلطجية ليقوموا ببيع حصصهم للمواطنين بدلًا من توزيعها بشكل قانونى.
وتابع عبدالله: الأزمة فى الغالب لا تكون فى المراكز بل تكون فى القرى التابعة لها، وهو السائد بالنسبة لباقى الأقاليم، خاصة أن المستودع يكون فى المدينة، وسكان القرى لا يكون أمامهم سوى حمل تلك الأسطوانات على رءوسهم إلى المستودع وقطع عشرات الكيلومترات، أو انتظار السيارة حتى تأتى محملة بالأسطوانات وهو أمر أشبه بالمستحيل.
واقعة أخرى قمنا برصدها، فى الحوامدية بمحافظة الجيزة، حيث سيطرت عائلة "السوهاجى" على السوق السوداء، مما دفع المواطنين للجوء إلى المسئولين لكن دون أن يتحرك لهم ساكن.
من جانبه، قال عادل شويخ، رئيس شركة بتروجاس، إن الأزمة اختفت فى الوقت الحالى، لكن يتم العمل على أن لا تعود مجددًا، وسبب الأزمة مافيا السوق السوداء وأصحاب المستودعات الخاصة، الذين يحصلون على الأسطوانة بمبلغ 6 جنيهات من الشركة ويقومون بتوزيعها على الأهالى بـ40 جنيهًا.
من مافيا "أسطوانات الغاز" إلى أباطرة السلع التموينية ممن استولوا على الدعم الذى تقدمه الحكومة للشعب، مختلقين أزمة جديدة، تهدد موسم الشتاء، وعليه ترصد "الزمان" تلك العصابات فى محافظات مصر.. والبداية كانت من محافظة القاهرة، حيث أكدت حنان السيد، البالغة من العمر 44 عامًا، المقيمة بمنطقة السيدة زينب، قائلة: بطاقة تموين زوجى يبلغ عدد أفراد الأسرة بها 5 أفراد، فلابد أن نحصل على تموين زيت وسكر وأرز وشاى ومكرونة لـ5 أفراد، فمن المفترض أن كل سلعة تموينية نحصل منها على عدد 5، لكننا نحصل فى بداية الشهر على عدد 2 زجاجة زيت، و2 كيس سكر، وكيس أرز، وعندما أسال البائع، يدعى أن وزارة التموين قامت بإرسال كمية ضئيلة من السلع التموينية، ولم تكن مشكلة فردية بعد أن لاحظنا شكوى أغلب الأهالى فى المنطقة من نفس الشىء، وعلمنا أن صاحب المحل يقوم باحتكار السلع ومن ثم يقوم ببيعها إلى محلات البقالة بأسعار مرتفعة.
ومنفذ تموين السيدة زنيب لم يكن الحالة الفردية الذى يقوم بفعل ذلك، كما يروى لـ"الزمان" محمد عبدالفتاح البالغ من العمر 50 عامًا، والمقيم بمنطقة فيصل.
وتابع عبدالفتاح: "قمنا بإبلاغ مديرية التموين التى تجاهلت البلاغات التى تقدم بها الأهالى، بعد أن ثبت لنا قيام صاحب المنفذ ببيع السلع المدعمة بعد تغيير ملامحها وإعادة تعبئتها".
من جانبه، صرح محمود دياب المتحدث الرسمى لوزارة التموين، بأن الوزارة تقوم من حين لآخر بعمل دوريات تفتيش على منافذ بيع السلع التموينية، وإذا تبين أن هناك أشخاصًا مثلما رصدتهم "الزمان"، نقوم بغلق المنفذ وتحويل مالك المنفذ إلى التحقيق، ولذلك على المتضررين تقديم شكاوى بوزارة التموين، ونحن سوف نتحقق من صحة هذه الوقائع، وإذا تأكدنا من استغلال السلع التمونية فى السوق السوداء، نقوم على الفور بالتصرف مع هؤلاء، فنحن نسعى جاهدين إلى وصول الدعم إلى المواطنين، ودون تلاعب.
واستكمل دياب: "ينبغى على المواطنين الكشف على البطاقات إلكترونيًا، لمعرفة أرصدتهم من السلع، خاصة أن الذين يتعرضون لمثل هذه الأمور يتضح لنا بنهاية المطاف أنهم قد صرفوا كامل الكميات المقررة لهم، وبالتالى يتعرضون لعملية نصب وسرقة فى نفس الوقت من قبل بقالى التموين".
ومع بداية دخول العام الدراسى الجديد، رصدنا ظاهرة متكررة يبدو أنها مقصودة فى هذا التوقيت وهى ظاهرة اختفاء المواد البترولية "البنزين"، وذلك من أجل إحداث شلل مرورى فى كافة أنحاء المحافظات.
الظاهرة هى وجود تكدس فى إحدى محطات البنزين، حيث شهدت كافة مناطق شمال سيناء أزمة وقود شديدة تسببت فى غلق عدة محطات وتكدس السيارات أمامها فيما انتشرت ظاهرة بيع البنزين فى السوق السوداء بالإضافة إلى ارتفاع أجرة السرفيس داخل المدينة، كما سادت حالة من الاستياء بين مواطنى القليوبية بسبب أزمة نقص البنزين، التى تعانى منها المحافظة منذ أيام حيث تسببت الأزمة فى خلق طوابير كثيفة على المحطات أدت إلى شلل مرورى بالطرق السريعة والرئيسية وأهمها طريق "القاهرة – الإسكندرية" الزراعى، كما شهدت محطات الوقود بمحافظة الفيوم تكدسًا للسيارات.
وقد كشف تقرير لمباحث التموين بالجيزة عن ضبط 348 قضية تموين متنوعة خلال شهر فى مجالات الغش التجارى والتدليس والرقابة على المطاحن والمخابز البلدية والمواد البترولية والمجازر والبدالين التموينين، وأكد التقرير الذى عرض على اللواء محمد كمال الدالى محافظ الجيزة على ملاحقة جشع التجار خاصة فى مجال حماية السلع الإستراتيجية التى تمس الأمن الغذائى للمواطنين.
الدكتور رمضان أبو العلاء خبير هندسة البترول بجامعة قناة السويس أكد أن عملية غش الوقود زادات بشكل ملاحظ خلال الفترة الحالية خاصة فى محطات الوقود الخاصة وهناك أساليب وطرق كثيرة لغش البنزين، إذ يتم خلط البنزين بمشتقات بترولية وأنواع مختلفة من البترول المتفاوته فى الأسعار، بمعنى أن يتم خلط بنزين 92 بـ93 و90 بـ80 ويقوم ببيعها بالأسعار العالية، وهذا ما يحدث فى المحطات الخاصة ولا يستطيع صاحب السيارة وهو المستخدم أن يكتشفه إلا عن طريق متخصصين.
وأوضح أبو العلا أن وزارة البترول تقوم بعمل تفتيش دورى على المحطات وتتم كتابة تقارير عن المحطات غير الملتزمة، لكنها لا تملك عقوبة الحبس أو الضبطية القضائية، ومن الممكن أن تعاقب صاحب المحطة التى تعمل فى البنزين المغشوش بعدم التعاون معها أو تخفيض الكميات المخصصة لها، والمسئول الأول عن تطبيق قانون الغش التجارى هى مباحث شرطة التموين التابعة لوزارة التموين.
الدكتور صلاح حافظ نائب رئيس الهيئة العامة للبترول أوضح أنه فى حالة اكتشاف الهيئة لعمليات غش البنزين يقوم نائب رئيس هيئة البترول للشئون الداخلية ببلاغ وزارة التموين، وهى تقوم بدورها بعمل محضر غش تجارى لمحطة الوقود، إذ تقوم الوزارة بأخذ عينات من محطة الوقود التى قامت بالغش ويتم تحليل هذه العينات فى معامل الهيئة العامة للبترول بإشراف وزارة التموين، وإذا ثبت أن الوقود مغشوش يتم عمل قضية من قبل التموين وتحول للنيابة العامة.
وأوضح حافظ أن عملية غش الوقود عن طريق خلطه بالمياه توجد فى المحافظات النائية وتحدث فعلًا، لافتًا إلى أن عمولة بيع البنزين هى التى تدفع أصحاب محطات الوقود إلى اللجوء لغش البنزين من أجل تحقيق أرباح كبيرة.
حمدى عبدالعزيز المتحدث الرسمى باسم وزارة البترول، أوضح أن وزارة التموين هى من تقوم بالتحقيق فى مثل هذه الأمور وتصل العقوبة إلى إغلاق المحطات المخالفة، مشيرًا إلى أن هيئة البترول ليس لديها الضبطية القضائية وهى موجودة لدى مباحث التموين، ويتم أخذ عينات وتحليلها فى معامل بحوث البترول أو معامل مصر للبترول، والعقوبات تكون إما بغلق المحطة أو دفع غرامة أو تشغيل المحطة من قبل وزارة التموين.