رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

العدد الورقي

شيخ حانوتية مصر لـ«الزمان»: المهنة يملأها الفساد وأسرة دفنت فقيدها تحت السفرة

محرر «الزمان» أثناء حواره مع شيخ حانوتية مصر
محرر «الزمان» أثناء حواره مع شيخ حانوتية مصر

المعتز بالله محمد حسن أو الحاج حسن العريف، شيخ حانوتية مصر، كما يلقبونه، رجل تعلو قسمات وجهه البساطة، ويفصح عن ثغره بضحكة مرحة، يطل من عينيه بريق فخر واعتزاز لم أره فى شخصيات تعمل بأفضل مهن المجتمع .

شعرت بطمأنينة منذ اللحظة الأولى التى وطئت فيها أقدامى مكتبه، حيث يملؤه بصور وملصقات الشخصيات العامة، فضلًا عن تزيين المكتب بشهادات التقدير تكريمًا له على دوره فى تشييع عدد من الشخصيات المهمة واستجابته السريعة للمشاركة فى تشييع جثامين ضحايا الكوارث والأزمات.

"أعشق مهنتى للغاية، ولا أخجل منها، وبعد الانتهاء من مراسم الغُسل أقوم بتناول طعامى، وأمزح مع أصدقائى، ولا أظهر بمظاهر الحزن أمام أهالى المتوفين، حتى وإن كنت أتألم من داخلى"، بهذه الكلمات المؤثرة فتح عم حسن العريف قلبه فى أثناء حديثه مع "الزمان" فى حوار جرىء يكشف فيه عن "عالم المقابر"، وإلى نص الحوار..

 

بداية.. هذه المهنة من المهن غير المرغوب بها لدى الكثيرين والتى قد تسبب حرجًا لصاحبها، فهل تعمل بها رغمًا عنك أم حبًا فيها؟

 أولًا أحب أن أقول إننى أعشق مهنتى للغاية، ولا أفرق بين من مات طبيعيًا، أو من مات محروقًا أو مقتولًا فالكل سواء وأنا لا أخجل منها على الإطلاق.

معروف أن مهنة الحانوتية من المهن المتوارثة.. فهل توارثت المهنة؟ أم أنك امتهنتها دون عائلتك؟

 لقد توارثت هذه المهنة منذ ما يقرب من 150 عامًا أبًا عن جد، فمهنة الحانوتية موجودة فى عائلتنا بالوراثة، وتوجد لدى دفاتر وفيات منذ عهد الملكية فى مصر .

متى قمت بأول عملية تغسيل ودفن؟

 لا أستطيع التذكر لأنى وقتها تقريبًا كنت بالحضانة وأبلغ من العمر خمس سنوات، فأنا أعمل بالمهنة منذ نعومة أظافرى.

ما السر وراء تلقيبك بشيخ الحانوتية؟

لأنى ورثت الحانوتية وأعتبر الأقدم فى مهنتى وأعمل بترخيص قانونى فتم اختيارى شيخ مشايخ المهنة.

هل تتذكر أشهر الشخصيات التى شيعتها؟

 أغلب الفنانين قمت بغُسلهم، ومن بينهم الفنان ممدوح عبدالعليم، كما أن أسرة محمد حسنى مبارك أنا المسئول عن دفنها وتشييعها.

هل أثرت مهنتك على علاقاتك فى منزلك أو فى تعاملك اليومى مع الناس؟

بصراحة لم يحدث ذلك أبدًا، فأنا أعيش حياتى بشكل طبيعى وبعد الانتهاء من مراسم الغُسل أقوم بتناول طعامى وأمزح مع أصدقائى، ولا أظهر بمظاهر الحزن أمام أهالى المتوفين، حتى وإن كنت أتألم من داخلى لأنى لو فعلت ذلك فلن أكون صالحًا لمهمتى.

حدثنا عن أبرز المشاكل والمعوقات التى واجهتك فى حياتك بسبب مهنتك؟

 أبرز المشاكل والمعوقات التى قابلتنى فى حياتى بسبب المهنة أننى كنت مرتبطًا بفتاة كانت تحبنى بشكل كبير، وعندما تقدمت إليها طردنى والدها، فساومتنى على تغيير مهنتى لو رغبت فى الارتباط بها أو الابتعاد عنها على الرغم من قصة حبنا المعروفة والتى استمرت لسنوات طويلة، وتكرر نفس الموقف ثلاث مرات لثلاث فتيات كنت سأتقدم لخطبتهن ولكن تم رفضى بنفس الطريقة، مع أن مهنة الحانوتية لها احترامها فى العالم أجمع وحاولت عمل رابطة للحانوتية، ولكنى تراجعت عن هذا القرار، لأن الناس ترفض أن تسكن بجوار حانوتى واحد فما بالك بحانوتية مصر بأكملهم، وهناك أحد الأشخاص كان سيشترى شقة وكانت مناسبة وتركها بسبب أن حانوتيًا يسكن فى العمارة.

من بين أبنائك.. هل يوجد من يرغب فى توارث هذه المهنة؟

لدى 3 أبناء، فابنى الأكبر دكتور بروسيا، والأوسط محاسب، والابنة الصغرى طالبة بكلية الحقوق. 

هل يواجه أبناؤك مشاكل بسبب مهنتك؟

بالنسبة لأبنائى الذكور هم يردون على من يقول لهم شيئًا، لكن ما حدث لابنتى هو بالفعل أثر فىّ وبشكل كبير، فكان لها زميل لها وهو من نفس المنطقة وسألها: أين تسكن، فأخبرته بأنها تسكن فى العقار كذا، فقال لها فى أى دور؟ قالت له الدور الرابع، فقال لها أنتِ تسكنين بجانب الحانوتى اتركى هذه الشقة، وأقنعى والدك بترك هذه العمارة، فلا يمكن أن تسكنوا بجانب الحانوتى.. فابتسمت وقالت له: أتعرف أن الحانوتى الذى تتحدث عنه هو والدى؟ وعندما أخبرته بذلك نظر إليها وتركها وفر من أمامها فورًا.

اروِ لنا أغرب موقف شاهدته فى أثناء أدائك لعملك؟

من أغرب ما شاهدت خلال عملى أننى ذهبت لدفن جثة فوجدت نفسى داخل منزل، به أسرة تعيش حياة كاملة وعند دخولنا إلى المنزل قاموا بإزالة منضدة وحفروا تحتها فوجدنا بأسفلها المقبرة وقمنا بمواراة الجثة ثم إعادة المنضدة لمكانها وعادت الحياة طبيعية بالفعل، الناس تحيا مع الجثث بشكل طبيعى ولا توجد مشكلة.

هل لك من مطالبات بشأن حل مشاكل تواجه الحانوتية؟

 لقد طالبت زكريا عزمى فى السابق بتأميم الحانوتية حتى يصبح كل شخص مغسلًا، فلو اتبعنا سنة نبينا محمد لاستطعنا تغسيل الميت، فيجب أن تكون هناك قناة شرعية واحدة للتعامل مع المهنة، فهناك الكثير يستخدمونها استخدامًا خاطئًا، وبعض الأشخاص يقومون بإطلاق لحاهم، والتبرع بتغسيل الميت دون مقابل، وبعدها بفترة يطالبون بالتبرع لزواج، أو لجمعية أهلية، فيخجل صاحب حالة الوفاة من ذلك فيضطر لتقديم المال مقابل جميله السابق.

طال الفساد كل شىء فى مصر.. فهل وصلت توابعه إلى مهنة الحانوتية؟

مهنتنا هذه بها الكثير من الفساد خاصة المشرحة، ومنذ أيام قلائل كانت أمامى ثلاجة موتى ثمنها أكثر من 150 ألف جنيه، وقد رفضت رشوة قبل ذلك مقابل الموافقة عليها بشروط، ومواصفات غير صحيحة، كما أنه من ضمن المواقف التى تعرضت إليها الصمت بمقابل مادى عندما ذهبت لدفن جثة ووجدت تصاريح الدفن صحيحة ولا يوجد ما يثير الشكك إلا أنى فوجئت بجرح فى الجبهة مما يؤكد وجود شبهة جنائية فرفضت تسلم الجثة ودفنها إلا بعد حضور طبيب مختص وعرضوا علىّ أموالًا كثيرة لكنى رفضت، وأصررت على موقفى.

هل هناك حالة رواج فى سوق تجارة الموتى؟

فى الماضى كان الحانوتية غير المرخصين يقومون بالاتفاق مع بعض الموظفين الفاسدين بالمستشفيات للحصول على الجثث مجهولة الهوية، وإرسالها لكليات الطب للتشريح وكانت أكثر الجامعات شهرة فى الحصول على عدد الجثث هى جامعة أسيوط، لأنه لا يتوفر لدى طلابها جثث مجهولة المصدر، لكن هناك قصة سمعتها بأذنى بأن المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون من الصومال والسودان يتم القضاء عليهم من قبل حرس الحدود ويقوم الجنود الإسرائيليون ومعهم طبيب بالحصول على الجرحى أو من قتلوا حديثًا بالحصول على أعضائهم البشرية حتى أصبحت إسرائيل أكبر دولة بها أعضاء بشرية فى الشرق الأوسط.

ما عدد جثث مجهولى الهوية التى تصلكم يوميًا؟

عدد مجهولى الهوية قد تصل إلى جثتين يوميًا لا يستدل عليهم سواء بسبب سقوط أوراقهم الناتجة عن حادث أو غرق أو تشوه كامل فى وجوههم ولا يتبين من هم.

 أنا لدى جثة مجهولة الهوية لم يستدل عليها حتى الآن منذ أربعين يوميًا ولم يحضر أحد للتعرف عليها.

ما الإجراء القانونى المتبع حيال جثث مجهولى الهوية؟

هناك قرار وليس قانونًا نتبعه فى حالات معينة، أولًا يظل المتوفى لدينا من أسبوعين لشهر فقط بعد ذلك يتم إرساله لكليات الطب للطلاب لتعلم التشريح، وذلك لا يكون لمجهولى الهوية فقط لكن للسجناء الجنائيين الذين ماتوا فى السجون ولم يحضر أهلهم لتسلمهم، وأنا أرفض هذا الإجراء ولا أقوم به طالما كنت موجودًا.

تشهد أسعار المقابر ارتفاعا كبيرا حدثنا عن السر وراء ذلك ؟؟

هناك بعض الأشخاص يقومون بتقطيع الشارع العمومي المجاور للمقابر بغرض تحديده وعمل مقابر وبيعها والمشرف المعين سواء مشرف خاص أو عام وإن جاز التعبير نقدر نقول :" ولا كأنه موجود " ، وعلى الرغم من وجود قانون يجرم ذلك من حيث التعدي على أراضي الدولة لأنها داخله تحت الشبهة الجنائية وبالإضافة إلى مخالفتها للقانون المنظم لأحوال وأعمال الحانوتية والتربية فإن ذلك غير مطبق فعليا ، :" وكل دا بسبب إن في "بيزنس كبير" بينهم وبين المشرفين على أراضي الترب والمقابر .

وأضاف:" هناك على سبيل المثال لا الحصر مشرفين على مقابر السيدة زينب يتراوحون بين من 7 إلى 8 مشرفين تابعين للقطاع الخاص ويوجد مشرف معين من المحافظة يقوم بالمرور والتفتيش على هذه الترب والأحواش ، إلا أن أعمال الإستيلاء على الأراضي مازالت مستمرة وكأنه لايوجد لا مشرفين قطاع خاص ولا مشرفين معينين من المحافظة قائلا :" كله في الهوا سوا " موضحا أن الشكاوى غير مسموع لها من جانب المختصين .

وتابع :" بيع أراضي المقابر بأسعار خيالية يتم على شاشات التليفزيون وعن طريق إعلانات الصحف جهارا نهارا ودون رقيب أو حسيب ولا ضابط ولا رابط حيث تأخذ شركات أراضي من الدولة وتقوم بتقسيمها على هيئة طرب وأحواش وتبيعها بالسعر الذي يحلوا لها ".

وأوضح، أن هناك جمعيات تابعة لمركز قويسنا المنوفية اشترت حوش 60 مترا وبدأت تقسيمه وبيعه بطرق ملتوية موضحا ان كل مقبرة يرتفع سعرها حسب كل منطقة والمسؤولين عنها واتفاقهم فيما بينهم على البيع بأسعار موحدة ، ويوجد مناطق أيضا وصلت بها المقبرة إلى 200 ألف جنيها وهي تلك القريبة من وسط البلد ، والبساتين ، سيدي عمر بن الفاض ، وهناك من يقومك بتبوير أرضه الزراعية لتحويلها إلى تربة ما يضر بالرقعة الزراعية أيضا .

وأشار إلى أن التعدي على أراضي الدولة يكون في أطراف المقابر ونهايتها وليس وسطها وقلبها موضحا أن أصحاب الترب والمشرفون عليها يتوغلون في الأطراف ويحولونها إلى مقابر للبيع بأسعار خيالية ما ينذر بالفساد الواضح. وأضاف:" في مناطق زي سيدي عمر ابن الفاض وسيدي عبد الله السكندري من ناحية منطقة " الأوتو ستراد " وباب الوزير ، والمقابر المجاورة لحديقة الأزهر ، وبعض الأطراف القريبة من جبل المقطم فيقومون بتكسير حجارة الجبل وتفجيرها حسب تجاه القبلة عنده للإنشاء مقابر وبيعها بأرقام لا تساوي 5% من تكلفتها في ظل غياب الرقابة قائلا :" محدش بيقول لا للفساد " .

 

موضوعات متعلقة