رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

أزمة تسعير أراضى الإصلاح تزيد أعباء الفلاحين

أزمات كثيرة واجهت الفلاحين الفترة الماضية ربما أثرت عليهم بشكل مباشر وما أن خرجوا من أزمة حتى واجهتهم أخرى، وعلى ما يبدو أن الأزمة الأخيرة والخاصة بتسعير أراضى الإصلاح الزراعى وارتفاع قيمتها الإيجارية بصورة كبيرة من وجهة نظرهم سوف تكون الأكبر فى تاريخ الأزمات.

وفى هذا السياق، قال مجدى الشراكى رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعى إن الهدف من زيادة القيمة الإيجارية لأراضى الإصلاح هو الحفاظ على المال العام، حيث لا زالت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى، تؤجر الفدان بأسعار تتراوح بين 450 إلى 550 جنيها.

أوضح لـ"الزمان" أن القيمة الإيجارية فى أراضى الأوقاف أصبحت تتراوح بين 7 إلى 9 آلاف جنيه للفدان، وكذلك أراضى طرح النهر ولا بد من المساواة بين القيمة الإيجارية لجميع أملاك الدولة.

أضاف الشراكى أن القانون 96 نص على أن تكون القيمة الإيجارية 22 ضعف قيمة الضريبة ولمدة 5 سنوات تنتهى عام 2000 غير أن المستأجرين استمروا على السعر القديم ورفضوا التقدم بطلبات لتملك الأراضى.

وقال رئيس الجمعية إنه تم رفع قيمة الإيجار هذا العام إلى 2500 جنيه على أن يتم رفعها إلى 5 آلاف جنيه العام القادم، ثم إلى 7500 جنيه عام 2023 حيث تتوازى مع أسعار باقى الأراضى الخاضعة لولاية الدولة.

من جانبه أوضح الدكتور مدحت عنيبر أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية، أن أسعار توريد المحاصيل قد ارتفع، حيث أصبح سعر توريد أردب القمح 820 جنيها بزيادة 100 جنيه عن العام الماضى، ما يعنى أن متوسط مبيعات الفدان أصبحت تتراوح بين 16 و20 ألف جنيه بخلاف سعر التبن.

وأضاف عنيبر أن سعر توريد طن القصب بلغ 720 جنيها، ومن المتوقع زيادته هو الآخر، كما زادت أسعار الخضر فى الأسواق، فيما تراوحت القيمة الإيجارية لأراضى المزارعين بين 10 إلى 16 ألف جنيه حسب جودة التربة ومدى قربها من الترعة ومن الطرق، ومن غير المنطقى أن يظل سعر إيجار الفدان فى الإصلاح الزراعى ثابتا عند 500 جنيه.

تاريخ الأزمة

فى وقت سابق بدأت الأزمة حينما تحركت وزارتى الأوقاف والزراعة بتكليف رئاسى لتشكيل لجان مختصة من الجانبين لوضع تسعير عادل للمنتفعين بأراضٍ سواء الإصلاح الزراعى أو هيئة الأوقاف المصرية، بما يضمن الحفاظ على مستحقات الدولة وحقوق المنتفعين، وبما يتناسب مع كل منطقة على حدة، إضافة إلى بحث تظلمات المواطنين الذى تقدموا إلى جهات الولاية بسبب زيادة القيم الإيجارية، فى نفس الوقت كانت مناقشة هذا الملف الكبير على رأس أولويات البرلمان السابق، وقد نادى العديد من أعضاء لجنة الزراعة بالبرلمان بتخفيف الأعباء المُلقاة على عاتق المنتفعين بتلك الأراضى، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية، ومشكلات التسويق، والإرشاد، وأزمات أخرى كثيرة تواجه المزارعين بهذا القطاع الكبير، دون المساس بحقوق الدولة وأراضيها.

وزارة الزراعة كان لها عدة خطوات فى هذا الملف كشف عنها الدكتور عباس الشناوى رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بالوزارة، حيث قال إن ملف تداخل التنظيم بين وزارتى الزراعة والأوقاف والرى بشأن الأراضى الزراعية والأطيان وأراضى الوقف ظل فترة طويلة يواجه تحديات كبيرة، وقد سبق وأن تم عقد اجتماعات موسعة بين الوزراء الثلاثة السيد القصير وزير الزراعة والدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف لحل هذه الإشكالية، وقد تم الاتفاق وقتها على تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارات الثلاثة لتحديد قيم الإيجار، سواء كانت للأراضى التابعة لوزارة الرى أو التابعة لهيئة الإصلاح الزراعى بالوزارة أو أراضى وزارة الرى، مضيفًا أنه تم تكليف اللجان وقتها لمعاينة هذه الأحواض بالمحافظات لتسعير هذه الأراضى بشكل مناسب، ومراجعة ملفات هذه الأراضى للتأكد من جهات الولاية المشرفة عليها.

وتابع الشناوى، تم التوجيه على وضع قيمة إيجارية عادلة للمستأجرين لتلك الأراضى خلال هذه اللجان المشكلة لتشجيع المزارعين على تطبيق النظم الحديثة فى الرى وزيادة إنتاجية المحاصيل، حيث تم الاتفاق أيضًا على أن يتم التعاقد مع المزارعين المستأجرين لأراضى الأوقاف عقدًا لمدة ثلاث سنوات للجادين، وهذا ما يخص هيئة الأوقاف بموجب زيادة سنوية يتم الاتفاق عليها فى العقد، موضحًا أن تم التنسيق بين الوزارات الثلاثة أيضًا لحصول المزارعين على مستلزمات الزراعة المطلوبة من أسمدة وتقاوى ودخولهم أيضًا فى كارت الفلاح الذكى لصرف هذه المستحقات، إضافة إلى الخدمات الأخرى التى تقدمها الوزارة للفلاح.

وأشار الدكتور الشناوى، إلى أنه تم التنسيق أيضًا على منح المزارعين الجادين المنتفعين من أراضى الأوقاف للحصول على قروض تنموية مدعمة ضمن مبادرة البنك المركزى لدعم المشروعات، كما أن وزارة الزراعة تقوم خلال هذه الفترة بالتنسيق مع كافة الوزارات التى لها ولاية على الأراضى والأطيان الزراعية لممارسة مهامها وتقديم الدعم والخدمات المطلوبة للمزارعين المنتفعين بتلك الأراضى، باعتبار أن مصر دولة مؤسسات، وبالتالى كل وزاراتها تعمل فى إطار مؤسسى لتصل فى النهاية إلى نتيجة تحقق الصالح العام، كما أن الوزارة بدأت خلال الفترة الأخيرة الحصول على كشوف كاملة لمستأجرى أراضى الأوقاف لتوفير الخدمات الزراعية والإرشادية لهم من خلال وزارة الزراعة، وضمهم ضمن المستفيدين للقوافل الإرشادية التى تجوب القرى والمناطق بالمحافظات.

الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات القانونية والاقتصادية، قال أن بعض الأموال ذات طبیعة خاصة كأموال الوقف التى تتمیز بأنها خیریة عامة ومخصصة للنفع العام, لذلك فإن استثمار هذه الأموال یجب أن یكون وفق معاییر قانونیة، وبما یحقق الضمانات الكافیة للحفاظ عليه، لذلك جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحة لوزيرى الزراعة والأوقاف بتنظيم التداخل بين الوزارتين للحفاظ فى النهاية هذه الأموال، وتصحيح اللغط والعشوائية التى يدار بها هذا الملف منذ فترة طويلة، وبالتالى فإن وجود العديد من الأراضى التابعة للأوقاف وكذلك تشعب جهات المنتفعين بها تطلب بالطبع التفكير فى إنشاء تنظيم إدارى للأشراف على هذا الملف وضمان حُسن التصرف فيها بما يحقق المصلحة العامة ومصلحة المنتفعين على السواء.

سوء تنظيم الإجراءات

مشكلات التداخل لم تتوقف فقط على سوء تنظيم الإجراءات بين جهات الولاية على أراضى الدولة سواء كانت وزارة الأوقاف أو الزراعة، بل إن الأمر تطور إلى قيام العديد من المواطنين بالتقدم للقضاء للوصول إلى جهة ولاية محددة تقوم بتقييم القيمة الإيجارية للفدان، وأضاف، هذا ما حدث منذ قرابة 10 سنوات عندما رفع عدد من المواطنين المنتفعين بكفر الشيخ دعوة قضائية ضد هيئة الأوقاف المصرية، إلا أنه وأثناء سير الدعوى ألزم قاضى المحكمة الدفاع تقديم سند الملكية الخاص بهيئة الأوقاف للمساحات التى يستفيد منها مقدمو الدعوى، لبيان سبب زيادة القيمة الإيجارية، كما أن الهيئة لم تقدم أى رد للمحكمة مما جعل الدفاع يطلب تعديل شكل الطلبات المقدمة للمحكمة إلى وقف تملك هيئة الأوقاف لأراضى الإصلاح الزراعى، وبالفعل تم إلغاء محاضر التسليم، كما أن المحكمة وقتها وافقت على طلب الدفاع، وتم نزع ملكية هيئة الأوقاف منذ عامين وإلغاء محاضر التسليم الخاص بالإدارة، فى نفس الوقت ألزمت المحكمة برد الأطيان للهيئة العامة للإصلاح الزراعى.

تحقيق النفع العام

مجدى الشراكى رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعى، أكد أن توجيهات الرئيس السيسى مؤخرًا بتنظيم التداخل يقصد بها تحقيق النفع العام من ملف استرداد أراضى الدولة والأطيان الزراعية سواء التابعة للأوقاف أو تابعة لوزارة الزراعة ممثلة فى هيئة الإصلاح الزراعى، باعتبار أن الجانبين مؤسسات تابعة للدولة وتصب فى المصلحة العامة، كما أن الأزمة فى المغالاة التى تفرضها لجان التقنين فى أسعار الأمتار خاصة فيما يتعلق بمساحات الأطيان الزراعية، مضيفًا أن العديد من مزارعى الإصلاح تقاعسوا عن تقنين أوضاعهم مع هذه اللجان بسبب ارتفاع أسعار المتر بعد إجراءات الدولة بوقف البناء على الأراضى، الأمر الذى أدى إلى تراجع قيمة هذه المساحات، مع اتفاقنا التام بالطبع مع هذه الإجراءات التى ساهمت فى الحفاظ على الرقعة الزراعية، والتصدى لظاهرة التعدى على الأراضى.

أضاف، أن هناك واضعى يد منذ 50 عامًا يستغلون تلك الأراضى بقيم إيجار بسيطة فى وقت كانت الزراعة تحقق عائدا معقولا وبالتالى لم تكن هناك أى ممانعة فى الأسعار الخاصة بقيم الإيجار وقتها، إلا أن الظروف التى يعانى منها المزارعون خلال الفترة الأخيرة من ارتفاع فى أسعار المستلزمات الزراعية، ومعاناته من مشكلات الإرشاد والتسويق وأزمات أخرى كثيرة ساهمت فى اعتراضه على التسعير، وبالتالى يتطلب على صاحبة الولاية على تلك الأراضى إعادة النظر فى هذه الأسعار خاصة أن هناك أراضى بالقرى وصل سعر المتر فيها إلى 3 آلاف جنيه على سبيل المثال.

من جانبه قال النائب هشام الحصرى رئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب فى تصريحات صحفية: منذ فترة آلت ولاية المساحات من هيئة الأوقاف المصرية إلى هيئة الإصلاح الزراعى بوزارة الزراعة، إلا أن الهيئة عادت مرة أخرى تطالب برد هذه الأراضى لها بعد أن تم إسناد الكامل على أشراف للإصلاح الزراعى، ومنا هنا بدأت المشكلات تتصاعد وحدثت تشابكات كثيرة داخل المحاكم بين المتنازعين تارة والولاية تارة أخرى، إضافة إلى المغالاة فى أسعار المتر بشكل يفوق القيم الفعلية للأراضى المملوكة للمواطنين، وهو الأمر الذى أدى إلى زيادة الأعباء على المزارعين وتعرض الكثير منهم لخسائر كبيرة بسبب زيادة حجم الإنفاق على المحاصيل وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية، إضافة إلى مشكلات أخرى يعانى منها المزارعين كغياب الإرشاد الزراعى، وغياب منظومة تسويق الحاصلات.

وأضاف الحصرى، أنه تم التنسيق بين لجنتى الزراعة والشئون الدينية بمجلس النواب للتعامل مع التكليفات الجديدة التى وجه بها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه الأخير بوزيرى الزراعة والأوقاف بتنظيم التداخل بين هيئتى الأوقاف والإصلاح الزراعى بشأن الأراضى والأطيان الزراعية، كما أن اللجنة سبق وأن ناقشت هذا الملف فى حضور وزير الأوقاف داخل البرلمان، وأوصت فى النهاية بتشكيل لجنة مشكلة من ممثلين بهيئتى الأوقاف والإصلاح الزراعى أولا لتنظيم التداخل بين الجانبين خاصة فى ظل وجود أراضٍ كان قد تم تسليمها بالخطأ من الإصلاح إلى الأوقاف، إضافة إلى إعادة النظر فى نظام التسعير بما يتوافق مع قيمة المساحات بكل منطقة وبما يراعى كافة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المستفيد.

وأوضح رئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب أن اللجنة تقدمت بطلب إحاطة لوزير الزراعة ومن ناحيتها أعدت لجنة الشئون الدينية طلب إحاطة لوزير الأوقاف بآلية التعامل مع ملف تنظيم التداخل بين الجانبين، إضافة إلى استعراض ومناقشة آخر الجهود التى بذلتها اللجان المشكلة من الهيئتين خلال الفترة السابقة سواء فى تنظيم هذا التداخل، أو نظام التسعير الجديد للمتر أو للفدان، مضيفًا أن المزارعين تحديدًا يواجهون معاناة كبيرة فى القيم الإيجارية لأراضيهم التابعة لهيئة الأوقاف، أو الإصلاح الزراعى، فى الوقت الذى تتبنى الدولة منظومة دعم القطاع الزراعى والمزارعين للنهوض بإنتاجية المحاصيل ودعم الاقتصاد الوطنى للبلاد.

الفلاحون محاصرون

على الجانب الآخر، اتفق عدد من فلاحى أراضى الإصلاح الزراعى على رأى واحد وهو أن الأزمات أصبحت أكبر من قدرة أى شخص على التحمل وتنذر بعواقب وخيمة على المدى القريب ومن هنا لا بد من تدخل القيادة السياسية لعودة قيمة إيجار الأراضى مثلما كانت عليه بالماضى.

"فتحى أبوناشى" أحد المنتفعين من أراضى الإصلاح الزراعى، يقول: نعانى منذ سنوات قريبة من سلسلة أزمات لم تنتهِ بداية من انتشار أنواع تقاوى فاسدة تضر بالمحصول والإنتاجية مرورًا بارتفاع أسعار الأسمدة ومع ارتفاع سعر الأراضى المؤجرة لنا من جانب الإصلاح الزراعى لا ندرى من أين يمكن تدبير قيمة إيجار الفدان والذى لا تصل إنتاجيته لتغطية تكاليفه بالأساس، ونتمنى كفلاحين تدخل القيادة السياسية لتقديم مزيد من الدعم للفلاح المصرى.