التحول الرقمي للخدمات العامة في المدن المصرية

في قلب القاهرة، في أسيوط، في الإسكندرية، وأبعد من ذلك بكثير... تتسلل التكنولوجيا إلى شوارع مصر ومدنها بصمت لا يُلاحظ أحيانًا، لكنه عميق الأثر. المواطن الذي كان ينتظر في طابور طويل للحصول على ورقة رسمية، صار اليوم يفتح تطبيقًا، يضغط زرًّا، وينتظر رسالة تأكيد. نعم، التحول الرقمي في الخدمات العامة بدأ فعليًا، لكنه لا يزال في بداياته، متعثرًا أحيانًا، متسارعًا أحيانًا أخرى.
التحول الرقمي (Digital Transformation) ليس ترفًا، بل استجابة واقعية لمتغيرات معاصرة تتطلب سرعة وكفاءة وشفافية. المدن الذكية لن تكون سوى سراب إذا لم تكن الخدمات التي تقدمها ذكية، مرنة، وآمنة.
الأمن السيبراني وتجاوز القيود الإقليمية: الخط الدفاعي الأول
في هذا السياق، تظهر الحاجة الملحّة لحماية البيانات التي تنتقل عبر الشبكات الرقمية في المؤسسات الحكومية. فكل معاملة رقمية، كل طلب إلكتروني، هو احتمال للاختراق. لذلك، لم يعد الأمن السيبراني مجرد خيار بل واجب، لا سيما في ظل التهديدات المتزايدة، من هجمات الفدية (Ransomware) إلى تسريب المعلومات الحساسة.
كذلك، لا يمكن إغفال حاجة المستخدمين لتجاوز بعض القيود الجغرافية التي قد تمنعهم من الوصول إلى خدمات أو مصادر معلومات. لذلك، أصبحت تطبيقات VPN أداة حيوية. يمكن للمستخدمين اليوم تحميل تطبيقات VPN لأجهزة الكمبيوتر أو استخدام تصفح آمن على آيباد بدون قيود. استخدام مثل هذه التطبيقات يعزز من خصوصية المستخدم ويحمي بياناته عند التعامل مع الخدمات الرقمية، كما يتيح له حرية استخدام الإنترنت دون حواجز.
الواقع الحالي: خدمات في مرحلة تجريبية
وفقًا لبيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، تم رقمنة أكثر من 150 خدمة حكومية حتى بداية عام 2024، تشمل استخراج الوثائق الرسمية، دفع المخالفات، والتقديم للخدمات الصحية والتعليمية.
لكن رغم هذه الأرقام، لا تزال نسبة كبيرة من المواطنين تُفضل التعامل الورقي، بسبب ضعف البنية التحتية في بعض المناطق أو غياب الثقة في الأنظمة الرقمية.
هل يمكن أن نلومهم؟
حين تتعطل بوابة حكومية إلكترونية لساعات أو تُفقد بيانات مواطن بسبب خلل تقني، تنخفض الثقة. وهنا يظهر عامل حاسم: جودة التنفيذ وليس فقط توفر التقنية.
التكنولوجيا وحدها لا تكفي
التحول الرقمي ليس برمجيات فقط. إنه سلوك، إدارة، ووعي مجتمعي. فحتى أفضل النظم الرقمية ستفشل إذا لم يكن المستخدم مستعدًا لها. المواطن الذي لا يفهم أهمية كلمة المرور القوية، أو لا يعرف كيف يتأكد من صحة المواقع التي يدخل بياناته فيها، قد يصبح هو نفسه الثغرة التي يبدأ منها الهجوم.
ومن هنا، تظهر أهمية نشر الوعي السيبراني، وتدريب الموظفين العموميين على التعامل مع الأدوات الرقمية، وضمان وجود دعم تقني فعّال عند حدوث المشاكل.
تجربة المواطن أولاً: أين المشكلة الحقيقية؟
لنفترض أن مواطنًا في مدينة الأقصر يريد التقديم على دعم تمويلي عبر منصة إلكترونية. يدخل، يحاول إنشاء حساب، يضيع في واجهة غير مفهومة، تنقطع الشبكة، تعود، يكرر المحاولة، ثم يستسلم.
هذه القصة تتكرر يوميًا. تصميم التجربة الرقمية (UX) للمستخدم في كثير من الأحيان لا يراعي مستوى الخبرة التقنية لدى المواطن العادي. وكأن النظام يقول له: "أنت لست ذكيًا بما يكفي لاستخدامه".
لذلك، لا بد من إعادة تصميم الأنظمة الرقمية الحكومية بناءً على تجارب حقيقية، ومراعاة التنوع الثقافي والتقني بين المدن المختلفة.
تجارب عالمية: هل يمكن أن نستفيد؟
في إستونيا مثلًا، الدولة الصغيرة التي تحولت إلى نموذج عالمي في الحكومة الرقمية، يمكن للمواطن إنشاء شركة، التصويت في الانتخابات، وحتى التقديم على منح دراسية... كل ذلك إلكترونيًا.
السر؟ ليس فقط التكنولوجيا، بل استراتيجية وطنية بدأت مبكرًا، وشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، وبيئة قانونية واضحة.
هل يمكن أن تحقق مصر ما حققته إستونيا؟ نعم. لكن بشروط: وضوح الرؤية، استمرارية التطوير، و شراكات ذكية، مع جهات مثل VeePN التي تقدم حلولًا قوية للحماية وتجاوز الحواجز الرقمية، وتضمن تجربة آمنة للمتعاملين مع الخدمات الحكومية عبر الإنترنت.
المستقبل يبدأ بخطوة
مع وجود أكثر من 72% من السكان في مصر يستخدمون الإنترنت بانتظام (حسب تقرير عام 2023 من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات)، فإن القاعدة موجودة. التحدي هو في البناء عليها.
التحول الرقمي للخدمات العامة في مصر يجب أن يُنظر إليه استثمار وطني. ليس فقط لتحسين جودة الحياة، بل لتعزيز الشفافية، تقليل الفساد، وتحقيق كفاءة إدارية تواكب العالم.
كل نقرة على موقع حكومي يجب أن تكون خطوة نحو نظام أكثر عدالة، وليس تجربة محبطة أخرى.
البيانات الحكومية: من التكديس الورقي إلى البنية السحابية الذكية
في السابق، كانت الوثائق الحكومية تُخزَّن في مكاتب مزدحمة، ملفات فوق ملفات، تتآكل مع الزمن وتضيع بين البيروقراطية والإهمال. أما اليوم، بالاتجاه نحو الحوسبة السحابية يفتح آفاقًا غير مسبوقة لإدارة البيانات العامة بكفاءة، أمان، وسهولة وصول. تخزين الوثائق الحكومية على منصات رقمية محمية يعني تقليل الاعتماد على الورق، تسريع الاستجابة، وتحسين التنسيق بين الهيئات المختلفة. لكن مع هذه النقلة النوعية، تبرز الحاجة إلى تعزيز بروتوكولات الأمان، وضمان عدم اختراق أو تسريب البيانات الحساسة. كما أن التحول إلى البنية السحابية يتطلب بنية تحتية رقمية قوية، وفِرَقًا مدربة على إدارة البيانات وصيانتها. الاستفادة من التكنولوجيا هنا ليست فقط تقنية، بل تنظيمية أيضًا، تعيد رسم علاقة المواطن بالدولة، وتجعل من عملية استخراج وثيقة أو متابعة طلب حكومي عملية بسيطة، فورية، ومضمونة.
خاتمة: من التجريب إلى التمكين
التحول الرقمي ليس لحظة... بل رحلة. طويلة؟ نعم. مليئة بالعقبات؟ بالتأكيد. لكنها ممكنة.
يجب أن تكون المدن المصرية مختبرًا للتدريب والتطوير، وليس مجرد متلقٍ للتقنيات المستوردة.
والأهم: أن يُنظر للمواطن كـ"مشارك"، لا "مستهلك" فقط.
حينها فقط، تتحول المنصات الحكومية من عبء إلى أداة تمكين.
وحينها، ستكون كلمة "رقمي" في مصر... ليست تكنولوجيا فقط، بل ثقافة.