حوار خاص: الاتحاد الحُر يكشف خريطة التحديات أمام العمال في البحرين وتفاصيل جديدة عن التنظيم النقابي
في ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة والتحديات التي تواجه سوق العمل، يبرز دور الحركة النقابية كعنصر توازن بين حماية حقوق العمال وضمان استدامة بيئة العمل. وفي هذا الإطار، أجرينا هذا الحوار مع الاستاذ يعقوب يوسف ، رئيس الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين وذلك للوقوف على واقع الحركة النقابية اليوم، والتحديات التي تواجه العمال، ورؤية الاتحاد لمستقبل العمل النقابي في البحرين.
وإلي نص الحوار ...
كيف تقيّمون واقع الحركة النقابية في البحرين اليوم مقارنة بالسنوات الماضية؟
شهدت الحركة النقابية في البحرين تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، انتقلت فيه من مرحلة التركيز على المطالب الجزئية والآنية إلى مرحلة أكثر نضجاً ووعياً بالدور الوطني والاقتصادي والاجتماعي للنقابات. اليوم أصبحت الحركة النقابية أكثر إدراكاً لأهمية الحوار الاجتماعي والشراكة مع أطراف الإنتاج، وأكثر قدرة على قراءة المتغيرات الاقتصادية والتشريعية.
وفي هذا السياق، لعب الاتحاد الحُر لنقابات عمال البحرين دوراً محورياً في ترسيخ مفهوم النقابة المسؤولة، التي تجمع بين الدفاع الصلب عن حقوق العمال، وبين الحرص على استقرار بيئة العمل واستدامة المؤسسات. وقد ساهم الاتحاد في رفع مستوى الخطاب النقابي، وتطوير أدوات العمل النقابي، والابتعاد عن الأساليب التصعيدية غير المجدية، لصالح الحوار المؤسسي والقانوني.
ما أبرز التحديات التي تواجه العمال في القطاعات المختلفة خلال الفترة الحالية؟
يواجه العمال اليوم مجموعة متشابكة من التحديات، في مقدمتها ارتفاع تكاليف المعيشة مقابل ثبات أو بطء نمو الأجور في بعض القطاعات، إضافة إلى تفاوت الامتيازات بين القطاعين العام والخاص، وضعف الأمان الوظيفي في بعض المنشآت الخاصة.
كما برزت تحديات جديدة مرتبطة بالتحول الرقمي، والأتمتة، وإعادة هيكلة الشركات، وهي تحديات تتطلب تدخلاً نقابياً واعياً. وقد تصدى الاتحاد الحُر لهذه القضايا عبر طرحها على طاولة الحوار الوطني، والدعوة إلى سياسات تحمي العامل دون الإضرار بالاقتصاد، مع التأكيد على أن العامل البحريني يجب أن يكون شريكاً في التنمية لا ضحية للتغيرات.
هل تلقى الاتحاد الحُر شكاوى أو ملاحظات متزايدة من العمال في الفترة الأخيرة؟ وما طبيعتها؟
يتلقى الاتحاد الحُر شكاوى العمال بشكل مستمر، وقد شهدت الفترة الأخيرة تنامياً في عدد الشكاوى ونوعيتها، وهو ما يعكس ارتفاع مستوى الوعي العمالي بالحقوق، وثقة العمال في الاتحاد كمظلة نقابية فاعلة.
وتتركز هذه الشكاوى حول تأخير الأجور، أو عدم صرف مستحقات العمل الإضافي، أو تجاوز ساعات العمل القانونية، إضافة إلى شكاوى تتعلق بإنهاء العقود أو الفصل دون مبررات قانونية واضحة. ويعمل الاتحاد على التعامل مع هذه الشكاوى بأسلوب مهني، يبدأ بمحاولات الحل الودي، وينتهي – عند الضرورة – بالمسار القانوني، مع الحرص على عدم ترك أي عامل دون سند.
كيف يعمل الاتحاد على تعزيز ثقافة الوعي العمالي والحقوق داخل أماكن العمل؟
يؤمن الاتحاد الحُر بأن الوعي هو خط الدفاع الأول عن الحقوق، ولذلك يضع نشر الثقافة العمالية في صميم عمله. ويقوم الاتحاد بتنظيم ورش عمل، ودورات تثقيفية، ولقاءات مباشرة مع العمال داخل مواقع العمل، إلى جانب إصدار نشرات توعوية مبسطة تشرح الحقوق والواجبات وفق قانون العمل البحريني.
كما يركز الاتحاد على تأهيل القيادات النقابية، باعتبارهم حلقة الوصل بين العامل والإدارة، ويعمل على تزويدهم بالمعرفة القانونية والتفاوضية، بما يعزز من حضور النقابة داخل بيئة العمل، ويحولها إلى عنصر استقرار لا توتر.
٥ما تقييمكم لمدى التزام الشركات بقوانين العمل البحرينية، خاصة في مجالات الأجور وساعات العمل؟
لا يمكن تعميم الحكم، فهناك شركات ملتزمة وتدرك أن احترام قوانين العمل يعزز الإنتاجية والاستقرار، في المقابل توجد منشآت لا تزال بحاجة إلى مزيد من الالتزام والرقابة، خصوصاً فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل والعمل الإضافي.
وهنا يبرز دور الاتحاد الحُر في رصد التجاوزات، ورفعها للجهات المختصة، والدعوة إلى تعزيز التفتيش العمالي، وتطبيق القانون بعدالة على الجميع، مع التأكيد على أن الالتزام بالقانون ليس عبئاً على صاحب العمل، بل ضمانة لاستدامة المنشأة.
ما أبرز المبادرات والخطط التي ينفذها الاتحاد الحُر حاليًا لخدمة العمال؟
ينفذ الاتحاد الحُر مجموعة من المبادرات التي تركز على حماية الحقوق العمالية، وتعزيز الحوار الاجتماعي، وتطوير العمل النقابي. وتشمل هذه المبادرات دعم النقابات في التفاوض الجماعي، والمشاركة في صياغة الرؤى المتعلقة بتشريعات العمل، والتفاعل مع الملفات الوطنية ذات الصلة بسوق العمل.
كما يحرص الاتحاد على أن يكون صوت العمال حاضراً في كل نقاش وطني يمس معيشتهم واستقرارهم الوظيفي، انطلاقاً من مسؤوليته النقابية والوطنية.
هل هناك برامج تدريب أو تأهيل مهني جديدة يعمل عليها الاتحاد لدعم العمال البحرينيين؟
يولي الاتحاد الحُر اهتماماً كبيراً بملف التدريب والتأهيل، إدراكاً منه بأن مستقبل العامل مرتبط بقدرته على مواكبة تطورات سوق العمل. ويعمل الاتحاد بالتعاون مع الجهات المعنية على دعم برامج تدريبية تستهدف رفع مهارات العمال البحرينيين، خصوصاً في القطاعات التي تشهد تحولاً تقنياً أو تنافساً متزايداً.
ويرى الاتحاد أن التدريب ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية ملحة لحماية العامل من مخاطر الاستغناء أو التهميش.
ما الدور الذي يقوم به الاتحاد في حل النزاعات العمالية داخل أماكن العمل؟
يلعب الاتحاد الحُر دور الوسيط المسؤول في النزاعات العمالية، حيث يسعى دائماً إلى الحلول التوافقية التي تحفظ حقوق العامل وتراعي استمرارية العمل. ويعتمد الاتحاد في ذلك على الحوار، والتفاوض، والاحتكام للقانون، قبل اللجوء إلى أي مسارات تصعيدية.
وقد نجح الاتحاد في حل العديد من النزاعات دون الوصول إلى المحاكم، ما يعكس دوره كعامل استقرار داخل سوق العمل.
كيف ينسّق الاتحاد مع الجهات الحكومية لتعزيز بيئة العمل وحماية حقوق العمال؟
يؤمن الاتحاد الحُر بالشراكة مع الجهات الحكومية، ويحرص على التواصل المستمر معها من خلال الاجتماعات واللجان المشتركة، وتقديم المقترحات والملاحظات بشأن السياسات والتشريعات العمالية.
ويهدف هذا التنسيق إلى بناء بيئة عمل متوازنة، تحقق مصلحة العامل وصاحب العمل والاقتصاد الوطني في آن واحد.
هل لدى الاتحاد خطط للتوسع في عدد النقابات أو تطوير آليات العمل النقابي؟
نعم، لدى الاتحاد رؤية استراتيجية للتوسع في تأسيس نقابات جديدة، خاصة في القطاعات التي لا تزال تعاني من ضعف التنظيم النقابي، إلى جانب تطوير آليات العمل النقابي باستخدام أساليب حديثة تعزز الشفافية والكفاءة والتواصل مع العمال.
كيف أثرت التغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية على العامل البحريني؟
التغيرات الاقتصادية العالمية انعكست على سوق العمل البحريني من خلال ضغوط على بعض القطاعات، وإعادة هيكلة الشركات، وتأثر مستويات التوظيف. وقد تعامل الاتحاد مع هذه المتغيرات بواقعية، داعياً إلى سياسات تحمي العامل وتدعم الاقتصاد في آن واحد.
ما رؤيتكم لضمان استقرار الوظائف في القطاعات التي تشهد تحولاً أو أتمتة؟
يرى الاتحاد أن الاستقرار الوظيفي لا يتحقق إلا عبر إعادة التأهيل، وإشراك النقابات في خطط التحول، ووضع تشريعات تضمن انتقالاً عادلاً للعاملين إلى وظائف جديدة دون الإضرار بمصادر رزقهم.
كيف ترون مستقبل التوظيف في ظل رؤية البحرين الاقتصادية 2030؟
يؤمن الاتحاد الحُر بأن رؤية البحرين الاقتصادية 2030 تمثل فرصة حقيقية لتعزيز توظيف البحرينيين، شريطة أن يكون العامل في قلب هذه الرؤية. ويؤكد الاتحاد استمراره في أداء دوره الرقابي والتنموي لضمان أن تنعكس هذه الرؤية على تحسين مستوى معيشة العمال واستقرارهم الوظيفي.

