رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

من يحدد الأعمال السيادية

يقصد بأعمال السيادة طائفة من أعمال السلطة التنفيذية لا تخضع لرقابة القضاء فلا تكون محلًا للإلغاء أو التعويض أو وقف التنفيذ أو فحص للمشروعية.

وأعمال السيادة بهذا المفهوم تمثل خروجًا صريحًا عن مبدأ المشروعية وتجاهلًا لأحكامه لأن السلطة التنفيذية تستطيع استغلال فكرة أعمال السيادة وتقوم بتصرفات تسبغ عليها هذه الصفة، وبالتالى تخرج عن القواعد القانونية التى يتضمنها مبدأ المشروعية ولا يكون للقضاء بصدد هذه الأعمال حق التعقيب عليها إذ تخرج عن ولايته فلا تقبل الطعون المقدمة ضدها ولا طلبات التعويض عن الأضرار التى تحدثها ولا يملك القضاء حيالها سلطة الإلغاء أو التعويض.

وفى هذا تكمن خطورة أعمال السيادة إذ تعتبر سلاحًا فى يد الحكومة يهدد حقوق الأفراد وحرياتهم ولا يجد الأفراد وسيلة للدفاع يردون بها هذا السلاح لأن القضاء ممنوع من التعرض لمناقشة هذه الأعمال الموصوفة بالسيادية.

نظرية أعمال السيادة نظرية قانونية تخلص السلطة التنفيذية من رقابة السلطة القضائية فى بعض المسائل التى تخص علاقة الدولة بالمواطنين أو أعمال الدولة السيادية مع الدول الأخرى، أو سياسة الدولة الخارجية، والكثير من الأعمال الحكومية قد يندرج تحت الأعمال السيادية للدولة. وبالنظر لتشريعات دول كثيرة نجد أنها نصّت على أعمال السيادة، ولكن دون وصف واضح لها، مما يدع المجال مفتوحًا للتأويل وإدراج قرارات وأعمال للسلطة التنفيذية تحت هذه النظرية، وفى حالة وصفها يكون الوصف مقتصرًا ويتسع احتمالات كثيرة.

إن المبدأ الذى أصدرته الإدارية العليا بشأن أعمال السيادة، يؤكد أن التنازل عن الأرض فى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ليس من أعمال السيادة، فقد أكدت فى الوقت نفسه، أنها من ضمن صلاحيتها تحديد الأعمال السيادية من عدمه، والقرار السيادى هو قرار سياسى، ويختلف عن القرار الإدارى، فالقرار الإدارى يتم طبقًا لقوانين ولوائح، أما القرار السياسى، فهو ممارسة لسلطة، لا تجوز إلا للسلطة المنتخبة، وهو ممارسة لصلاحية طبقًا للدستور والقانون، ولكن هذه الممارسة تعتمد على التقدير السياسى، وإذا أخضع القرار السياسى للقضاء، فإن ذلك يعنى أن يكون للقضاء سلطة التقدير السياسى، فيصبح حكمه رأيًا سياسيًا، وليس حكمًا قضائيًا.

ومن أجل ذلك فقد أعطى القانون الدستورى أحقية لرئيس الجمهورية فى إصدار عدد من القرارات السيادية للحفاظ على أمن وسلامة البلاد فالمسئولية لابد أن يقابلها سلطة تعمل على تنفيذها والحفاظ عليها.

وطبقًا لذلك تنقسم القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية إلى نوعين من القرارات وهى القرارات الإدارية، والقرارات السيادية فالقرارات الإدارية هى القرارات التى يجوز الطعن عليها، أما القرارات السيادية: وهى طائفة من القرارات التى يتم إخراجها من مجال التغطية القضائية بصفة كلية وتحصينها إما بموجب نصوص قانونية أو اجتهادات قضائية.

والقرارات السيادية هى أيضًا تلك الأعمال التى تصدر من السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية وتنظم علاقتها مع السلطة التشريعية، وكذلك علاقات الدولة بدول أخرى فدعوة الناخبين للانتخاب فى أية استفتاءات أو انتخابات تعد عملًا من أعمال السيادة التى لا يختص القضاء برقابتها، وكذلك قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع أى دولة أو توقيع الاتفاقيات الدولية، أو استئناف العلاقات الدبلوماسية وجرى العرف على أن القرارات السيادية هى أعمال محصنة من رقابة القضاء.

وتعتبر القرارات السيادية هى التى تمس مصالح الدولة السيادية الاقتصادية والخاصة بالأمن القومى، كصدور قرارات تتعلق بالحرب أو التموين أو زيادة أسعار السلع الإستراتيجية.

فهى القرارات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة أو السياسة، وليست أعمال إدارة وتنظيم مرافق الدولة، مثل تشكيل الحكومة أو قبول استقالتها أو إعلان الحرب أو تنظيم القوات المسلحة إعدادًا للتعبئة العامة وإقامة علاقات مع دول أو قطعها، وكذلك طرح مشروع دستور للاستفتاء أو إعلان نتيجة الاستفتاء، وهذا كله مستقر عليه فى أحكام الدستورية والإدارية العليا.

ونظرية أعمال السيادة تجتزئ بالتحديد مثل هذه التصرفات المتعلقة بالمصلحة القومية العليا للبلاد من الرقابة الدستورية أو المشروعية التى تسمح بوقف وإلغاء هذه القرارات، وطبعًا هذه القرارات لابد أن تكون صادرة مطابقة لأحكام الدستور والقوانين النافذة، ولابد أن تصدر من الجهات المختصة بها فإذا صدر مثلًا قرار إعلان الحرب من رئيس الوزراء، وهو غير مختص بذلك يلغى القرار رغم أنه فى حقيقته قرار سيادى، وإذا صدر قرار توقيع اتفاقية أو معاهدة من رئيس الجمهورية بدون موافقة مجلس الشعب، يكون قرارًا باطلًا رغم أنه فى حقيقته قرار سيادى، وحيث إن جميع القرارات الرئاسية والبرلمانية الناشئة عن صلاحيات دستورية تعتبر من أعمال السيادة.

وهناك بعض الأحكام فى مصر التى أَعمل فيها القضاء نظرية أعمال السيادة منها قضية كانت تطالب بعودة رئيس الجمهورية للحكم، وأخرى تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدانمارك بعد إساءتها للرسول الكريم برسوم مسيئة، وقضايا كانت تطالب بإلغاء قرارات لرئيس الجمهورية السابق بدعوة الناخبين للانتخاب.

إن القرارات السيادية للرئيس هى نوعية من القرارات التى يصدرها رئيس الجمهورية ولا تخضع لرقابة القضاء سواء بالإلغاء أو التعويض، لأنها تتعلق بأمور خطيرة تمس مصلحة وأمن البلاد، وإذا تعرضت مصالحها للخطر وتعرض هذه القرارات السيادية بعد ذلك على السلطة التشريعية للتصديق عليها، والقرارات السيادية لرئيس الجمهورية فى مصر لها جذور فرنسية قديمة وهى تقتصر فقط على أعمال السيادة للدولة.

إن فكرة القرارات السيادية فى مصر فكرة مستقرة ومعروفة فى القانون الدستورى منذ زمن بعيد من أجل حماية مصلحة الدولة وأمنها وإذا تعارضت مصلحة الدولة مع القانون يتم تغليب مصلحة الدولة حتى لا تتعرض للهلاك والدمار.

عرف القانون الإدارى أعمال السيادة بأنها تلك الأعمال الصادرة من الدول بما تصدره الجهات العليا فيها والتى تدخل ضمن علاقاتها مع الدول الأخرى أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات دولية كانت أو إقليمية وما يماثلها من أعمال أو قرارات الهدف منها الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعى والصحة العامة.

إن معيار التمييز بين أعمال السيادة وغيرها والتى تكون إما عملًا إداريًا أو حكوميًا، فالعمل الإدارى ليس عملًا سياديًا بينما العمل الحكومى سيادى، فيستقل كل عمل عن الآخر وبالتالى تتحقق ضمانات الأفراد ضد تعسف جهة الإدارة.

وقد أوضح فقهاء القانون الإدارى المعيار فى التمييز بين وظيفة السلطة التنفيذية الحكومية ووظيفتها الإدارية، فيعتبر عملًا حكوميًا الأعمال التى تتخذها السلطة التنفيذية أداء لوظيفتها الحكومية، بينما يعد عملًا إداريًا ما تصدره من أعمال وهى تباشر وظيفتها الإدارية.

 ويقول الفقيه ديكرو إن وظيفة السلطة التنفيذية عبارة عن سلم واحد تشغله هيئة واحدة باسمين مختلفين فهى حكومة فى درجاته العليا، وإدارة فى درجاته الدنيا، بينما يذهب رأى آخر إلى القول إن أعمال السلطة التنفيذية تصبح أعمالًا حكومية إذا ما كانت تنفيذًا لنص فى الدستور أو أعمالًا إدارية إذا تعلقت بتنفيذ قانون عادى، وهذا الرأى محل نقد إذ يخلط بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة.

والمحصلة أن فقهاء القانون الإدارى أقروا بعجزهم عن وضع معيار جامع مانع لأعمال السيادة وكاشف عن طبيعة هذه الأعمال

وتبقى الأعمال الموصوفة بالسيادية أو السياسية غير واردة فى أى قانون ويعود للقضاء وحده فى تقرير ما إذا كان العمل سياديًا أم لا، و تطبق فى هذا الإطار نظرية أعمال الإدارة التقديرية ونظرية السلطة التقديرية.