رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

أحمد إبراهيم الفقيه يكتب-شعبية الزعماء بين الحق والباطل

أحمد إبراهيم الفقيه
أحمد إبراهيم الفقيه

بمناسبة الاحتفال بمئوية الرئيس جمال عبدالناصر فإن هناك سؤالًا يدور، ربما خارج سياق الاحتفال بهذه المناسبة وتقييم ما حفلت به مرحلة عبدالناصر من إنجاز وما شابهها من عوار، وهو السؤال الخاص بشعبية الزعيم وما الذى يصنع هذه الشعبية وهل هى قائمة على حق أو على باطل، ومدى ما يمكن أن ننسبه إلى الصدق والعفوية، وما يمكن أن ينسب إلى الصناعة والدعاية والتصميم وسبق الإرصاد والترصد فى هذه الشعبية، وإذا كان الحديث هنا يأتى بمناسبة تتصل بعبدالناصر، فإن الشواهد فى التاريخ كثيرة عن مثل هذه الشعبية التى نالها مجرمون مثل هتلر وموسيلينى وحصل عليها أبطال تحرير مثل  مانديلا وقديسون مثل غاندى، وزعماء ثورات انتصرت وانتكست مثل عبدالناصر ويأتى فى هذا السياق أناس مثل ماوتسى تونج وكاسترو، كما يأتى أيضًا اثنان هما لينين والخمينى، زعيما أكبر ثورتين فى القرن العشرين أحدهما فى شرق العالم وثانيهما فى الجزء الإسلامى من هذا العالم، وانتهت كل ثورة منهما إلى كوارث ومجازر وحروب وإجرام.

بالنسبة للرئيس عبدالناصر فقد شهدت شعبيته ذرى وسفوحا، وصلت هذه الذرى إلى أقصاها فى مرحلة تأميم القناة، وفى أعقاب العدوان الثلاثى الذى أسهمت فى إجهاضه القوتين العظمتين فى العالم ولحظة توافق بينهما هما الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة الأمريكية، وصب الحصاد فى صالح شعبية الرئيس، واعتبار فشل العدوان، نصرًا مؤزرًا لثورة يوليو وزعيمًا الملهم، وتعززت هذه الشعبية بقيام دولة الوحدة المصرية السورية التى نظر إليها الناس باعتبارها نواة لدولة العرب الكبرى، ثم كان انكسارها انكسارًا لهذا الأمل وبداية لتراجع شعبية الزعيم التى وصلت إلى أقصى لحظات تراجعها، بعد أشهر من نكسة يونيو 1967، لأن حجم النكسة لم يكن واضحًا فى بداية حدوثها، ثم اتضح بعد ذلك، ومن مفارقات ما حدث أن تقام أكبر جنازة ربما فى التاريخ، للزعيم الذى قضى بسبب تأثره بالهزيمة، وإحساس الناس بالفقد، فاستعاد شعبيته الضائعة لحظة وفاته.

طبعًا ما حدث لشعبية عبدالناصر من صعود وهبوط حصل مثله لزعماء غيره، باشكال مختلفة، فمعروف أن الذى أوصل ادولف هتلر إلى الحكم موجة كاسحة من الشعبية والحماس، تجسدت فى انتخابه وانتخاب حزبه عن طريق الفوز فى الانتخابات بشكل مهول، وقد ساعدته هذه الشعبية على تعبئة الشعب الألمانى وحشده لصنع الجيش النازى الذى أعده لصناعة أكبر كوارث العصر، وهى الحرب التى اشعلها وذهب وقودًا لها أكثر من أربعين مليون إنسان، قوة من قوى الشر والجريمة، ركبت موجة الشعبية المبنية على ضلال واخذت معها الشعب فيما يشبه حالة من الغيبوبة مثله مثل زميله وصنوه وحليفته فى الحرب موسيلنى الذى انتهى إلى أبناء شعبه يجرونه من قدميه ويعلقونه بالحبال فى شجرة بشمال إيطاليا إثر هروبه من روما ووقوعه فى أيدى الغاضبين من أبناء شعبه الذين كانوا يعبدونه باعتباره إلهًا كاذبًا ومشوهًا وممسوخًا.

استخدمت النازية واستخدم هتلر الدعاية بشكل كبير جدًا خاصة مع وسائل الإعلام الحديثة التى كانت متوفرة تحت يديه وهى السينما والإذاعة علاوة على الصحافة، وكان الاسم الأشهر بعد الزعيم النازى هتلر فى ألمانيا الرايخ الثالث، هو جوبلز وزير دعاية هتلر، والعجيب كما سمعنا ولا زال الأمر يحتاج إلى تأكيد من شهود لا زالوا على قيد الحياة، هى أن  نظام عبدالناصر بعد أن استتب له الأمر، استعان فى رسم دعايته، والكلام منقول عن صديق سمعه من المرحوم الدكتور عبد القادر حاتم، بخبراء الدعاية الألمان، من الهاربين من النظام المناوئ للنازية فى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، ربما جاءوا فى ركاب علماء من أهل الصناعات العسكرية والأخرى غير العسكرية، وكما قلت هذا كلام يحتاج إلى تأكيد، وصفحات مطوية تحتاج لمن يؤكد وجودها أو ينفى هذا الوجود، لأنه من خلالها نعرف مدى حجم الصناعة والقصدية والتصميم فى الشعبية التى أحرزها الزعيم عبدالناصر فى قلوب المصريين وفى قلوب العرب والتى نالها فى حياته ولعله ما زال يحظى بها بعد ما يقرب من نصف قرن على وفاته رحمه الله.