رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقال رئيس التحرير

إلهام شرشر تكتب: بداية النهاية

الكاتبة الصحفية إلهام شرشر
الكاتبة الصحفية إلهام شرشر


لم يعد بإمكان أحد السكوت أو حتى الصمود أمام ما يحيط بنا من أحداث وصراعات أكلت الأخضر واليابس .

لم يعد بإمكان أحد السكوت أمام حالة الانهيار والانحلال والتلاشي التي نراها ولا نستطيع أن نعلق عليها فضلًا على استيعابها .

لم يعد بإمكان أحد السكوت أمام هذا الزحف الفكري الجديد والغزو الثقافي المريب الذي فتح ثغرات كثيرة في حياتنا للإلحاد.. وأورثنا حالة من الخواء الروحي حتى أصبحنا محاصرين بالإدمان تارة والشذوذ تارة أخرى وبالإباحية تارة ثالثة.

لم يعد بإمكان أحد السكوت أمام حالة التصدع لنظام الأسرة وارتفاع معدلات الطلاق وحالة العصيان الاجتماعي والنفسي التي أصابت الكثيرين من أبنائنا.

لم يعد بإمكان أحد السكوت أمام أمراض الشيخوخة والتدهور الصحي الذي أصاب الحضارة المادية الحديثة ومما يؤسف له أننا تأثرنا بلهيب نيرانها.

هناك وبدون أية مواربة أزمة ضخمة مفزعة تزداد سوءًا يومًا بعد يوم تسمى بأزمة القيم أو أزمة الأخلاق أو أزمة التدين أو أزمة الإنسان الحديث في ظل هذا الصراع المرير بين الحضارات والسعي الحثيث من أجل الهيمنة.

منذ أيام قرأت خبرًا توقفت أمامه كثيرًا فقد اتهمت صحيفة (تايمز) البريطانية موظفي المنظمة الدولية بالتورط في ستين ألف حالة اغتصاب خلال عقد واحد أي (عشر سنوات).
ولعل هذه الحوادث والتي لا يخلو منها مجتمع وغيرها الكثير يكشف وبحق عما وصل إليه الإنسان الحديث من انحدار بل من انتحار.

ولقد عبر (آل جور) نائب الرئيس الأمريكي الأسبق في كتابه «الأرض في الميزان» عن هذا المستوى المتردي الذي وصل إليه الإنسان في ظل حضارة مادية جارفة يقول: إن السبب الأصلي في الأزمة الكونية التي يشهدها العالم الآن هو علاقة الانفصال والفجوة بل الصراع القائم بين الإنسان وعالم الأشياء ولنا أن نستشهد بقول (بيلت): «إذا كان القرن التاسع عشر قد قتل الإله وقتل القرن العشرين الإنسان فقد بقى على القرن الواحد والعشرين أن يقتل الطبيعة».

لا شك أن هذه الحضارة على ما وصل الإنسان فيها من تقدم مذهل فهي حضارة عرجاء قامت على العمران والعلم وأهملت الروح والدين واتخذت من العقل إلهًا.. لا شك أننا نعيش في ظل التحولات الحضارية بدليل هذا النوع من النتاج الفكري الذي يسيطر على عقول مفكريها فهذه النظريات في نهاية التاريخ لـ(فوكوياما) وصدام الحضارات لـ(هانتنج تون) حتى أصبح العالم في حالة من الممكن أن يطلق عليها فقدان القوامة العقلية.

واسمحوا لي أن أستدعي هذه الكلمات لـ(غوستاف لوبون) في كتابه السنن النفسية الذي أنتج لأكثر من سبعين عامًا يقول: «إذا أمعنا النظر في أسباب سقوط جميع الأمم يذكرها التاريخ بلا استثناء وجدنا أقوى العوامل في انحلالها هو تغير مزاجها العقلي وصفاتها النفسية بسبب انحطاط أخلاقها».

أيها السادة عندما يتحول النشاط الإنساني إلى سلعة تباع وتشترى فماذا ننتظر سوى «الهيافة والتفاهة» والضياع والصعلكة والسطحية والتمرد والعصيان.

يبدو أنه لم يطلق على هذا العالم بكل ما فيه من مشاهدات وعلاقات ونتاج عقلي وإنساني بأنه تافه من فراغ، فلقد استعرت هذا التعبير من (آلان دونو) أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندي في كتابه (نظام التفاهة) .

هذا هو إنسان العصر والمحيط الذي يعيش فيه معاناة ما بعدها معاناة نتيجة حالة الفراغ الحضاري والخواء الذي وصلنا إليه كأمة عربية وإسلامية تم اقتيادنا بوعي أو بدون وعي.. بإرادتنا أو بدون إرادة لهذا المنعطف الفكري والثقافي الخطير الذي سلب شخصيتنا وأفقدنا هويتنا فأصبحنا نسير على خُطاه دون رغبة في التفكير أو دافع للعود الحميد.. إلى النبع الصافي من قيمنا وآدابنا وأخلاقنا.

لم أجد تفسيرًا مقبولًا لهذا المستوى المتردي للإعلام التجاري وما يبثه من علل وأمراض إلا بانتمائه وولائه لهذه الحضارة المادية الضاربة بجذورها في حياتنا جميعًا والتي استطاعت أن تستحوذ علينا بشدة بما تملكه من أدوات وأسلحة فاقت في تأثيرها آلات الحروب التقليدية بمراحل عديدة.

لم أجد تفسيرًا مقبولًا لهذا الفن الرخيص والبذيء وما يعرضه من سخافات إلا لتأثره بهذه الحملات الشعواء التي تقودها منظمات بعينها تحرص على إفساد الذوق العام لدينا ذلك النمط الثقافي الذي فرض علينا عبر جميع وسائل الاتصال خاصة الشبكة العنكبوتية.

لم أجد تفسيرًا مقبولًا لظواهر التطرف والتشدد في الدين أو عنه وما يطلقه من ناقوس خطرٍ يكلف البلاد والعباد الكثير من المال والجهد إلا نتيجة تأثره بالنتاج الثقافي أو الفكري الذي يملى عليه ليل نهار من معين هذه الحضارة البغيضة.

والحق أننا لن نستطيع أن نفلت من هذا الطوق الذي يقترب من أعناقنا يومًا بعد يوم إلا إذا عدنا إلى أنفسنا وهويتنا وشخصيتنا وعقائدنا وحضارتنا التي ضربت المثل على مدار قرون في التفرد والامتياز في الجمع بين متناقضات حضارة اليوم من (علم ودين)، ومن (مادة وروح)، ومن (دنيا وآخرة)، ومن (فرد ومجتمع)، ومن (رجل وامرأة)، ومن (عقل وقلب).

لقد اجتاز ديننا الحنيف هذه العقبات الصعبة وتجاوزها وقدم للإنسانية نموذجًا ما أحوجها إليه فهل آن لنا أن نعود إليه؟؟؟؟؟!!!!!.

موضوعات متعلقة