رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

«غول» المعارضة يلتهم الأزهر 

يبدو أن المعارضة لغة لا يجيدها الكثيرون ولا يعرفون لها معنى .. سوى أنها سب.. قذف .. تجريح.. تشهير.. ادعاءات.. كذب .. أو أنها باب من أبواب الرزق .. 

لذا يتحركون ويعترضون بدون إدراك أو وعي أو إستيعاب لوظيفتها الحقيقية ولأهميتها البالغة ولطبيعتها الخاصة .. بل لتعريفها ومفهومها الحقيقي .. 

فالمعارضة بهذا المعنى لا يمكن أن تبني أو تعمر .. بل تهدم وتخرب ... لا يمكن أن تُكمل دورا أو تُبدي رأيا .. أو ترقب عملا .. أو تشجع أداء .. أو ترقى بمستوى .. أو حتى تنقد فكرا أو اتجاها ... وإنما هي معارضة مربكة .. معطلة .. تشبه إلى حد بعيد المثل القائل :« يُسمع منه ضجيجا ولا يرى له دقيقا» .. 

هؤلاء تراهم على كل مائدة.. يتحدثون بكل لغة .. ويقحمون أنفسهم في كل قضية .. هذا الصنف من المعارضة ... يمكن أن نطلق عليه «المعارضة المأجورة» .. 

كما أن الرفض في حد ذاته .. لا يمكن أن يكون ملتصقا وممتزجا بالمعارضة .. فالرفض ليس بمعارضة على طول الخط .. 

وكما أن المعارضة لا يمكن أن تنبع ممن يحملون أجندات خارجية .. أو أجندات خاصة .. يبحثون بها عن مصالحهم الذاتية ... 

إنهم الطابور الخامس الذي يعرقل المسيرة .. ويعكر صفو السيرة .. لا يقدم دليلا ... ولا يطرح فكرا ... 

وإنما المعارضة الحقيقية .. هي التي تشخص أداء.. وتعالج خطأ.. وتكمل أدوار.. وتُقَوِم سلوكا.. وتقيم طريقا.. وتُتمم عملا.. وتُشجع نتائج ... 

إنها في كلمة واحدة تقدم « نقدا بناء» 

يدفع وينفع .. يرمم و يضمد ... يقدم البدائل إذا اعترض على أمر .. فهو من يَطرح ولا يُطرح ... والمعارض الحق من له عمق في الرؤيا كما له منهج في الحلول... 

إنهم قنوات الإتصال ... وجسور التواصل .. التي لا تكتمل أي صورة للحياة السياسية إلا بهم ولا تتم إلا معهم .. 

             فدورهم أساسي .. وشأنهم في غاية الخطورة والأهمية .. لأنهم في الحقيقة الطوارئ .. التي تستعين بهم الحكومات في إيجاد البدائل وعمل الإسعافات ... بل وعلاج أي عوار أو مرض أو داء يطرأ على أدائها ... 

              إنهم من يسعون لنهضة الوطن .. لذلك لا يمكن أن تكون هذه المعارضة نواة للدولة العميقة أو بذرة للسلطة الموازية ... أو حتى لدولة داخل دولة .. هذه المعارضة وللاسف مفقودة ... مفقودة ... لا نراها ولا نسمع عنها شيئا على الرغم من أهميتها وخطورتها ومكانتها ... لأنها ليس لها أهداف خاصة أو أغراض شخصية .. وإنما هي تمضي في طريقها ... لتسدد وتساند وتساعد الحكومة في كل ما تقوم به .. ولو أسقطنا هذه النوعية من المعارضة على دولتنا نستشعر بحرج شديد بأننا نفتقدها ... 

            ومن العجيب حتي في عالم الصحافة أن عبارة تأتي دائما على ألسنة المحررين وهي «هنهاجم ازاي» ؟!.. وحتى نقترب من المشهد أكثر .. دعونا نأتي بنماذج من المعارضة الإيجابية منها والمأجورة من خلال قضية بعينها وأزمة كثر الحديث عنها وهي أزمة الدولار التي تعيشها مصر منذ فترة .. فقد تحدثت المعارضة المغرضة بلهجة إستفزازية وبعبارات نارية ... واصدروا من التصريحات والتي منها .... 

            إن مصر في طريقها إلى الإفلاس .. وأن اقتصادها يترنح .. حتى أوشك أن يسقط بلا قيام ويقع بلا صعود أو صمود .. ومنها أن القادم أسوأ ... وحالك السواد ... ومنها أن مصر قادمة لا محالة على ثورة جياع .. 

            فقد تدهور اقتصادها وانهارت السياحة بها ومنهم من اتهم الأجهزة المعنية بالمشكلة والمؤسسات المنوطة بها .. والمعالجة لها بالفشل الذريع .. وأنهم ادخلوا مصر في النفق المظلم ... 

ترى ماذا قدم هؤلاء لمعارضتهم ؟؟!!!!... 

زادوا الأمور تعقيدا ولم يقدموا حلا .. أو يحددوا سبلا للخروج من تلك الأزمة ... 

            وفي المقابل .. وقفت المعارضة الحقيقية تتحدث عن القضية من منظور علمي ..فتناولت الأسباب والدافع وقامت بتشخيص الموقف في ضوء ما لديها من معلومات وحقائق ووثائق وخبرات ... 

فحددوا في دقة الأسباب التي تمثلت في : 

١- ظاهرة الإستيراد من خامات ومواد و سلع والمنتجات الترفيهه... 

٢- توجيه الدولة إلى مجموعة الإجراءات التي تتخذ حيال هذه الأزمة ... من تقشف حكومي وتقليص عدد الوزراء وعدد المستشارين بالوزارات .. 

٣- وتحديد أسباب تراجع التحويلات للمصرين بالخارج.. 

٤- البحث عن طرق جذب بديلة للسياحة ... التي كانت تمثل فائضا ضخما للدولار ... 

ومن خلال هذه المعارضة نستطيع أن نقف على أفضل الأساليب في معالجة هذه الأزمة أو التخفيف والحد منها .. 

وبهذا يتكشف لنا الفرق الواضح بين من يعارض من أجل المعارضة وبين من ينقد نقدا إيجابيا من أجل الخروج من أزمة ما .... 

ومثال آخر من صور المعارضة السلبية ..... الاتهامات التي توجه ليل نهار إلى المؤسسة الأزهرية العملاقة التي سجل التاريخ لها من المواقف والأعمال ما يستدعى التقدير والاحترام ... 

ولقد خرجت هذه المعارضة عن أشكال اللياقة والأدب ... فكثيرا ما نسمع هؤلاء وهم يقدحون في شخص الإمام الأكبر ... الذي يمثل رمزا للدين وعنوانا للمسلمين يستوجب الإحترام والتبجيل لأن مكانة شيخ الأزهر لا تمثل شخصه فقط بل إنها مساس بالأزهر بل بالمسلمين ... فحرمة الإمام من حرمة هذا الدين الذي ننتسب إليه جميعا .. لذلك يعد النيل منه ... في الحقيقة هو يعد اعتداءصارخ على هيبة المسلمين ومكانتهم ... لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال .. الفصل بين مكانة الإمام ومكانة المؤسسة بل ومكانة الإسلام... على اعتبار أنه رمز للإسلام والمسلمين عبر التاريخ ... 

وبكل أسف لا أجد حسن نية في محاولة النيل أو المساس بشخص الإمام الأكبر .. لأن الهدف من استحلاله هو استحلال دور الأزهر .. حائط الصد المنيع في الدفاع عن الإسلام .. أو الدعوة إليه ... 

  كما أنه صورة الإسلام الوسطي المبين الذي يعطي النموذج للعالم في سماحة الإسلام ويسره.. لذلك يعد من يعارضه لمجرد المعارضة ... دونما سبب واضح سوى عرقلة جهود الأزهر والحد من دوره الذي بات عالميا .. ونأسف أن ما حدث قد تسبب في جرأة كبيرة ...  وصل بصنف من هؤلاء المتطاولين المنفلتين على الذات العلية.. ذلك العبد الأبق .... الذي يطالب بإلغاء الأزهر الشريف بل بلغ الأمر بشكوى الأزهر إلى «محكمة العدل الدولية »...

 أي محكمة دولية تلجأ إليها أيها الزنديق الفاجر .. ليتك تبتعد بكفرك وفسقك وجهلك عن الأزهر الشريف ورجالاته ... أكرر أيها الكافر الرعديد ...

كما يؤسفني هذا التدخل في شئون الأزهر وفرض اراء بعينها عليه ... حتى لو كانت من وزارة الأوقاف ...التي هي جزء من نسيجه .. ومن المفترض أن تقوم بدور تكميلي ... 

أي أمل .... أي وجود ... ذلك لوزارة الأوقاف أو لأي مؤسسة دينية .. بعد سقوط ساترهم ... فبعد سسقوط الأزهر أو الغائه ... أى مؤسسة ستكون ؟؟؟!!! ... تلك المؤسسات الهامشية .. التي من الممكن أن تتطور أو تلغى ؟؟؟!!!.. 

        أما مؤسسة الأزهر فلا يمكن أن تلغى ولن تتطور فهي مكتلمة بكمالها وتمامها من القران والسنة .. فلا بديل عنها ولا نظير لها في العالم الإسلامي بأسره ... 

أي كابوس ذلك الذي ننزع فيه بالقضاء على كل طيب وجميل ... حتى الأزهر الشريف ؟؟!!!!!!!! ... ذلك التشويه الذي وصل إلى  اللامعقول واللامقبول ؟؟؟!!!!!!.... 

 أما المعارضة الإيجابية : فتقتضي التقدم بكل ما لدى المعارض من اقتراحات تتواكب مع الطفرات السريعة والقفزات والتطورات التي تشهدها الإنسانية في هذه الحقبة من تاريخها ... 

أنـــــا أسفة ...... أن ينال الهدم والتشويه وغياب الوعي وموت الحس ... تلك القلعة التي تحمل الضمير الديني ... دون رادع دون رهبة دون رقيب حتى الآن .... 

وفي هذا المقام نُحيي كل من يمد يده إلى هذه المؤسسة العريقة ليشاركها تجديد الخطاب الديني بما يتناسب والعصر الحديث ويتوافق مع قضاياه شكلا وموضوعا .. مادة ومعنى ... 

نُحيي كل من لا يزال عنده الوفاء إلى المرجعية الإسلامية الدينية الأولى .. رمز الأمة الإسلامية .. رمز الصمود والنضال ... 

إنه الأزهر منارة التنوير .. تاريخ .. احذروا أنه ضمن المخطط اللئيم الخسيس لضرب الإسلام من ناحية ومن ناحية أخرى .. كل صور الزعامة والريادة على جميع المجالات سياسية .. اجتماعية .. اقتصادية .. وأخيرا دينية  ... 

وأنــا أري على سبيل المثال أنه يجب إلتزام واحترام رأي الأزهر الشريف من خلال هيئة كبار العلماء في إلزام الأئمة بالخطب الموحدة المكتوبة .. ذلك لأن حوار الناس في خطبة الجمعة .. لا يمكن أن يتم عن طريق التلقين أو التسميع لأنها ليست حصة قراءة أو إلقاء .. وإن كنت معهم في تعميم الموضوع وعدم الإطالة وإنما يجب أن يكون للإمام حرية الإنطلاق .. واظاهر القدرة على التفاعل .. والإمتاع ... والإسماع .. والإقناع .. والإسهام .. كل ذلك لن يتأتي إلا عن طريق المواجهة بالحواس ... 

وإلا أين قدراته ومعلوماته ودراساته وقراءته وخبراته والفروق النوعية بينه وبين الآخرين .. وإلا كيف تكون المنافسة من أجل الدين .. في الوصول إلى الناس بالفكر الصحيح والمنطق السليم الذي لن يكون إلا من خلال التفاعل والإنفعال بالروحانيات وخاصة التي تكون في يوم الجمعه ... 

إنه التنوير .. هو رسالة الأزهر .. التي ظل لأكثر من ألف عام .. ينادي بها ويحرص عليها ويبلغها ... لذلك ندعو الله تعالى له ... أن يصل مع هذه الرسالةإلى بر الأمان وشاطئ النجاة ... 

هل نكون مثل الأزهر في المعارضة الإيجابية ؟!!!... لخطبة الجمعة الورقية بالمساجد .. هكذا يعطينا نموذجا إيجابيا أخلاقيا دينيا في التعبير عن الرأي؟؟؟!!! ...... هل نتمثل به ؟؟؟!!!! .... 

إن المعارضة يا سادة فن كبير .. وعلم هام ... ينبغي أن نتعلمه وأن نسعى إلى اكتسابه ... فبها تكتمل منظومة الديموقراطية ..