رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

أسعار اللحوم تتهاوى أمام عزوف المصريين

زيادة العرض وتراجع الطلب سر انخفاض الأسعار ​

عبدالوهاب: جشع التجار وراء الاستمرار فى استيراد السودانية​

عبدالعاطى: الأعلاف البديلة مكنت كبار المربين من الاستمرار فى التسمين

شهدت الأسواق خلال الأسابيع الماضية انخفاضا ملحوظا فى أسعار اللحوم الحمراء، لدرجة تراجع سعرها بمعدل عشرة جنيهات مرتين متتاليتين فى أسبوعين، وبحسب شعبة القصابين بالقاهرة، فإن سعر كيلو اللحم البتلو تراجع من 130 و140 جنيها إلى 110 و120 جنيها، فيما تراجع سعر كيلو اللحوم البلدية العجوزة من110 جنيهات إلى 90 جنيها مطلع شهر سبتمبر، الأمر الدى يثير العديد من التساؤلات حول أسباب ذلك الانخفاض، فهل نجحت الحكومة حقا فى وضع حلول جذرية لمشكلة تربية الماشية، أم أنه الهدوء الذى يسبق العاصفة بحيث تعود الأسواق لتشهد ارتفاعا مفاجئا فى الأسعار مرة أخرى.

أمير عبدالوهاب صاحب شركة "أثمار للتنمية الزراعية"، أكد أن زيادة المعروض من اللحوم السودانية، بالإضافة إلى سيارات القوات المسلحة التى تجوب الأحياء والقرى، بأسعار تتراوح بين 80 و85 جنيها، بالإضافة إلى عزوف المواطنين أنفسهم عن شراء اللحوم الحمراء نتيجة حالة الركود العام التى يعيشها المجتمع، مما أدى إلى زيادة حجم المعروض عن الطلب.

أضاف لـ"الزمان"، أن الجزارين لعبوا دورا كبيرا فى عزوف المواطنين عن شراء اللحوم البلدية، حيث يقدر سعر الكيلو جرام من الحيوان الحى بنحو 36 جنيها للجاموس و25 جنيها للأبقار، ما يعنى أن السعر العادل لبيع هذه اللحوم هو 85 إلى 90 جنيها، ومع ذلك ما زال الجزارون مصرين على البيع بسعر 110 إلى 120 جنيها فى الأحياء العادية و150 إلى 160 فى الأحياء الراقية.

ولفت أمير إلى أن خروج صغار المربين من السوق نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث وصل طن العلف المركز إلى 4500 جنيه، بما يعنى أن تكلفة تسمين الجاموسة من 180 كيلو إلى 450 كيلو جرام تصل لأكثر من 9 آلاف جنيه على أساس أن كيلو اللحم الواحد يحتاج إلى 7 كيلو جرامات علف ما يجعل تكلفة التسمين مرتفعة جدا.

توقع رئيس مجلس إدارة شركة أثمار، أن تعود أسعار اللحوم للارتفاع مرة أخرى، بعد عودة الاتزان بين العرض والطلب للأسواق، لافتا إلى أن الانخفاض فى سعر اللحوم غير طبيعى، وعادة ما يؤدى الانخفاض غير المنطقى فى الأسعار إلى ارتفاعها مرة أخرى، محذرا من خطورة انهيار الصناعة بالكامل، حيث تقتصر عملية التربية حاليا على كبار المربين ولكن استمرار ارتفاع مستلزمات الإنتاج والاستيراد من الخارج سيؤديان حتما إلى توقفهم عن تسمين الماشية فى يوم من الأيام.​

طالب أمير، الدولة بدعم المنتجين المحليين بدلا من الاعتماد على الاستيراد توفيرا للعملة الصعبة، ودلك بتوفير الأعلاف مدعمة، مشيرا إلى ارتفاع سعر طن الدرة إلى 3200 جنيه، وطن فول الصويا إلى 10 آلاف جنيه، بخلاف كثرة حالات النفوق التى تصل إلى نحو 5%. من رؤوس الماشية مما يجعل الصناعة غير مربحة.​

من جانبه، أرجع الدكتور صلاح عبدالعاطى، أستاد تغذية الحيوان بمركز بحوث الصحراء، خروج صغار المربين الذين يقومون بتربية 1إلى 5 رؤوس ماشية، واستمرار الكبار القادرين على تربية أكثر من 20 رأس ماشية، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف التقليدية، وانخفاض أسعار الأعلاف غير التقليدية.

أوضح لـ"الزمان"، أن العلف يعتمد على مكونين أساسيين الأول: الكربوهيدرات، وهذه يمكن تعويضها من قش الأرز وتبن القمح وعروش الخضراوات ومخلفات التصنيع الزراعى، خاصة قشر البرتقال وتفل الزيتون وكل مخلفات العصير الناتجة من شركات العصائر، والثانيه البروتينات وتتركز فى كسب القطن والسمسم وعباد الشمس.

وقال أستاذ تغذية الماشية: إن مشكلة صغار المربين كون الاستفادة بهذه المكونات تتطلب خبرة علمية لا يملكها سوى كبار المربين، لافتا إلى انخفاض سعر صرف الدولار بصورة أدت إلى انخفاض أسعار استيراد الذرة وفول الصويا باعتبارهما المكون الرئيسى للعلف، مما ساعد على تراجع تكلفة الإنتاج.

خطة تحصين الماشية حافظت عليها من النفوق ببورسعيد

قال الدكتور وليم سعيد جندى، رئيس قطاع الإنتاج الحيوانى بمحافظة بورسعيد: إن الخطة القومية لتحصين الماشية التى وضعتها وزارة الزراعة وأشرفت على تنفيذها الدكتورة منى محرز، نائب وزير الزراعة، لضمان تحصين الماشية على مستوى الجمهورية ضد الأمراض المتوطنة ووضع ترقيم فى أذن الحيوان للتأكد من تحصينه أدى إلى انخفاض نسبة الإصابة بالأمراض وتراجع معدلات نفوق الماشية، مما ساهم فى انخفاص تكلفة تسمين الماشية.​

أوضح لـ"الزمان"، أن لجنة استيراد الماشية التى ترأسها الدكتورة منى محرز، كانت تجتمع فى الماضى مرة كل شهرين لبحث طلبات الاستيراد الجديدة لم تجتمع مند 8 شهور، مما يؤكد حدوث طفرة فى الإنتاج المحلى، لافتا إلى معاناة مصر عام 2006 وكذلك عام 2012 من نفوق قطعان كبيرة من الماشية نتيجة الإصابة بمرض الحمى القلاعية الذى أمكن السيطرة عليه مما ساعد على استقرار مشروعات التربية.​

طالب الدكتور وليم الوزارة، بتوفير الأعلاف بصورة مدعمه من خلال البنك الزراعى كما كان فى الماضى، حيث كان يتسلم محصول الذرة من الفلاحين، ويقوم بتشوينه فى شونه المنتشرة فى كل قرى الجمهورية، ثم يقوم بتوزيعه على شركات إنتاج الأعلاف، إلا أن هذا الدور توقف تماما اعتبارا من عام 1986 بسبب تحرير قطاع الزراعة.

أشار رئيس قطاع الإنتاج الحيوانى ببورسعيد، إلى أن مشروع تسمين الماشية التابع للمحافظة الذى يعتمد على الاستفادة من حجز الحيوانات المستورده 45 يوما داخل الحجر الزراعى بالقرب من ميناء بورسعيد قبل السماح بدخولها البلاد، الأمر الذى مكن المحافظة من تسمين عدد كبير من الماشية تباع مباشرة فى منافد توزيع تابعة للمحافظة للتحكم فى السعر عند انفلات الأسعار فى السوق.​

التربية تفقد بريقها بكفر الشيخ

قال على رجب نقيب الفلاحين بمحافظة كفر الشيخ، إن تربية الماشية لم تعد تحقق أرباحا للمربين فتوقف كثير منهم عن التسمين، وقد يؤدى ذلك إلى انقراض الثروة الحيوانية بعد قيام أغلب الفلاحين ببيع الحيوانات بأوزان تقل عن 180 كيلو جرام للتخلص من عبئها، الأمر الذى سينتج عنه أزمة قريبة فى الألبان والجبن وكل المنتجات المرتبطة بتسمين الماشية.

أوضح لـ"الزمان"، أن تكلفة تسمين العجل من وزن 180 كيلو إلى 400 أو 450 كيلوجرام على مدى ثلاثة أو أربعة شهور وصلت 5 آلاف جنيه على أساس أن تكلفة التغذية فى اليوم الواحد 50 جنيها، وأن مدة التسمين إما 90 يوما أو 120 يوما للحصول على وزن أكبر، مضيفا أن سعر العجل البتلو 15 ألف جنيه فإذا أضيف 5 آلاف جنيه ثمن تسمينه فإن السعر العادل له فى السوق يفوق الـ 20 ألف جنيه بينما يباع حاليا فى الأسواق بسعر 15 إلى 18 ألف جنيه فكيف يحقق الفلاح ربحا من هذه المهن، ولا يمكن حل هذه المشكلة جذريا إلا بوقف الاستيراد تماما لحين استعادة السوق عافيته.

مبادرات شعبية للتسمين بسوهاج

أكد محمد إبراهيم، وكيل شئون التموين بمديرية التموين بسوهاج، أن المبادرات الشعبية التى تبناها شباب المحافظة بشراء العجول وذبحها داخل السلخانات وبيعها بهامش ربح معتدل مما أدى إلى انخفاض أسعار اللحوم الحمراء فى الأسواق، مشيرا إلى توافد المواطنين على المنافذ التى تم إعدادها بالتنسيق بين المبادرة والأجهزة التنفيذية ورجال الرقابة التموينية، لشراء اللحوم بعد الإعلان عن بيعها بسعر 90 جنيهًا فيما خلت محلات الجزارة من المشترين.

أوضح لـ"الزمان"، أن أسعار الماشية الحية انخفضت فى الأسواق، ومع ذلك يرفض الجزارون النزول بأسعار اللحوم وما زالوا يبيعون الكيلو بـ 130 جنيها، مؤكدا أن الهدف من المبادرة القضاء على جشع الجزارين، خاصة مع التراجع المستمر لأسعار الماشية الحية .

وأضاف إبراهيم أن مديرية التموين بسوهاج قامت بالاتفاق مع شركة "هنده" للأسماك لفتح 60 إلى 70 منفذا لتوزيع الأسماك بالمحافظة، كما تعهد صندوق الشركة على استقدام الأسماك من المصايد الخاصة به مباشرة لهذه المنافذ مقابل قيام المحافظة بتوفير أماكن لفتح هذه المنافذ. مؤكدا بيع الأسماك بأسعار تتراوح بين 15 و20 جنيها للكيلو، للمساهمة فى توفير بدائل للحوم الحمراء. مؤكدا تدخل التموين لتوفير أى سلعة يحدث بها خلل فى السعر مع استمرار عملها الأساسى فى الرقابة على جودة المعروض بالأسواق.

​وقال وكيل مديرية التموين: إن الخطوات التى اتخذتها المحافظة أدت إلى حدوث انخفاض ملحوظ فى أسعار اللحوم، دفعت التجار إلى النزول بسعر الكيلو من 120 جنيها، إلى 80 جنيها، بل وقيام بعضهم بالإعلان فى ميكروفونات عن مشترين للحم البلدى الكبير، بـسعر 50 جنيها للكيلو وهى أنواع من اللحوم تستخدمها الأسرة فى اللحم المفروم.

وأشار إبراهيم إلى تباين أسعار اللحوم بين القرى داخل المركز الواحد، وبين المراكز وبعضها، ففى الوقت الذى شهدت فيه قرية شطورة انخفاضا فى السعر وصل لأكثر من 50%، سجل سعر الكيلو فى مركز طهطا بسوهاج 90 جنيها، واستقر فى بعض المناطق عند 100 جنيه للكيلو.

فى سياق متصل قال "محمد أحمد"، أحد الشباب المشاركين فى المبادرة الشعبية: إننا كنا نعانى من زيادة أسعار اللحوم فاتفقت مع بعض الشباب والجزارين الجادين على عمل هذه المبادرة التى تقوم على شراء عجول وذبحها تحت إشراف بيطرى وبيعها بأسعار مخفضة لرفع المعاناة عن المواطنين، وقمنا بالترويج لها بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك"، فاستجاب عدد كبير من الشباب بجميع مراكز وقرى المحافظة، مما ساهم فى تراجع سعر كيلو اللحم، بحيث أصبح يتراوح بين 90 إلى 100 جنيه،

مطالبا الأهالى بتشجيع الجزارين المشاركين فى المبادرة ضمانا لاستمرار المبادرة، خاصة إن اللحوم جيدة جدا وسليمة وهى عجول بقرى.

من جانبه أرجع علاء عسكر، أحد جزارين سوهاج سبب انخفاض أسعار اللحوم، إلى الانخفاض الشديد فى سعر الماشية، خلال الأسابيع الماضية، فرأس الماشية التى كان يتراوح ثمنها ما بين 25 و 30 ألف جنيه، انخفض إلى 15 ألفا فقط، لافتا إلى حدوث تراجع شديد فى الطلب على اللحوم خلال الأسابيع الماضية، خاصة فى الفترة التى أعقبت عيد الأضحى، حيث تحتفظ أغلب الأسر بكميات كبيرة من لحوم الأضاحى، فضلا عن زيادة الإقبال على الدواجن التى تراجعت أسعارها هى الأخرى، وتوفر البروتين للأسرة بسعر أرخص من اللحوم الحمراء.

أما عن آراء تجار الماشية فيقول محمد شبيب، أحد تجار الماشية بسوهاج: إن السبب فى تراجع أسعار اللحوم إغراق السوق باللحوم "المستوردة والبلدى"، مع ظهور ركود فى أسواق اللحوم ورغبة المربين فى بيع المواشى بعد انخفاض أسعارها، بسبب ارتفاع أسعار العلف، بصورة أدت إلى تكبد المربين خسائر فادحة.

​من جانبها قالت إحسان أحمد، مواطنة من مركز طهطا: إنها امتنعت عن شراء اللحوم الحمراء من محال الجزارة هى والعديد من أصدقائها لمواجهة جشع الجزارين الذين يصرون على رفع سعر الكيلو إلى 110 و120 جنيهًا، مؤكدة أن تمسك العديد من المواطنين بالمبادرة واتجاههم لبدائل اللحوم، مثل: الفراخ والأسماك، وقيام بعض الشباب بذبح عجول وبيعها بسعر 90 جنيهًا للكيلو أجبر عددا كبيرا من الجزارين على النزول بسعر الكيلو إلى 90 جنيها.

المبادرات الشبابية تجبر جزارى الأقصر على خفض أسعار اللحوم

أكد محمود سعد، أحد الجزارين بالأقصر، لـ"الزمان"، أن المبادرة التى قام بها العديد من الشباب بقرى المحافظة بشراء العجول وذبحها بعيدا عن الجزارين أجبرتنا على النزول بسعر كيلو اللحمة إلى 90 جنيها بعدما عزف المواطنون عن شراء اللحوم من محلات الجزارة بسبب أسعارها المرتفعة مقارنة بأسعار المبادرات الشبابية، مؤكدا أن الجزارين مطالبون بعدم الإصرار على بيع اللحوم بسعر معين، خاصة مع تراجع أسعار العجول فى الأسواق، مشيرا إلى أن السعر يجب أن يتواكب مع أسعار المواشى الحية.

​وأضاف أحمد منصور، "جزار بالأقصر"، أن زيادة المعروض من رؤوس الماشية فى الأسواق، وانتشار المنافذ التى تبيع اللحوم السودانية والمستوردة بأسعار زهيدة، بصورة تلقى إقبالا كبيرا من المواطنين، بالإضافة إلى تردى الوضع الاقتصادى للمواطنين أدى إلى انخفاض أسعار اللحوم لدرجة نزول بعض الجزارين بسعر الكيلو من 120 إلى 80 جنيها، وقيامهم بتدوير ميكروفونات بقرى محافظة الأقصر لتسويق اللحوم الراكدة لديهم، لافتا إلى أن اللحوم سلعة غير قابلة للتخزين بعيدا عن الثلاجات فى الوقت التى يحبها المستهلك طازجة.

وأكد الحاج خالد، تاجر مواشى بالأقصر أن المبادرات الشبابية لم تؤثر على حركتى البيع والشراء، موضحا معاناة السوق من حالة ركود فى أسعار المواشى وعجول التسمين قبل هذه المبادرات التى نادت بتخفيض سعر كيلو اللحم للمستهلك، مشيرا إلى أن انخفاض أسعار المواشى جعل المواطنين يطالبون بخفض سعر كيلو اللحم لوجود فارق كبير بين سعر كيلو العجل "الحى" وبين سعر كيلو اللحم الذى يشتريه المواطن.

ويرى مصدر بمديرية الزراعة بالأٌقصر- رفض ذكر اسمه- أن وزارة الزراعة تساهم فى انخفاض أسعار اللحوم وأنه من الأسباب الأخرى لانخفاض أسعار اللحوم، زيادة الإنتاج المحلى وتقليل الاستيراد من الخارج، مؤكدا أن بعض التجار ما زالوا يبيعون كيلو اللحم بـ140 جنيها رغم انخفاض السعر فى السوق حتى 90 وأحيانا 80 جنيها لافتا إلى أن وزارة الزراعة تسعى إلى زيادة الإنتاج وتحقيق هامش ربح للمربى حتى يصل المنتج للمستهلك بسعر عادل مع قيام الجهات المسئولة بضبط الأسعار داخل الأسواق.​