رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

”هاشالو” يضع حكومة أديس أبابا على فوهة البركان.. مقتل المغنى ينشر الفوضى وتصريحات ”آبى” تثير الفتنة... ”السد” كلمة السر للصراع بين المتظاهرين والحكومة الإثيوبية

بخيت: سد النهضة به أزمات كارثية

الشهاوى: أتمنى أن يعود الرشد لأصحاب القرار السياسى فى إثيوبيا

اندلعت احتجاجات عقب مقتل المغنى الشهير فى العاصمة أديس أبابا ومنطقة أوروميا المحيطة بها، الأمر الذى سلط الضوء على الانقسامات المتنامية فى قاعدة نفوذ رئيس الوزراء آبى أحمد وسط أبناء عرق الأورومو.

ويزداد تحدى النشطاء العرقيين للحكومة بعد أن كانوا حلفاء لها، ووصف رئيس الوزراء أبى أحمد أن قتل المغنى هاشالو هونديسا بأنه "عمل شرير"، معلناً أنها فعلة ارتكبها واستلهمها أعداء فى الداخل والخارج لزعزعة السلام ومنعه من تحقيق الأمور التى بدأها.

وأعلنت الشرطة الإثيوبية، أن المغنى، قُتل بالرصاص فى حوالى الساعة التاسعة والنصف مساء الإثنين 29 يونيو، موضحة أنه تم التخطيط للقتل جيدا، الأمر الذى أثار انتفاضة فى العاصمة أديس أبابا صباح اليوم التالى، ووقعت ثلاثة انفجارات هزت المدينة.

وكان المغنى الذى تم قتله قد انتقد القيادة الإثيوبية فى مقابلة مع أحد القنوات الفضائية الأسبوع الماضى، وأشعل مقتله الاحتجاجات فى عدة مدن للأورومو.

من هو المغنى "هاشالو":

كان هاشالو هونديسا البالغ من العمر 34 عاما، صوتاً سياسياً بارزاً لشعب الأورومو، مما خلق له الكثير من الأعداء أثناء مسيرته الفنية، وكان يؤمن بما يقوله مؤرخو الأورومو من أن المدينة المعروفة الآن بأديس أبابا، كانت يوما موطنا لعشائر تولاما العائدة لشعب أورومو، والذين طردوا منها من قبل الإمبراطور منليك الثانى.

وكان قد أثار هاشالو غضب محبى ومؤيدى الإمبراطور فى يونيو بعد أن اتهم منليك الثانى بسرقة خيل الأورومو الذين ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم محاربين وفرسان يتحلون بالشهامة، بعدما استولى على أديس أبابا وجعلها عاصمة لملكهم فى عام 1886.

اشتهرت أغانى هاشالو بالأناشيد التى تتغنى بها حركة الاحتجاج التى انطلقت فى عام 2015 للمطالبة بوقف عمليات ترحيل الأورومو، وتصاعدت الاحتجاجات وتحولت إلى حملة كبرى للمطالبة بحريات سياسية أوسع وانتهت الحملة بتعيين آبى أحمد كأول فرد من شعب الأورومو رئيسا للوزراء فى عام 2018، وهنا وعد آبى بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع الحظر عن الحركات المعارضة وإجراء انتخابات ديمقراطية.

عقب تسلم آبى المنصب بشهرين، دعت الحكومة هاشالو لإحياء حفل يقام على شرف الرئيس الإريتري أسياس أفورقى الذى كان يقوم بزيارة إلى إثيوبيا هى الأولى منذ وضعت الحرب الحدودية بين البلدين أوزارها، خلال الحفل أثبت هاشالو بأنه لم يتخل عن استقلاليته وشجاعته، وغنى عن تحقيق العدالة للناس الذين فقدوا أرواحهم فى القتال الذى جرى فى شرقى إثيوبيا بين الأورومو والصوماليين، الأمر الذى أثار غضب مسئولين حكوميين لاحقا بسبب غنائه أغان "غير مناسبة"، ولكنه زاد من شعبيته.

اجتماع مجلس الأمن:

عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الاثنين 29 يونيو، جلسة بشأن سد النهضة الإثيوبى بناء على طلب من مصر، بعد تعثر المفاوضات خلال الفترة الماضية، وأكدت مصر على أهمية مواصلة الدول الثلاث التفاوض "بحسن نية"، تنفيذا لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولى، من أجل التوصل إلى حل "عادل ومتوازن" لقضية سد النهضة الإثيوبى، وشددت على ضرورة عدم اتخاذ أية "إجراءات أحادية"، قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق، بما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.

كما أكدت السودان فى رسالتها إلى مجلس الأمن على ضرورة "امتناع كل الأطراف عن اتخاذ قرارات أحادية الجانب"، بما فى ذلك البدء فى ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى الاتفاق، وحثت قادة الدول الثلاث على "إظهار إرادتهم السياسية وإظهار الالتزام بحل العدد القليل من القضايا المتبقية، وإبرام اتفاق بشأنه، وعدم إلحاق ضرر كبير بالآخرين".

وقال اللواء حمدى بخيت الخبير الاستراتيجى والعسكرى، إن الصراع الحالى بين قبيلة الأورومو والحكومة الإثيوبية الذى نشب عقب مقتل المغنى المشهور على أيدى السلطات الإثيوبية، كاشفاً حقيقة الادعاءات الإثيوبية بأن مصر هى التى أثارت هذه القلاقل، قائلاً: "إن إثيوبيا على يقين أن سد النهضة به عيوب فنية قاتلة ولا يمكن إصلاحها وبالتالى عملية الملء من المنظور الهيدرومائى مليئة بالمخاطر".

وأضاف الخبير الاستراتيجى والعسكرى، أن هناك أقوالا كثيرة ومقالات من الخبراء وبيوت الخبرة فى ذات المجال اجتمعت آرائها أن بنية السد لا تستطيع أن تتحمل تخزين أكثر من ١١ مليار متر مكعب مياه، لافتا إلى أنه من هنا لا تستطيع حكومة إثيوبيا مواجهة شعبها قياسا لما قدمته من موازنات لإنشاء هذا الوهم المسمى بسد النهضة، وطبقا لقواعد اللعبة السياسية فإن أى حكومة تسعى إلى جمع الرأى العام الداخلى وتوحيده فى صفها فإنها تستخدم أسلوب الإدارة بالأزمة باختلاق موقف يجمع الإثيوبيين ضد مصر ويقوى من موقف الحكومة المزعزع فى أزمة سد النهضة.

وتابع، وذلك من خلال الادعاء أن مصر هى من تؤجج هذا الصراع، بينما هذا الصراع تاريخى ومدروس من استراتيجيات القوى الاستعمارية بوضع السلطة فى أيدى الأقلية، والمقصود بهم "قبيلة التغرى"، التى لا تتجاوز ٤% إلى ٥% من التعداد وتهميش الأغلبية، بل وجعلهم تحت سطوة هذه الأقلية، والأغلبية هم قبيلة الأورومو التى تمثل حوالى ٤٠% من سكان إثيوبيا، مشيرا إلى أن الدولة الإثيوبية تستمر فى قلاقل من وقت لآخر يتم إثارتها من قبل أصحاب المصالح، وهو الأمر الذى تحاول إثيوبيا إلصاقه بمصر فى هذه الأيام الحرجة التى التزمت فيها بعدم قيام آبى بأى تصرف أحادى لملء السد، وفقا للاتفاق الذى تم واتفق عليه الدول الثلاثة برعاية رئيس الاتحاد الأفريقى بالمفوضية الأفريقية.

ولفت اللواء حمدى بخيت، أن إثيوبيا بدأت فى افتعال المشكلات والأزمات وإلصاقها بالدولتين مصر والسودان، موضحاً أنه منذ أسبوعين اعتدت على نقطة مخفر سودانية باستغلال العصابات الإجرامية، وقتلت ٦ كان من بينهم طفل، وحين تحركت سرية سودانية لإنقاذ المنطقة، قامت إثيوبيا بتحريك قوات أكبر لحماية هذه العصابات، ثم توغلت داخل الأراضى السودانية الكتيبة المدرعة تحت ستر قصف مدفعى لإرهاب وردع السودان، ومنعها من الرد بل وتحديد موقفها من أزمة السد أمام المجتمع الدولى، على أنها دولة بينها وبين إثيوبيا صراع.

وأوضح الخبير الاستراتيجى والعسكرى، أن نفس هذا الأسلوب الذى اتبعته مع السودان تحاول اتباعه مع مصر ولكن بسيناريو مختلف، هو ادعاء واتهام مصر بإثارة القلاقل الداخلية فى إثيوبيا لوضعها فى موقف حرج أمام المجتمع الدولى، عند اقتراب الاستحقاق للوصول إلى اتفاق بشأن السد وموعده الأسبوع القادم، وممكن أن يؤجل إلى أسبوع ثالث طبقا للاتفاق، متوقعاً استمرار المماطلة من قبل إثيوبيا بأساليب متعددة وملتوية للتهرب من أى التزام يفرضه الوسطاء أو المنظمات الإقليمية والدولية، مثل اتفاق المبادئ ٢٠١٥، واتفاق واشنطن، واتفاق الاتحاد الأفريقى يونيه ٢٠٢٠.

وتابع اللواء بخيت، هذه السيناريوهات قد لا تكون صناعة إثيوبية خالصة ولكنها تجرى بإحياء وتدبير من القوى المعادية لمصر والتى دارت حصارها من الجنوب، بالتعرض والاعتداء على أهم مصلحة بقاء من مصالح الأمن القومى المصرى وهو العبث بحصة مصر فى مياه النيل.

وقال اللواء تامر الشهاوى، ضابط المخابرات الحربية السابق، وعضو لجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان، إن مصر تمر بحالة خاصة خلال هذه الفترة مرتبطة بعدد من التهديدات فى عدد من الاتجاهات الاستراتيجية، لافتا إلى أن أول اتجاه وهو الشمال الشرقى فى سيناء وغزة وإسرائيل وهى بوابة التهديد الأول لمصر بدءاً من العصر الفرعونى، حتى عودة سيناء عام 1973، ثم الأحداث التى شاهدتها مصر على مدار الـ10 سنوات الأخيرة سواء من عناصر متطرفة أو عناصر متواجدة داخل قطاع غزة.

وأضاف، ضابط المخابرات الحربية السابق، أن الاتجاه الثانى هو الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الغربى ومقصود به اتجاه دولة ليبيا ولا يخفى على الجميع ما يحدث الآن داخل الدولة الليبية من تهديد، يمثله وجود عناصر نشطة ومتطرفة على الحدود مع مصر، مشيرا إلى أن التدخل التركى فى الشأن الليبى ينذر بتصعيد كبير على الساحة خلال الفترة القادمة، وتابع، الاتجاه الاستراتيجى الثالث وهو الجنوبى حيث أمن مصر القومى مع دولة السودان حتى منابع نهر النيل فى إثيوبيا، حيث إن مصر تحصل على 85% تقريبا من احتياجاتها من تدفقات النيل الأزرق القادم من الهضبة الإثيوبية.

وأشار اللواء تامر الشهاوى، إلى أن هناك العديد من التطورات التى حدثت فى الـ10 سنوات الأخيرة مع الدولة الإثيوبية بالتحديد كدولة منبع، هذا التطور لم تراع فيه إثيوبيا الاتفاقات مع دول المنبع ما بين دول حوض النيل بالكامل والتى تمثلها مصر والسودان كدولتى مصب، وأصرت على فكرة بناء السد، موضحاً أن مصر لم تعترض نهائياً على إنشاء السد بشكل عام ولكن الخلاف الوحيد الذى بين مصر وإثيوبيا هو وقت وأسلوب الملء وهل هو مناسب لإمكانات السد الفنية أم لا، والذى حاولنا بكل الطرق الدبلوماسية أن نعرضه فى جميع المحافل الدولية، ولكن الجانب الإثيوبى تعامل بشكل لا يليق على مستوى العلاقات الثنائية أو الأفريقية وظهر هذا فى تصريحاتهم اليومية.

وبين أن إثيوبيا تريد أن تحول الموضوع المتعلق بالسد إلى مشكلة ولكن فى الحقيقة مصر لا تتعامل بهذا الشكل نهائياً مع موضوعاتها، بل مصر تتعامل وفقاً لقوانين واحترام المؤسسات الدولية، ولجأت مؤخراً إلى مجلس الأمن لعرض المشكلة عليه، متوقعاً، أنه سيكون هناك إجراءات خلال الفترة القادمة بخصوص هذا الأمر.

وأكد اللواء تامر الشهاوى، على أهمية اصطفاف الشعب المصرى شعباً وحكومة وبرلماناً خلف قيادته السياسية وقواته المسلحة وخلف أجهزته ومؤسساته، اصطفافا كاملاً خلف أى قرار تتخذه القيادات السياسية لتصويب هذه الأوضاع، متمنياً من الله عز وجل أن يعود الرشد لأصحاب القرار السياسى فى إثيوبيا، لأن المياه أمن قومى وليس موضوعا قابلا للنقاش.