رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

خارجي

الجماعة المتطرفة .. دراسة تكشف وضع الإخوان بعد حالة المطاردة الأخيرة في أنقرة 

شهدت العلاقات المصرية التركية سنوات من الشد والجذب، منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في صيف العام 2013، ولعب الدعم التركي لجماعة الإخوان دورًا بارزًا في توتر العلاقات الثنائية بين أنقرة والقاهرة، وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وتنامي الخلاف بينهما بسبب جملة من العوامل السياسية والأيدولوجية على رأسها الموقف من جماعة الإخوان المسلمين.

 

 

وذكرت دراسة لمركز الإنذار المبكر للدراسات الاستراتيجية أن الشقاق المصري- التركي، استمر لقرابة الثماني سنوات، إلا أن العديد من المتغيرات على الساحتين الدولية والإقليمية، لم تترك خياراً أمام أنقرة إلا طلب ود القاهرة، لاسيما في ظل استمرار الصراع الجيوسياسي في الشمال الأفريقي وشرق المتوسط.

 

 

وتابعت الدراسة مع الحديث المتزايد عن السعي لحل الخلافات الموجودة بين الدولتين، تبرز أزمة الدعم التركي لجماعة الإخوان كأحد القضايا الخلافية بينهما، رغم أن التصريحات الرسمية التي صدرت عن المسؤولين في البلدين، لم تشر، حتى نشر هذه السطور، إلى وضع جماعة الإخوان في أي ترتيبات مستقبلية.

وأوضحت الدراسة من المتوقع أن يؤثر التقارب المصري- التركي على جماعة الإخوان الإرهابية، خصوصًا مع وجود الآلاف من قياداتها وأعضائها في تركيا، من بينهم 6 من أصل 8 من أعضاء لجنة إدارة الإخوان التي تشكلت بعد القبض على محمود عزت القائم بعمل المرشد السابق، في أواخر أغسطس 2020.

 

وأكدت الدراسة أنه يُشكل الوضع الحالي لجماعة الإخوان في الداخل التركي أحد المحددات التي ستساهم في صياغة مستقبل الحركة وطبيعة وجودها في أي ترتيبات تتم بين الجانبين المصري والتركي، خلال الفترة المقبلة، ويمكن القول إن نظام الرئيس رجب أردوغان لجأ لـ”تتريك الإخوان” كوسيلة لإيجاد صيغة رسمية لإضفاء الشرعية على وجودهم داخل بلاده، فتشكلت لجنة تنسيقية بأوامر مباشرة من قادة الإخوان للإشراف على تسهيل عمليات الإقامة والتنسيق مع الأجهزة الأمنية التركية وتزكية العناصر التي ستحصل على الإقامة والتأكيد على عدم اتصالهم بأي تنظيمات جهادية أو مسلحة تشكل خطرًا على الأمن في البلاد، وضمت اللجنة أعضاءً من الحركة ومتحالفين معها من أعضاء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الهاربين، وكان من أبرز أعضائها إسلام الغمري ومجدي سالم ومحمد الغزلاني.

 

وتابعت الدراسة أنه كنتيجة لهذا التنسيق المشترك، حصل نحو 2000 من أعضاء الإخوان والمتحالفين معها على ما يسمى بـ”الإقامات الإنسانية” التي تتيح لهم حرية الحركة داخل البلاد، والتمتع بالتأمين الصحي المجاني، كما حصل المئات منهم على إقامات أخرى عبر المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في حين مُنح قادة الإخوان البارزين الجنسية التركية مستفيدين من علاقتهم مع مسؤولي الحكومة هناك، ومن أبرز الحاصلين على الجنسية محمود حسين، وعمرو دراج ويحيى حامد الوزيرين السابقين بحكومة مرسي، وحسين القزاز مستشار الرئيس الأسبق، وأشرف عبد الغفار القيادي البارز بالجماعة، وأيمن نور المقرب منها.. إلخ، وأسس عدد من قادة الإخوان وأعضائها البارزين قنوات إعلامية وشركات ومشروعات استثمارية كما ألحقوا أبنائهم بالجامعات التركية، واستقروا بصورة شبه نهائية في داخل الدولة.

 

ولفتت الدراسة تكشف عمليات منح الجنسية والإقامات المختلفة، السعي التركي نحو تقنين وضع أعضاء الحركة المقيمين على أراضيها، وبالتالي تأمين وجودهم بصورة قانونية مشروعة، وإخراجهم خارج دائرة أي تفاهمات مستقبلية تتم مع خصوم أنقرة المفترضين، كما تعطي لمحة عن المبررات المحتملة التي قد تتذرع بها الحكومة التركية لقطع الطريق على الحكومة المصرية ورفض الطلبات أو الاشتراطات التي تبديها بخصوص جماعة الإخوان وقيادتها، وأوضحت لدراسة أنه لا يُستبعد أن تستمر أنقرة في اتباع مقاربة مراوغة مع القاهرة، في ما يخص التعاطي مع ملف جماعة الإخوان، وتدفع في اتجاه أنسنة الملف بحيث يصبح وجود نشطاء وقنوات الجماعة في الداخل التركي، مبررًا باعتبارهم لاجئين أو حاصلين على إقامات إنسانية.

 

واختتمت الدراسة تحولت جماعة الإخوان المسلمين من لاعب فاعل من دون الدول إلى أداة صراعية تُوظف ضمن أدوات السياسية الخارجية التركية لتحقيق أهداف مشروعها التوسعي الذي يُعرف إعلاميًا بـ”العثمانية الجديدة”، وتبقى تلك السياسية براجماتية ومراوغة لحد كبير، وفي ضوء ذلك، يمكن فهم السعي التركي الأخير نحو التقارب مع مصر، والذي يظهر وكأنه تراجع تكتيكي مؤقت في مواقف أنقرة السياسية، في محاولة لاستغلال أي فرص سانحة لحيازة أكبر قدر من المكاسب الإقليمية وتقليص المكاسب التي يحوزها خصومها المفترضين، ومن هذا المنطلق، يُتوقع أن تُبقي تركيا على جماعة الإخوان كورقة تستخدمها للضغط على خصومها في لعبة الصراع الدائر حاليًا، وستحدد تلك اللعبة مستقبل ودور الجماعة في أي ترتيبات قادمة.
 

وأكدت الدراسة أنه من الواضح أن نظام “أردوغان” لا يرغب في التخلص من الإخوان في الفترة الحالية، وهو ما تؤكده التصريحات الإعلامية الصادرة عن بعض رموز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والتقارير التي نشرتها عدد من الصحف والمراكز البحثية التركية والتي أشار بعضها إلى سماح مصر لبعض أعضاء حركة الخدمة المحسوبة على الداعية التركي المعارض فتح الله كولن بالوجود على أرضها، علاوةً على الارتياح الموجود لدى قطاعات من الإخوان في البلاد، والتي عبروا عنها في بعض التدوينات والأحاديث الخاصة لهم، وفي حال قررت أنقرة التضحية بحليفها غير المحوري حاليا (جماعة الإخوان)، فسيتم توفير ملاذات آمنة بديلة لهم في بعض الدول التي يوجد بها موطئ قدم للحركة، مع السماح للحاصلين على الجنسية التركية بالبقاء داخل البلاد دون أن يكون لهم نشاط مكشوف ضد مصر، مع إيجاد صيغة مناسبة للمنصات الإعلامية الإخوانية كإغلاق بعضها أو تعديل الخط التحريري لها في محاولة استرضاء الجانب المصري، وهو الأمر الذي لا يبدو مؤكدًا في المدى القريب، لاسيما مع الخبرة السابقة المستمدة من التصالح الخليجي المصري- القطري، الذي لم يؤدِ إلى الآن إلى تغيير جوهري في السياسات الإعلامية لشبكة الجزيرة وغيرها من المنصات التلفزيونية والصحفية الممولة قطريًا.