رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

تُستخدم للبلطجة والتباهى.. والنتيجة عاهات مستديمة وحوادث قتل

«الزمان» ترصد خريطة بيع الحيوانات المفترسة فى مصر

أبو رواش بالجيزة وكفر الجلابطة بالشرقية مصدران للحصول على وحش مفترس بشكل غير شرعى

سعر النمر يصل إلى 70 ألفًا والأسد بـ100 ألف والضبع بـ10 آلاف

 

بين الحين والآخر نسمع عن حادثة قتل أو ترويع، بطلها حيوان مفترس، اقتناه صاحبه إما للتباهى بغناه الفاحش وثروته التى لا تستوعبها خزائن البنوك، أو لاستعماله فى أعمال البلطجة وترويع وتهديد الآمنين، وفى الحالتين فالضحية إنسان مسالم أو فتاة صغيرة قادها حظها العثر للمرور بجوار المكان الموجود به ذلك الحيوان المفترس، وهو ما حدث مع أهالى قرية العياط التى شهدت مؤخرًا حادثًا مروعًا، نجم عنه مصرع الطفلة البالغة من العمر 9 سنوات، وتدعى أمانى محمد فضيل، إثر هجوم نمر جبلى عليها من أعلى شجرة، أسفر عن مصرعها فى الحال متأثرة بجرح قطعى فى الرقبة وآخر فى منطقة البطن.

على بعد بضعة كيلو مترات غرب نهر النيل، بدأنا رحلة البحث عن سوق الحيوانات المفترسة، حيث تقع قرية "أبورواش" التى يشتهر سكانها بصيد ذلك النوع من الحيوانات كالثعابين والزواحف وبيعها لمراكز الأبحاث فى بعض الأحيان أو استخدامها فى عروض أشبه بعروض السيرك فى أحيان أخرى، فى المقابل اتجه البعض الآخر إلى تربية الحيوانات "الأشد شراسة وافتراسًا" وهى الأسود والنمور والضباع ومن ثم بيعها لراغبى اقتناء هذا النوع من الحيوانات.

جولة سريعة داخل القرية، تجعلك ملمًا بأن الحصول على حيوان مفترس هو أبسط ما يكون لكن بشرط أن تكون "المحفظة مليانة فلوس"، هكذا عبر أحد أبناء القرية عن استعداده لتوفير المطلوب مقابل المال.

"ح.ج" 28 عامًا، ورث مهنة تربية الحيوانات المفترسة عن والده، تحدث لـ"الزمان"، قائلًا: نربى الأسود ولا نبيع إلا الأشبال منها وهو الأسد الصغير الذى لم يبلغ عامه الأول، ويتراوح سعره من 70 إلى 100 ألف على حسب نوعه سواء كان أفريقيًا أو جبليًا أو آسيويًا، ولا نتولى عمليات تدريب الأسود، إذ يوجد متخصصون فى هذه المسألة بالسيرك القومى يدربون الأسد لصاحبه بمقابل مادى.

وتابع "ح.ج": تربية الأسود فى أبو رواش مثل تربية الطيور، فلا يوجد منزل لا يمتلك "حظيرة" توجد بها سلالة أو سلالتان من الأسود والنمور يتكسب من ورائها لقمة العيش، وفى الغالب يتم بيع الذكور فقط والإبقاء على الإناث لأنها مصدر رزق وتتكاثر فتجلب على صاحبها مزيدًا من المال، وإذا ما كان المشترى سيقوم بتربيتها داخل مزرعة مرخصة من قبل وزارة الزراعة، ففى الغالب يقوم بتزوير بعض الإفادات بأنه اشترى هذا الحيوان المفترس عبر واحدة من المزارع المرخصة الموجودة على طريق الإسكندرية الصحراوى والمصرح لها بتربية وبيع تلك الحيوانات، وسبب لجوئه إلينا وعدم لجوئه للشراء من تلك المزارع هو ارتفاع سعر الحيوان بالمزرعة المرخصة بنسبة 300%.

فى هذا الإطار، يوضح أحمد الشربينى، رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات الرفق بالحيوان، أن الاتحاد تقدم بعشرات البلاغات ضد أماكن بيع الحيوانات المفترسة دون جدوى، فى ظل غياب تام لأجهزة الرقابة المعنية بمتابعة هذا النشاط من قبل وزارة الزراعة وجهاز شئون البيئة وإدارة الحياة البرية، وهو ما أسهم بنهاية المطاف فى انتشار المزارع التى تقوم بالإتجار فى الحيوانات المفترسة بشكل غير شرعى، وما زاد الكارثة أن السيرك القومى دخل مؤخرًا فى هذا النشاط، علاوة على عدد آخر من المزارع المملوكة لرجال أعمال على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، والرقابة على تلك المزارع المملوكة لرجال أعمال تتمثل فى لجنة سنوية تقوم بزيارة المزرعة لتسجل عدد الحيوانات وعدد الولادات الجديدة.

فيما أشار محمود غلاب، الناشط فى مجال الرفق بالحيوان، إلى أن الفترة الأخيرة شهدت رواجًا فى سوق الحيوانات المفترسة بشكل مخيف، تخطى حاجز الـ60% من مبيعات السوق الرسمية، وفى ظل غياب الرقابة وعدم وجود معايير صارمة لإنشاء المزارع المخصصة لهذا الغرض، فالنتيجة ستكون مزيدًا من حوادث القتل والترويع.

ولم تكن قرية "أبو رواش" وحدها المسئولة عن رواج تجارة الحيوانات المفترسة، بعد أن دخلت معها على الخط، قرية "كفر الجلابطة" الواقعة على أطراف محافظة الشرقية، والمتمتعة بظهير صحراوى، مما جعلها قادرة على تربية حيوانات أشد شراسة من الأسود وغير قابلة للترويض فى بعض الحالات، وهى "الضباع"، وهو ما رصدته "الزمان" من خلال التواصل مع أحد أبناء القرية، الذى أكد لنا وجود هذه المزارع فى الظهير الصحراوى للقرية.

"ع.ك" 34 عامًا، مزارع، تعرض لهجوم من أحد الضباع الهاربة من إحدى المزارع الموجودة بالقرية، وقد أكد لـ"الزمان" قائلًا: تعرضت قبل عامين لهجوم ضبع صغير، وقمت بتحرير محضر فى قسم الشرطة ولم يتحرك ساكن من وقتها، وأخشى على أبنائى من تلك المزارع، فدائمًا ما يكون باب المنزل مغلقًا خشية أن نتعرض لهجوم من هذه الحيوانات المفترسة.

على جانب آخر، أكد مدحت كوته، مدرب الأسود بالسيرك القومى، أن امتلاك الحيوانات المفترسة فى مصر أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها، وتجارتها باتت مزدهرة فى مناطق أكتوبر، إذ يقتنيها العرب الموجودون داخل مصر، وفى نزلة السمان، لكن تظل عملية الترويض هى الأصعب بالنسبة لغير المؤهلين لتلك العملية، وكذلك طريقة التعامل مع تلك النوعية، فبالنسبة للأسد تُعطى له وجبة واحدة فقط وهى الغداء، ويتناول كمية كبيرة من اللحوم سواء لحوم الماعز أو الحمير، وعندما تقل وجبته أو تتأخر يهيج الأسد، ومن الممكن أن يكتئب، وهنا يمكن أن يتغير مسار الأمور ويسبب أزمات كما حدث مع نمر العياط.

فيما أكد الطبيب البيطرى، عبدالعال حسين، أن تربية الحيوانات المفترسة فى المنازل، خطر يهدد أصحابها والمقيمين فى المنازل القريبة، خاصةً عندما يوجد أطفال، لافتًا إلى أن هذه الحيوانات تأتى من بيئة مختلفة، ويمكن أن تسبب أضرارًا صحية للمحيطين، لاسيما أنها لا تتلقى رعاية طبية بيطرية سليمة، بالإضافة إلى خطر وجودها فى الأماكن السكنية، وما تسببه من فزع للأشخاص العاديين، كما قد تصيب الأطفال باضطراب نفسى وخوف هيستيرى، مشيرًا إلى ضرورة وضع الحيوانات المفترسة فى أماكن مخصصة، مثل المحميات الطبيعة وحدائق الحيوان وتحت إشراف مختصين.

بينما صرح حسين متولى أحد موظفن الجمارك، بأن الإجراءات الجمركية المتبعة عند إدخال حيوانات مفترسة وغير أليفة إلى الدولة تتمثل فى حصول المستوردين على التصاريح اللازمة لاستيراد الحيوانات عن طريق وزارة البيئة والسيرك القومى، كونها الجهة المختصة، على اعتبار أن هذه الحيوانات من أصناف البضائع المقيدة.

وأوضح متولى أن جمارك بورسعيد تقوم بتطبيق اللوائح والقوانين، التى تنظم عملية الإتجار فى النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض، وعند إتمام إجراءات التخليص الجمركى، يتم حجز تلك الحيوانات فى الحجز البيطرى، بالإضافة  إلى دور دائرة الجمارك الذى يقتصر على مراقبة إدخال الحيوانات الأليفة التى ترد بصحبة المسافر، عقب موافقة الجهه المختصة، والحيوانات الأليفة المصنفة مثل القطط والكلاب والعصافير، أما بالنسبة للحيوانات المفترسة فلا يتم دخولها عبر الجمارك، ومنها "الثعابين" وكل ما هو خطير على حياة الإنسان.

من الناحية القانونية، صرح المستشار أسامه الرخ، المحامى بالنقض بأن المادة ‏176‏ من القانون المدنى نظمت مسئولية حارس الحيوان عنه عند إحداث أى ضرر بالغير،‏ إذ يحاسب حارس الحيوان على إهماله بالقدر الذى أخطأ به‏، أما إذا تعمد صاحب الحيوان أن يصيب الآخرين، فإنه يعاقب على جريمته جنائيًا ويعامل الحيوان على أنه أداة للجريمة ويعاقب الشخص على كل جريمة بحسب وصفها القانونى.