السوق العقاري في السعودية: نمو متسارع وتحولات استراتيجية

يشهد السوق العقاري في السعودية تحولًا كبيرًا مدفوعًا برؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. يأتي هذا التحول مصحوبًا بإصلاحات تشريعية، ومشروعات تنموية ضخمة، ونمو ملحوظ في الطلب على السكن والعقارات التجارية، مما يضع العقارات في السعودية في طليعة القطاعات الجاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي.
توجهات النمو والطلب
تشير تقارير رسمية إلى أن السوق العقاري في المملكة حقق أداءً قويًا خلال عام 2024 واستمر في تسجيل نمو إيجابي خلال النصف الأول من 2025، مع تجاوز قيمة الصفقات العقارية حاجز 160 مليار ريال سعودي. ويتركز الطلب في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، مدفوعًا بارتفاع نسبة السكان، وزيادة عدد المقبلين على التملك نتيجة برامج الدعم الحكومية مثل "سكني" و"الضمان السكني".
مشاريع كبرى تعيد رسم المشهد العمراني
المشاريع العملاقة مثل نيوم وذا لاين والقدية والبحر الأحمر ساهمت بشكل مباشر في تحفيز القطاع العقاري. هذه المشروعات ليست فقط سكنية، بل تشمل تطوير البنية التحتية والمرافق السياحية والتجارية. على سبيل المثال، مشروع "وسط جدة" يهدف إلى توفير أكثر من 17 ألف وحدة سكنية، ما يعزز الطلب على العقارات في المنطقة الغربية.
توازن بين العرض والطلب
على الرغم من هذا النمو، تسعى الحكومة إلى الحد من المضاربة العقارية من خلال فرض ضريبة الأراضي البيضاء، التي تهدف إلى تحفيز تطوير الأراضي غير المستغلة وزيادة المعروض السكني. ويُلاحظ أن السوق بدأ يتحول تدريجيًا نحو التوازن، خصوصًا في المدن التي شهدت في السابق ارتفاعًا مفرطًا في الأسعار.
التقنيات الرقمية في خدمة العقار
من أبرز التحولات في العقارات في السعودية هو دخول التكنولوجيا في عملية الشراء والبيع، حيث أصبح العديد من المطورين العقاريين يستخدمون تقنيات الواقع الافتراضي لعرض الوحدات السكنية، إلى جانب المنصات الإلكترونية التي تتيح للمستخدمين حجز الوحدات وتتبع مراحل البناء والدفع. كما بدأت بعض الشركات في تطبيق تقنيات "البلوك تشين" لتعزيز الشفافية في المعاملات العقارية.
تملك الأجانب للعقارات
خطوة نوعية أخرى اتخذتها المملكة هي السماح بتملك الأجانب للعقارات في بعض المناطق والمدن، وخاصة داخل المشاريع الكبرى، ما جعل السوق أكثر انفتاحًا وجاذبية لرؤوس الأموال العالمية. وتشترط القوانين الجديدة الالتزام بالأنظمة السعودية وتقديم مساهمة في التنمية الاقتصادية مقابل منح حقوق التملك.
القطاع السكني في صدارة الاهتمام
يبقى القطاع السكني هو المحور الأساسي في السوق، حيث تدعمه خطط وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لتوفير أكثر من 300 ألف وحدة سكنية جديدة بحلول عام 2030. ويُتوقع أن تسهم هذه المبادرات في زيادة نسبة التملك بين المواطنين السعوديين إلى أكثر من 70% خلال السنوات المقبلة.
التحديات المتبقية
رغم الإنجازات، لا يزال القطاع يواجه تحديات، من أبرزها ارتفاع أسعار مواد البناء، وتفاوت أسعار الأراضي بين المناطق، والتأخر في تسليم بعض المشاريع السكنية. كما أن ارتفاع الفوائد البنكية قد يشكل عبئًا إضافيًا على الراغبين في التملك.
مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي
يساهم القطاع العقاري في السعودية بشكل مباشر في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، حيث يُعد من أكثر القطاعات غير النفطية تأثيرًا في الاقتصاد الوطني. وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ارتفعت مساهمة العقار في الناتج المحلي لتتجاوز 7% خلال العام 2024، مدعومة بالتوسع العمراني، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وبرامج التمويل العقاري المدعومة. مزيد من التفاصيل عبر صحيفة الاقتصادية.
الخلاصة
يُمثل السوق العقاري في السعودية فرصة استثمارية واعدة في ظل بيئة اقتصادية متطورة وتنظيمات مشجعة، إلى جانب مشاريع طموحة تدفع السوق نحو آفاق أوسع. ومع استمرار الحكومة في دعم التملك السكني، وتحفيز القطاع الخاص، وتطبيق معايير الشفافية والتقنية، فإن مستقبل العقارات في السعودية يبدو مشرقًا ومليئًا بالإمكانات.