بالتنسيق الصحة.. بلطجيه يديرون مصحات الإدمان ويقيمون حفلات تعذيب

اليوم بـ40 جنيهًا.. وشحن المريض من المنزل بـ700
"تعذيب وإهانة وحرمان من رؤية الأهل لخمسة شهور" بهذه الكلمات يروى "عادل" تجربته مع واحدة من مصحات علاج الإدمان غير المرخصة والتى حضر إليها قبل عام بالقوة بمعرفة شقيقة الأكبر، بعد أن باءت جميع محاولات علاجه داخل مستشفيات الحكومة بالفشل.
عادل الشوربجى، 36 عاما، مهندس برمجيات، يروى لـ"الزمان" معاناته قائلًا: مستشفيات الحكومة الـ19 على مستوى الجمهورية لا تجبر أحدًا على العلاج ولا تمنعك من الهروب إذا ما حاولت أو على الأقل لا توفر أقصى سبل التأمين الممكنة لمنع المريض من الهروب خاصة أنها مجانية، وعليه فإن الهروب من المستشفى خلال فترة انسحاب المخدر من الجسم تكون أول هدف للمدمن، وهى نفس السياسة بالنسبة للمستشفيات الخاصة المرخصة والتى لا تستخدم العنف أو القوة مع المريض خوفًا من المحاسبة والمساءلة القانونية من قبل أهل المريض.
وتابع الشوربجى: عشت لمدة 5 شهور داخل "شقة دوبلكس" بالمعادى برفقة 50 مدمنًا ولم أر طبيبًا واحدًا خلال فترة العلاج، إذ تولى مسئولية العلاج مجموعة من البودى جارد أو البلطجية إن صح التعبير، والكارثة كانت فى وجود مرضى مصابين بالإيدز ولا يتم عزلهم، خاصة أن المصحات المرخصة تقوم أولًا بسحب عينة من دم المريض وتحللها لمعرفة إن كان مصابًا بأية فيروسات معدية أم لا، وإن كان مصابًا يتم عزله خلال أول أسبوعين وهى فترة ظهور أعراض الانسحاب، وكان هؤلاء البلطجية يجبروننا على تناول عقار "الديتوكس" المخصص لعلاج المدمنين، ومن يقاوم يتم حقنة بـ"كلوبوكسوى" والتى تسبب شللًا للمدمن وذلك حتى يسهل السيطرة عليه، وأحيانًا يتم التعدى عليه بالضرب والربط فى السرير.
واستطرد: أسعار المصحات "الشمال" متفاوتة من مكان لآخر ولكنها لا تقل عن 40 جنيهًا ولا تزيد عن 300 فى اليوم، علاوة على سعر الشحن وهى الخدمة التى تقدمها المصحة لأهل المدمن من خلال نقله من مكان إقامته إلى المصحة، وهى أصعب ما يكون، إذ يتم تكبيل يد ورجل المدمن بطريقة معينة يكون مشلولًا عن الحركة نهائيًا وهناك أشخاص مخصصون لهذه العملية ينبغى أن يكونوا من أصحاب القوة العضلية والجسمانية الضخمة.
الشحن وبيزنس توريد المرضى
العائلات الفقيرة والمستشفيات الحكومية مصدران أساسيان لتوريد المرضى إلى مصحات علاج الإدمان غير المرخصة، بهذه العبارة أكد مصدر طبى لـ«الزمان»، أن وزارة الصحة من خلال غياب الرقابة شريك أساسى فى الكوارث التى تحدث داخل مصحات علاج الإدمان غير المرخصة.
وتابع المصدر الطبى: علاج الإدمان مكلف للغاية وفى المصحات المرخصة لا تقل الليلة عن 900 جنيه، وداخل تلك المصحات يوجد أمهر الأطقم الطبية من أطباء وتمريض يتقاضون شهريًا رواتب خيالية، فى المقابل هناك المصحات الغير مرخصة وتعتمد على أطباء بوزارة الصحة وممرضين يقومون بتوريد المدمنين من المستشفيات الحكومية إلى تلك المصحات الغير مرخصة مقابل الحصول على نسبة من المبلغ الذى يدفعه أهل المريض، وكذلك العائلات الفقيرة والتى تلجأ لنفس المصحات لعدم امتلاكهم القدرات المادية التى تساعد أبنائهم وإلحاقهم بالمصحات المرخصة.
واستطرد المصدر: تم تسجيل عدد كبير من الانتهاكات والتعذيب والقتل داخل تلك المصحات ورغم ذلك لا تتحرك وزارة الصحة لغلق هذا الملف.
وعن عملية شحن المرضى، أكد المصدر، أن الشحن هى الخدمة التى تقدمها المصحة لعائلة المدمن عن طريق نقله من المنزل إلى المكان المخصص لعلاجه، وخلال تلك الرحلة يتلقى جرعات من الضرب والتعذيب لا تغادر أثرها جسدة إلا بعد شهور.
من جانبها أكدت الدكتورة ندى عادل رئيس الإدارة المركزية لعلاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية، وفقًا للقانون فإن شحن المرضى بهذه الطريقة مخالف لحقوق الإنسان وحق المريض فى العلاج، خاصة أن العلاج يكون بالاختيار وليس الإجبار كما هو شائع فى المصحات الغير مرخصة، وهناك اشتراطات وضعتها وزارة الصحة لمنح رخص المصحات أهمها أن يكون هناك طاقم طبى للإشراف على الحالات وطبيب متخصص.
وتابعت "عادل": هناك عدد من المستشفيات الحكومية وصل إلى 19 مستشفى لعلاج الإدمان على مستوى الجمهورية بمعدل 600 سرير، وفى المصحات الخاصة المرخصة هناك 1000 سرير على أقل تقدير، وعليه فإن الخيارات متعددة أمام أهل المريض ولا أعلم لماذا يتم اللجوء إلى تلك الأماكن؟
واستطردت: فى حال تم رصد أىٍّ من تلك الأماكن يتم غلقها على الفور وإحالة المسئولين عنها إلى جهات التحقيق.
حفلات التعذيب
فى هذا الإطار، أكد الدكتور أمجد السباعى، صاحب واحدة من المصحات المرخصة لعلاج الإدمان، أن مصحات بير السلم تستخدم العنف مع المرضى وفى حالات كثيرة يتم تعذيبهم لتطويعهم وإجبارهم على الانصياع لأوامر صاحب المصحة، وهى تصرفات مخالفة للأعراف الطبية وحقوق الإنسان، وهناك حالات تم رصدها وتقدمنا ببلاغات للنائب العام ضد بعض تلك المصحات التى لجأت لمناطق 6 أكتوبر والمعادى وحدائق الأهرام، لتكون بعيدة عن عيون الأمن، ويديرها مدمنون متعافون.
وتابع السباعى: هناك عدم دراية طبية بالعقاقير التى يتم منحها للمدمن وبالتالى قد يمنح المريض عقار "كلوزابيكس" بعد تعاطيه جرعة من الهيروين فيموت على الفور بعد أن يدخل فى موجة تشنجات.
"الزمان" بدورها تواصلت، مع إحدى الحالات المتعافية والتى تعرضت لهذا النوع من التعذيب – رفض ذكر اسمه- قائلًا: فى مدينة 6 أكتوبر بالمنطقة الرابعة بدأت رحلة العلاج من الإدمان على يد ممرض سابق بوزارة الصحة يدعى "جابر" والذى استعان بمجموعة من البلطجية وافتتح تلك المصحة التى تعرف بين المدمنين بـ"السلخانة"، فمن لا يستجيب للعلاج يتم ربطة من قدميه ورفعة بسقف الغرفة لثلاث ساعات وربما تصل أحيانًا إلى 6 ساعات حتى لا يشعر بقدمية ويكون عاجزًا عن الحركة، وهناك حالات حاولت الانتحار للتخلص من حفلات التعذيب التى تقام بعد منتصف الليل.
فى سياق متصل أكد الدكتور جلال إبراهيم، صاحب إحدى المصحات الخاصة، أن الإجراءات الروتينية التى تنتهجها الحكومة أحد العوامل التى تساهم فى انتشار تلك المصحات الغير مرخصة، والتى تستعين بأدوية غير مصرح بها من قبل وزارة الصحة والتى يتم الإعلان عنها عبر القنوات الفضائية فى ظل غياب الرقابة.
العقاقير المستخدمة بالمصحات
على الجانب الآخر، استكملت "الزمان" رحلة البحث، بعد ورود معلومات حول العقاقير الغير مطابقة للمواصفات والتى يتم تناولها بالمصحات الغير مرخصة.
كانت البداية مع إعلان شركة فارس اليونانية، والتى أعلنت عن قدرة منتجاتها على علاج إدمان «الترامادول» ومشتقاته والهيروين ومشتقاته و«الأمتريل» خلال 20 يومًا، باستخدام أقراص عقار "ليفوكسيدين" وسعره 1780 جنيهًا شامل مصاريف الشحن، أما الأقراص المعالجة لإدمان الهيروين فسعرها 2800 جنيه.
كانت الصدمة الأولى أن الشركة ليس لها مقر، فالعنوان المخصص لها ويقع فى الدور العاشر ببرج الأطباء، عبارة عن شقة سكنية لعدد من الأطباء، ويتم إرسال الأقراص إلى عنوان الراغبين فى الحصول عليها، واستلام المبلغ بعدة طرق تحددها الشركة، باعتبارها شركة شحن ليس أكثر.
القنوات نفسها التى تعرض إعلانات الأقراص اليونانية، تظهر بها إعلانات أخرى عن شركة أمريكية تدعى "كريت" تعالج الإدمان بجميع أنواعه بأقراص "دى إس أر" وتشفى من نفس الأعراض السابقة، والسعر 2900 جنيه بجانب مصاريف الشحن.
"الزمان" تواصلت مع الأرقام المصاحبة للإعلان، وتبين عدم وجود مقر للشركة، وتتعامل معها المصحات الغير مرخصة، وذلك من خلال البرنامج الذى تم وضعه بمعرفة الشركة على سبيل "كورس" علاجى مدته تتراوح بين أسبوعين إلى شهر.
ضحايا الإدمان والنصب
«علاء. ف» أدمن الهيروين، ولم يستمر بمصحات الحكومة لفترة كافية حتى يتعافى بشكل نهائى، وقاده حظه العاثر لمصحات بير السلم، وهناك تلقى الأدوية التى شاهدها عبر شاشات الفضائيات من الأقراص السويسرية والأمريكية.
وأضاف: قبل الذهاب للمصحة حاولت أن أعالج نفسى بنفسى وطلبت تلك الأقراص والتى وصلت عن طريق شركة شحن ليس لها علاقة بالشركة السويسرية، وبعد تناولها تبين لى أنها لا تحقق أى نتيجة، فاتصلت بها وأخبرتها بذلك، فقالوا إن طبيب الشركة سيتصل بى ليتابع معى مراحل العلاج.