رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

لبن مصر المبستر

ماهر المهدي
ماهر المهدي

كان‭ ‬هذا‭ ‬العناون‭ ‬‮«‬لبن‭ ‬مصر‭ ‬المبستر‮»‬‭ ‬عنوان‭ ‬إعلان‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬والأغذية‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬الطيبة‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬مصر‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬الإعلان‭ ‬الجميل‭ ‬منشورًا‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬الجرائد‭ ‬المصرية‭ ‬اليومية،‭ ‬وكانت‭ ‬بيانات‭ ‬الإعلان‭ ‬تتضمن‭ ‬كافة‭ ‬المعلومات‭ ‬الهامة‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬للقارئ‭ ‬أو‭ ‬المشترى‭ ‬أن‭ ‬يحتاجها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬طبعًا‭.‬

فتضمن‭ ‬الإعلان‭ ‬صورة‭ ‬لزجاجة‭ ‬اللبن‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬شعار‭ ‬مصر‭ ‬للألبان،‭ ‬وذكرًا‭ ‬لسعر‭ ‬النصف‭ ‬لتر‭ ‬لبن‭ ‬وهو‭ ‬35‭ ‬مليمًا‭ ‬‮«‬خمسة‭ ‬وثلاثون‭ ‬مليمًا،‭ ‬أى‭ ‬ثلاثة‭ ‬قروش‭ ‬ونصف‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‮»‬‭ ‬وبيانات‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬وصورة‭ ‬لأم‭ ‬وطفلها‭ ‬وتنبيه‭ ‬للمشترى‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬مراعاة‭ ‬الغطاء‭ ‬الأزرق‭ ‬لزجاجة‭ ‬اللبن‭ ‬الجميلة‭ ‬والذى‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬منتج‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬وليس‭ ‬مقلدًا‭. ‬

والسؤال‭: ‬لماذا‭ ‬اختفى‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬المصرى‭ ‬الجميل‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬ينتج‭ ‬بشكله‭ ‬القديم‭ ‬وجودته‭ ‬القديمة‭ ‬الجميلة‭ ‬التى‭ ‬ورثناها؟‭ ‬

كنا‭ ‬حتى‭ ‬السبعينات‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬مع‭ ‬موزعى‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬الذين‭ ‬يجوبون‭ ‬الأحياء‭ ‬جميعًا‭ ‬ويبيعون‭ ‬المنتج‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬مباشرة‭ - ‬وهم‭ ‬يرتدون‭ ‬زيًّا‭ ‬يحمل‭ ‬شعار‭ ‬الشركة‭ ‬وباستخدام‭ ‬كارتات‭ ‬تحمل‭ ‬شعار‭ ‬الشركة‭ - ‬ويقدمون‭ ‬مظهرًا‭ ‬طيبًا‭ ‬وحضاريًا‭.‬

كانت‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬والأغذية‭ ‬تنفع‭ ‬الناس‭ ‬وتساعد‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬حصار‭ ‬الأمراض‭ ‬والحد‭ ‬منها‭ ‬وتعليم‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يقبلوا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جيد‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬وأن‭ ‬يتحاشوا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مطابق‭ ‬للمواصفات‭ ‬وغير‭ ‬ملتزم‭ ‬بالتعليمات‭ ‬الصحية،‭ ‬فلماذا‭ ‬اختفى‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬واختفى‭ ‬موزعوا‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬واختفت‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬بزيها؟

كانت‭ ‬مصر‭ ‬للألبان‭ ‬تحقق‭ ‬شعار‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬‮«‬كوب‭ ‬لبن‭ ‬لكل‭ ‬طفل‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬تأسيسها‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬–‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬النهضة‭ ‬الصناعية‭ ‬التى‭ ‬شرعت‭ ‬فيها‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬حينه–‭ ‬وراحت‭ ‬تنمو‭ ‬وتتطور‭ ‬فى‭ ‬بنائها‭ ‬حتى‭ ‬ضمت‭ ‬9‭ ‬مصانع‭ ‬‮«‬تسعة‭ ‬فقط‮»‬،‭ ‬ومركزا‭ ‬للتدريب‭ ‬و60‭ ‬مركزًا‭ ‬‮«‬ستين‭ ‬مركزًا‭ ‬فقط‮»‬‭ ‬لتجميع‭ ‬اللبن‭ ‬من‭ ‬المنتجين‭ ‬فى‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬والقيام‭ ‬ببعض‭ ‬مراحل‭ ‬البسترة‭ ‬قبل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المصانع‭.‬

‭ ‬وكانت‭ ‬الشركة‭ ‬تنتج‭ ‬منتجات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الجبن‭ ‬والأيس‭ ‬كريم،‭ ‬وكانت‭ ‬هى‭ ‬الشركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭.‬

أين‭ ‬الشركة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الألبان‭ ‬والأغذية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬نطورها‭ ‬ونحدثها‭ ‬لتعمل‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬ونحفظ‭ ‬تلك‭ ‬القيمة‭ ‬الوطنية‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبيرة‭ ‬لتعيش‭ ‬وتزدهر؟

‭ ‬لماذا‭ ‬نهمل‭ ‬كل‭ ‬قيمة‭ ‬قديمة؟‭ ‬من‭ ‬عمود‭ ‬الإنارة‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬شيء‭ ‬وننزعه‭ ‬ونلقى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬سلة‭ ‬المهملات؟‭ ‬إن‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتحضرة‭ ‬تحتفظ‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬قيم‭ ‬وتصونه‭ ‬وتطوره،‭ ‬لأنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬يصح‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬القديم‭ ‬القيم‭ ‬واستبداله‭ ‬بجديد‭ ‬ضعيف‭ ‬ومكلف‭ ‬وربما‭ ‬غير‭ ‬مناسب،‭ ‬ولما‭ ‬نترك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قيم‭ ‬ينسل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أصابعنا‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الموت‭ ‬والنفوق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نبذل‭ ‬الجهد‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬سقوط‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬إنجازاتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬التاريخية‭ ‬الهامة؟‭ ‬

موضوعات متعلقة