وزير الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي شكري: حصول فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة خطوة أساسية على طريق حل الدولتين وزير الخارجية: الحالة في غزة كارثية والمساعدات غير كافية ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي وفاء عامر: في أعمال أتعرضت في رمضان ومحدش شافها وبقت رقم واحد وزير المالية أمام البرلمان: إعداد موازنة العام المقبل مُحاط بصورة ضبابية وفاء عامر تكشف عن كواليس مشهد ضربها 4 مرات من رياض الخولي: قولتوله أنت مش زوجي وفاء عامر: الفنان الراحل خالد صالح باس أيدي في أول يوم تصوير من ”كف القمر” وفاء عامر: ”أحمد العوضي مش مغرور وكل اللي بيتقال عليه مش صحيح” لأول مرة.. وفاء عامر ترد على منتقدي فيديو حملة إفطار الصائمين النواب يوافق على تعديل النائب عبد الوهاب خليل بمشروع قانون التأمين الموحد بشأن رأي الأزهر في تشكيل لجان الرقابة الشرعية بشركات التأمين وفاء عامر: ”لو الزوج خان زوجته تبقى الست السبب لأن ده اختيارها”
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

قراءة فى كتاب «ثروة من البادية» لريموند فارين

البناء الدائرى للقصيدة العربية الكلاسيكية

تقوم الدراسة على إيمان عميق بأن الشعر العربى ثروة العرب الأقدمين، التى تجعلهم دائمًا فى مقدمة صناع تاريخ البشرية، وكل محاولات النيل من هذه الثروة باءت بالفشل، بدءًا من وصف شعر العرب بالتفكك والرتابة، وبأنه فى جوهره نووى لا يخرج عن سلسلة أقوال متفرقة قابلة للتراكم، وفى الوقت نفسه غير قابلة للجمع والانسجام، ويسمى المؤلف مثل هذه الآراء بالفهم الاستشراقى التقليدى، الذى يقوم على قراءة سطحية، لمعنى من معانى الوحدة العضوية فرضه نقاد ضعاف ومدرسيون على القصيدة العربية.

وتبدأ فكرة المؤلف فى البحث عن صيغة ترابط فى القصيدة العربية، دعاها بالنظم الدائرى، ورجح وجودها فى معظم القصائد العربية الكلاسيكية لكبار الشعراء، وهذه الصيغة - حسب المؤلف - تختلف عن القصيدة المنطوقة على هيئة تتابعية، ووفقًا لمبادئ النظم الدائرى، التى يعرضها المؤلف معتمدًا مصادره، فإن القصيدة تسلك مسلكًا دائريًا، يعود بعد تجاوز الوسط إلى ما تقدم، ويعود عند النهاية إلى نقطة البداية.

ويسعى المؤلف - بجهد كبير- إلى إثبات وجود هذه الصيغة من صيغ البناء الشعرى، فى الشعر والنثر العربيين، بل وفى أزجال كأزجال ابن قزمان، ومن الواضح أنه أفاد من دراسات جادة سابقة لمواطنه جيمس مونرو، الذى سبق أن قدم بحوثًا مفيدة حول هذه الظاهرة فى بناء القصيدة العربية، معتمدًا نظريته الشهيرة فى النظم الشفوى، هذه النظرية التى بنيت على قراءة فاحصة وغير تقليدية، فى تراث الشعر الكلاسيكى العربى والعالمى.

واختار المؤلف لوضع فكرته موضع التطبيق الشارح والمحلل المفسر، عددًا من القصائد تمثل أزمنة مختلفة، وأنواعًا أدبية مختلفة، تشمل معلقة امرؤ القيس ولامية الشنفرى ومعلقة لبيد، وثلاث قصائد من شعر الخنساء، وقصيدة غزل لجميل وأخرى هجائية لجرير، وخمرية لأبى نواس ومدحيه لأبى تمام وأخرى للمتنبى، وغزلية لابن زيدون وقصيدتى زجل لابن قزمان، وخمرية صوفية لابن الفارض، وتجربة خاصة حسبما ذكر من شعر البهاء زهير، وكلها ألوان من الشعرية العربية المختلفة موضوعًا وشكلًا، ولكنها تأتى جميعها فى بناء يوشك أن يكون واحدًا فى دائريته، التى يكشفها المؤلف رفضًا لما يمكن أن يقال عن تفكك، وتفسيرًا لما يذكره من وحدة خاصة، تعود عبقريتها لنظام يباين الوحدة العضوية فى التصور البسيط المدرسى، الذى شاع فى كتابات النقاد التعليمية.

ويلاحظ أن لدى المؤلف تصورًا للدائرة الشعرية فى كل نص درسه، فهو فى تحليله للبناء الدائرى فى معلقة امرؤ القيس، باعتبارها النموذج الكلاسيكى الأشهر على سبيل المثال، يطلعك المؤلف على درايته بتاريخ العرب وشعرهم وتفاصيل هذا التاريخ، وزوايا هذا الشعر، يقبل من هذا ما يراه صحيحًا، ويرد ما دون شروط الصحة، فهو على سبيل المثال ومعه كل الحق، يرفض ما يتردد من كون امرؤ القيس قال ما لم يقولوا، فمن الصعب عنده أن يتصور فنانًا يخلق من عدم، ويدرك المؤلف حال قراءة المعلقة ومقاربة بنائها الدائرى، أن ثمة مدة طويلة من الزمن عملت على تطوير هذا البناء المنضبط على شكل دائرة، فالصحيح عنده ألا نعتبر امرؤ القيس أول شاعر عربى عظيم، بل هو أول شاعر عربى عظيم نعرفه، وثمة عظماء من المجهولين مهدوا له وبنوا له هذا البناء العظيم، وقراءته للمعلقة - كما لاحظت - تبدأ برفض مسوغ لاعتبارها مجرد تحقيق لتقاليد شعرية - كما شاع فى التراث النقدى العربى - فالمعلقة حسب المؤلف ومن يشاركونه رأيه نظمت من أجل التعبير الشخصى ولذا فإن تحليله لها يقرأ سيرة مكونة من خمسة أقسام على النحو التالى فى دائرة:

أ = الأبيات من 1 - 9

ب = الأبيات من 10-41

ج = البيت 42 ( فقط )

ب1 = الأبيات 43 – 66

أ 1 = الأبيات 67 – 78

والكتاب يكشف فى بحوثه النظرية والتطبيقية علمًا كبيرًا بديوان الشعر العربى، تثبت مراجعه ومصادره عن إحاطة كبيرة ودقيقة، تجعله قادرًا على الخروج بما يفيد بدراسة الشعر العربى ومحاولات تفسيره، بعيدًا عن حقيقة بناء ثابت يلازم نماذجه العليا الكلاسيكية، مهما اختلف موضوع القصيدة ومهما اختلف العصر، وأرى أن اعتباره الشعر العربى ثروة العرب المقبلة من البادية، فى حد ذاته فكرًا جديدًا جدير بالنظر والتقدير.

وحماسة المؤلف لتفسير بناء القصيدة العربية الدائرى بما يشبه العقد، تعود لمصادر غربية اعتمدها، ولكنه يكشف ويكرر فى دراسته الشيقة، أن الفكرة لم تكن بعيدة عن العقلية العربية القديمة، التى وصفت القصيدة بالعقد ويتساءل بحق: هل من الممكن أن يكون السبب فى الجمع بين القصيدة والعقد، أن المرء حين يتصور عقدًا يرى عناصر مستقلة ومربوطة لها يمين ولها يسار، ولكن فى الوسط هذا العنصر الفريد اللافت للانتباه ألا نستنتج من ذلك بحسب - المؤلف - فهم القدماء لبناء القصيدة بناءً دائريًا يشبه شكل العقد.

ويحسب للمؤلف أنه لم يدع أنه قدم مفتاحًا لكل باب، وحسبه أن قدم مفتاحًا يفتح الكثير من الأبواب، وقد حث الباحثين العرب على مشاركته فى استكمال بحثه، واثقًا أن لديه ولديهم المزيد، وأرى أننا إذا أضفنا هذه الدراسة الشاقة والشيقة والممتعة إلى محاولات سابقة، بحثت عن إدراك الوحدة فى تنوع وتعدد الشكل الخارجى للقصيدة العربية، بدءًا من عبارات ابن قتيبة المشهورة، وانتهاء بمحاولات مصطفى ناصف وعز الدين إسماعيل، وجيل كامل من نقاد تخصصوا فى قراءة وتحليل القصيدة الكلاسيكية العربية قراءة أسطورية أو جمالية، لأمكننا اعتبار ما قدمه المؤلف صفحة جليلة، تستحق التقدير لاعتبارها الشعر العربى ثروة العرب الغنية بالدلالات والمعارف والأحداث والتجارب، مما جعله بحق ديوان العرب على النحو الذى يفهمه المؤلف، وقد سبق للباحث نشر دراسته بالانجليزية فى مطبعة جامعة سيراكيوس 2011 م بعنوان"