رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

الإعلان فى رمضان

 أحمد إبراهيم الفقية
أحمد إبراهيم الفقية

 قد لا يصدق القارئ، خاصة إذا كان من فئة الشباب، نما وشب على إعلام مرئى ومسموع ومقروء يعتمد اعتمادًا أساسيًا فى تمويله وتشغيل كوادره وتسديد فواتير نفقاته على الإعلانات، التى تصل فى مواسم مثل شهر رمضان الكريم إلى ذروة سيطرتها على الشاشات، أن هناك إذاعات مرئية لم يكن يجرؤ الإعلان مهما كان مصدره، أن يطل من شاشاتها، وليست محطات تلفزية هينة أو تنتمى إلى دول أو مؤسسات صغيرة، ذات طابع خيرى مثلًا، وإنما محطات إحدى أكبر الدول فى العالم، وصاحبة دور ريادى فى ابتكار مثل هذا الاختراع هى بريطانيا، فقد ظلت القنوات التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية وكانت أربع قنوات، تحمل أسماء القناة الأولى والثانية والثالثة، وأخيرا أضيفت إليها الرابعة، تحرم دخول الإعلان ضمن موادها التى تقدمها إلى المشاهد، وكان اعتمادها فى إيراداتها وتسديد مصاريفها، يأتى مباشرة من المشاهدين، فقد كانت حيازة جهاز تلفاز تقتضى ترخيصًا ورسومًا سنوية تتقاضاها هيئة الإذاعة البريطانية، وبالتالى فصاحبها والمسئول مسئولية مباشرة على ما تبثه من مادة، هو المتفرج البريطانى، يوم كان إرسال أى محطة يقتصر على تغطية البلاد التى تنتمى إليها المحطة.

                 ثم نشأت شركة خاصة، اسمها اختصارًا هو «الأى تى فى»، اعتمدت فى تمويلها على الإعلان، وظهرت فيما بعد محطات تلفزية تابعة لحكومات، بينها على سبيل المثال محطة فى بلد عربى مثل ليبيا التى بدأت إرسالها إبان العهد الملكى، ولم يكن الإعلان جزءًا من تمويلها ولم تكن المحطة تقبل إعلانًا واحدًا مدفوع الثمن إلا إذا كان إعلانًا إرشاديًا يتصل بصحة المواطنين أو إرشادهم لما يهم مصلحتهم، صادر عن مؤسسة حكومية، فهو يذاع غير مدفوع الثمن، ودار فى بريطانيا نقاش استغرق عدة أشهر، عندما تم التفكير فى إدخال الإعلان كمصدر للتمويل، ربما لأن خدمات هيئة الإذاعة البريطانية اتسعت، ومحطاتها تكاثرت، ونفقاتها تضاعفت، بحيث لم تعد رسوم الترخيص تكفى لسد النفقات، وصدر فيما بعد تشريع يبيح لمحطة البى بى سى، أن تذيع ال‘علانات التجارية كمصدر لتمويل محطاتها ومشاريعها، ويبدو أن العامل التجارى الذى انتصر فى التليفزيون البريطانى انتصر فيما بعد فى تليفزيونات الدول الرسمية، وهكذا وجدت نفسها تنساق فى هذا السياق، وهو ما حدث للمحطة الرسمية الليبية التى استجابت بعد سنوات طويلة من المقاومة، إلى إغراء الإعلانات التجارية ووقعت هى الأخرى تحت سيطرتها.   

 

هذا كلام أقوله اليوم، ونحن نعيش أيام شهر رمضان الكريم، حيث طغت الإعلانات طغيانًا غير مسبوق، إلى حد أننا نتفرج على دقيقة من مسلسل تعقبها عشر دقائق إعلان، بدل العكس، أن يكون الإعلان هو الفاصل الصغير لمدة دقيقة، والمسلسل هو الذى يأخذ المساحة التى يأخذها الآن الإعلان، ونمد أعناقنا ونحن ننتظر القطعة الصغيرة من المسلسل مرغمين على تجرع وجبة الإعلان بكل ما فيها من تفاهة وسخف فهذا إعلان عن المطاط، أو البلاستيك، أو حديد البناء، وآخر إعلان عن البطاطس المقلية وثالث إعلان عن مساكن الفراديس الأرضية التى تشعر غالبية الناس بالنقص والدونية، ونتحمل إذا كنا نحب بطل المسلسل أو بطلته، أو نريد أن نتابع أحداث برنامج للترفيه والتسلية، ولكن الأمر زاد على حده، وكان يمكن أن نقول من أراد الورد عليه أن يتحمل أشواكه، ولكن الإعلانات صارت حديقة أشواك تدخلها وتتسلخ ساقك وذراعك ويدمى جسمك قبل أن تصل إلى وردة تقطفها فى آخر الحديقة.