رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

شوفى يا مصر سامبا ورومبا الموظفين

قديمًا وحديثًا يحتاج الغاوون للرقص إلى أن يبحثوا عن مدرسة لتعلم الرقص أو مدرس خاص، ولكن الموظفين – استثناء – لم يعودوا بحاجة إلى ذلك، فرواتبهم تتضاءل وتتراجع إلى الخلف، وأسعار السلع والخدمات تطير إلى أعلى وتسخن وتلتهب، وتوجع جنبات كل موظف – كبيرًا أو صغيرًا – ليتلوى من الألم ويقفز من الغضب كأنه يرقص سامبا ورومبا وتويست وما لا يعرفه من الرقصات.

أول المستقبلين للموظف فى حياته، هى الضرائب من المنبع، فتقوم الحكومة باستقطاع ما تشاء من ضرائب مستحقة على الدخل من راتب الموظف أو الموظفة، ثم تقدم إليه ما تبقى وتزج به إلى بحر الحياة والأسعار، ليسبح مع أسماك القرش من التجار والبائعين وأصحاب المدارس والعيادات الطبية وسماسرة الخدمات فى فيلم رعب يستمر لمدة شهر كامل، فإذا كان الموظف ما زال على قيد الحياة، أعادت الحكومة الكرة عليه، فخصمت وقطعت وهذبت راتبه من كل شائبة ثم ألقت به وبراتبه إلى مصيره بين أسماك القرش فى جولة أولى لمباراة متجددة.

انتشرتا سامبا ورومبا الموظفين – وهما رقصتان محبوبتان عند هواة الرقص – ولكنهما مصحوبتان بالحزن والحيرة والألم عند الموظفين وليس بالفرح، والدولة تبذل جل ما فى وسعها، ولكن دخل الموظف يتراجع ولا يتقدم وحياته تزداد شدة وحزمًا، ولا مخرج له ولا منفذ إلى عالم آخر أكثر رفقًا به وتقديرًا له.  

ليس صحيحًا أن "البعض يحبها ساخنة"، ولكن استمرار تحديد رواتب الموظفين وفقًا لنظام "الشريحة الموحدة" المعمول به منذ عقود طويلة، والذى يساوى – ظلمًا وعدوانًا – بين فئات المجتمع على اختلاف قدراتها على غير هدى ولا يقين، يجعل الحياة ساخنة ملتهبة وتنفث نيرانًا فى وجوهنا أجمعين ومن قبلنا فى وجه الحكومات المتعاقبة التى غلت أيديها - وشلت حتى – فلم تعد تستطيع أن تبذل جديدًا فى مضمار رواتب الموظفين الصعب، وقطار الحياة ينهب الطريق غير عابئ بمن يدهس وبمن يلقون أنفسهم أمامه خلاصًا من صراع غير عادل.

  لقد تحدث الكثيرون عن ضرورة ضبط الأسعار، وتحدث البعض بشجاعة عن ضرورة مراجعة رواتب الموظفين لتقارب نظيراتها لدى القطاع الخاص حتى لا يهرب موظفو الدولة إلى القطاع الخاص أو إلى الخارج ويتركوا أجهزة الدولة خاوية على عروشها، فالفارق بين راتب الحكومة وراتب القطاع الخاص وراتب الخارج فارق كبير مهيب الطلعة والحضور، وتحدث قليلون بشجاعة عن أهمية وضرورة وقف نظام العمل باللائحة الموحدة كأساس لرواتب الحكومة لما لهذا الأساس من مثالب كبيرة وخطيرة تكبد الدولة أموالا طائلة بلا هدف ولا معنى، وتغل يد الحكومة فلا تستطيع أن تمنح أحدًا راتبًا مناسبًا يستحقه، وتساوى بين الخبير والبسيط وبين الطائرة والدراجة.

إن الناس درجات بعضهم فوق بعض، ولم يخلقهم الله عز وجل درجة واحدة من الذكاء والقدرات والهمة والإنجاز والابتكار والقدرة على التعلم، إلى غير ذلك من الفروق بين الناس، ولا معنى لما يساوى بين العامل البسيط والمهندس الخبير فى راتب، ولا معنى لما يساوى بين طبيب وممرض فى راتب، فلكل احترامه ومكانته، ولكن لكل سعيه وعطاءه، وعلى قدر السعى والعطاء يكون المقابل.

ومع وصول الدين الداخلى للدولة إلى 98% من إجمالى الناتج المحلى ووصول عدد العاملين فى الدولة إلى عدة ملايين، ويقال إنهم ستة ملايين موظف، فقد وجب على الدولة أن تقف وقفة مدققة وناجعة فى مواجهة اللائحة الموحدة والراتب الحكومى المضحك للكبير والصغير، حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها إلى كل خير.