رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

هجمة مرتدة تربك حسابات «آبى أحمد»

سيطرت جبهة تحرير شعب "التيجراى" على مدينة "لاليبيلا" الاستراتيجية والتى تضم موقعا مدرجا على قائمة التراث العالمى لمنظمة اليونسكو، بعد نحو أسبوعين من استعادة الجيش الإثيوبى لها، مما يعد تطورا مفاجئا فى النزاع المستمر منذ عام والذى أودى بحياة الآلاف من البشر وتسبب فى أزمة إنسانية عميقة.

وأكدت وكالة الصحافة الفرنسية أن قوات الجبهة موجودة فى وسط المدينة، دون وقوع معارك، متوقعة أن يكون قد دخلوها من الشرق من جهة مدينة "ولديا"، بعد أن أعلنت الجبهة أن قواتها تشن عدة عمليات هجومية على طول الطريق الرابط بين مدينتى "غاشينا"، و"لاليبيلا"، فى إقليم الأمهرة.

وطالب الاتحاد الأوروبى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعقد جلسة طارئة حول الوضع فى إثيوبيا على خلفية تصاعد الانتهاكات الإنسانية فى ثانى أكبر الدول الأفريقية من حيث تعداد السكان، واصفا الوضع بأنه خطير، فيما دعت الولايات المتحدة الأمريكية السلطات الإثيوبية إلى التحقيق فى الفظائع التى ارتكبت ضد المدنيين فى إقليمى "الأمهرة" و"عفر".

وأكدت الخارجية الأمريكية أن الدبلوماسية هى الخيار الوحيد لوقف الأعمال العدوانية بين الطرفين، فى غضون ذلك أكدت وزارة الخارجية السودانية أن ادعاءات إثيوبيا بإيواء جبهة تحرير "التيجراى" على إرضها غير صحيحة، مطالبة إثيوبيا بالتوقف عن توجيه اتهامات لا سند لها، مؤكدا على سيطرة القوات السودانية على حدود البلاد مع عدم السماح باستخدام أراضيها نقطة انطلاق لأى عدوان.

وقال اللواء نصر سالم المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، إن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد يريد القضاء على الحركات الوطنية، رافضا التفاوض معهم، مما سيجعلهم يتوحدون ضده.

أوضح لـ"الزمان" أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم آبى أحمد عمليا وتريد استمراره فى الحكم، وهى التى لعبت أساسيا فى حصوله على جائزة نوبل للسلام، غير إنه من الواضح أن هناك جهات دولية أخرى تدعم قوات التيجراى.

توقع الخبير العسكرى أن ينتهى الصراع الدائر حاليا بتقسيم إثيوبيا، نظرا لتساوى القوتين المتحاربتين وعدم امتلاك أى منهما قوة الحسم، ومعنى ذلك أننا أمام صومال جديدة تمزق أوصالها الحرب الأهلية.

وحول موقف إريتريا من الصراع الداخلى أكد اللواء نصر أنها لا تريد أن تصبح إثيوبيا أقوى منها بأى شكل من الأشكال، خوفا من مطامعها السياسية حيث كانت إريتريا حتى عام 1993 مستعمرة إثيوبية، وتخشى من تكرار المشكلة، ولذلك تقف موقف المتفرج وإن كانت حريصة على تقسيم إثيوبيا.

وحول تأثير الحرب الإثيوبية على ملف سد النهضة أوضحت الدكتورة أمانى الطويل مدير البرنامج الأفريقى بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، أن هناك ثلاثة سيناريوهات لتطور الأحداث فى إثيوبيا الأول قيام حرب أهلية يعقبها استقرار للدولة الإثيوبية فى غضون عامين، هنا سيصبح الوزن السياسى لقومية الـ"تيغراي" رئيسياً ومؤثراً، وينهض مشروع سد النهضة، الذى وضع لبنته الأولى رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميلس زيناوى، الزعيم "التيغراوي" الأشهر وصاحب المشروع القومى الإثيوبى الشامل.

توقعت الطويل أن يتم التوافق على إدارة السد وتشغيله تحت مظلة تعاونية بين الدول الثلاث، وربما قد يذهب الأمر إلى تعديلات فى حجم تخزين بحيرة سد النهضة، إذ إن حجم التخزين الضخم يثبت مع التطورات والتدقيق العلمى أنه يهدد كيان السودان وانهياره يؤدى إلى هلاك 2 مليون نسمة يعيشون شرق السودان.

وقالت الخبيرة السياسية إن السيناريو الثانى مرتبط باحتمال انزلاق إثيوبيا إلى حال الانهيار الشامل، واتساع نطاق الحرب الأهلية، بمعنى آخر، أن يتغير النظام السياسى، وتتغير الحكومة، عبر محطة الحوار السياسى، ولكن هذا التطور سيكون أحد شروطه أن يتم تنفيذ اتفاق الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بين الأذرع المسلحة للقوميات الإثيوبية.

أوضحت الدكتورة أمانى الطويل أن هذا الاتفاق يتضمن الموافقة على مطالبة إقليم "بنى شنقول" المقام على أرضه سد النهضة بكونفيدرالية، أى حكم ذاتى أو شبه انفصال، وليس الانضمام إلى الفيدرالية الإثيوبية، مما يعنى أن القرار السياسى سيكون مستقلاً فى الإقليم، وقد يكون بالإمكان هنا الانضمام للسودان كما تريد جبهة تحرير "بنى شنقول"، وكذلك السودان الذى يقول إنه قد نفذ من جانبه التزاماته فى اتفاقية 1902، إذ سلم إثيوبيا منطقة "جامبيلا"، بينما لم تنفذ إثيوبيا نصيبها من الاتفاقية وهو تسليم "بنى شنقول" بالمقابل للسودان.

أرجعت الخبيرة السياسية السر فى انضمام "بنى شنقول" إلى السودان أن كثافة الإقليم السكانية ضعيفة، "ونصفها من السودانيين"، وقد لا تملك شروط استقرار حال حكم ذاتى، أو كونفيدرالية بين دولتين كبيرتين هما إثيوبيا والسودان.

وقالت الخبيرة السياسية إن السيناريو الثالث فهو انهيار الدولة الإثيوبية بالفعل واتساع نطاق الحرب الأهلية، وهو سيناريو يجعل سد النهضة فى مهب الريح، وغير مسؤول من جهة محددة، وبطبيعة الحال، تتوقف مراحل استكماله، وربما هذا التدهور المتوقع يفسر لنا الدعم الصينى للحكومة الإثيوبية الحالية، إذ إن حجم الاستثمارات الصينية فى هذا السد كبيرة، والخسائر المترتبة على عدم الاستمرار فى بنائه وإنهائه أكبر.

وأضافت الدكتورة أمانى الطويل أن سيناريو انهيار الدولة الإثيوبية قد يفتح الباب لتدخلات عسكرية خارجية لحماية السد، أبرزها التدخلات الأمريكية على اعتبار أن الولايات المتحدة تملك قاعدة عسكرية كبيرة فى جيبوتى، وهو ما ألمح إليه فى حوار مع الـ"بى بى سى"، قائد القاعدة العسكرية فى جيبوتى.

من أن هذا التدخل ستكون له حسابات مغايرة لتلك التى أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية كتوجهات استراتيجية، وهى عدم التدخل العسكرى الأمريكى فى أى من مناطق العالم، كما أن نتائجه غير محسومة لصالح واشنطن، ولعلنا نتذكر هنا عملية الأمل الأمريكية فى الصومال التى وصمت العملية العسكرية الأمريكية بعار ما زال فى الذاكرة الأمريكية والإقليمية.