رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

من أوكرانيا إلى فلسطين.. أحداث الأقصى تفضح تواطؤ الغرب

مر على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نحو شهرين ليواصل الجيش الروسي تدمير البنية التحتية الأوكرانية، وسط تنديد وغضب دولي أبرز حجم التضامن العالمي مع شعب تتعرض بلاده لغزو يضعه تحت آلة قتل لا تميّز أحدا، والذي تُرجم على الفور بفرض عقوبات عدة على موسكو.

إلى ذلك، رفضت الدول العربية ما يجري في أوكرانيا، بل وعرضت الوساطة لإنهاء الخلاف بين البلدين، في حين لم يلتفت أحدا من الدول الغربية إلى القضية الفلسطينية، حيث شعر الفلسطينيون بالخذلان والخيبة.

وفي المقابل، نجد إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في حق الشعب الفلسطيني واستباحة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وانتهاك القانون الدولي في ظل صمت المجتمع الدولي الذي وصفه سياسيون بأنه ازدواجية في المعايير وتواطؤ مع الاحتلال، وهو ما يفجر جملة من التساؤلات حول التفريق بين ما يجري من ممارسات صهيونية ضد الفلسطينيين، وما يجري في أوكرانيا من موقف دولي يتبنى الرواية الأوكرانية ضد العدوان الروسي.

ومنذ نحو أسبوعين، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي، حملات اعتقالات وتفتيش واسعة في الضفة الغربية، وتنفيذ اقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، يعقبها اندلاع اشتباكات مع الفلسطينيين وإصابة العديد منهم بالرصاص الحي، والذي جراءه لم يتم فرض أي عقوبات على إسرائيل.

وخلال الاشتباكات، أصيب 158 فلسطينيا على الأقل، واعتُقل نحو 400 آخرين، إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى المبارك، واعتدائها على المصلين ومحاولة طردهم منه.

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المُهدي مطاوع، أن الهيمنة الأمريكية تمتد على مستوى العالم، وهو سر ازدواجية المعايير، حيث تدعم الولايات المتحدة إسرائيل، بشكل مطلق منذ تأسيسها وإذا تابعنا مواقفها في الأمم المتحدة نجده في كل القرارات التي عارضتها.

وأكد الدكتور مطاوع، لـ«الزمان»، أن الأزمة الروسية الأوكرانية عرت هذه المعايير، وأصبح الكيل بمكيالين واضحا بلا شوائب.

وأضاف المحلل الفلسطيني: «بالتالي يتضح بما لا يدع مجالا للشك انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل، وهذا يعيدنا إلى موقف القيادة الفلسطينية منذ سنوات، وهو ألا تكون هناك أي مفاوضات برعاية الولايات المتحدة بمفردها وإشراك أطراف الرباعية الدولية والصين وجامعة الدول العربية، حتى يكون هناك التزام ومصداقية في ما يتم التوصل إليه».

وأشار إلى أن ما يحدث الآن على الأرض هو محاولة فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى، موضحا أن اليمين الإسرائيلي كله مُجند لهذا الهدف سواء بينيت رئيس الحكومة، أو الأحزاب اليمينية الموجودة في المعارضة.

ويعتقد المراقب السياسي، أن الهبّة في الضفة الغربية والقدس ستتصاعد تبعا لظروف وتبعات الموقف الدولي، لافتا إلى أن حرب اوكرانيا وضعت أمام الشباب الفلسطيني أيضا نفاق المجتمع الدولي، معللا ذلك بوجود أسباب موضوعية وهي عدم إيفاء الإدارة الأمريكية بوعودها للفلسطينيين.

وأوضح الدكتور مطاوع، أن من يقود هذه الهبّة هي حركة «فتح»، التي تدير السلطة في الضفة الغربية، مؤكدا أن هذا يعني أن الوضع مرتبط بتقدم سياسي، في ظل تهميش القضية الفلسطينية، وذهاب الدول المطبعة مع إسرائيل إلى علاقات عميقة متخلية عن القضية الفلسطينية، وحتى مبادرة السلام العربية التي ربطت التطبيع بإيفاء الفلسطينيين حقوقهم.

وفي الوقت ذاته، قالت حركة «فتح»، إنه خلال العملية العسكرية الإسرائيلية الاخيرة ضد قطاع غزة، لم ينجح مجلس الأمن بعد 3 اجتماعات من إصدار قرار يطالب تل أبيب بوقف العدوان، وخلال الاجتماع الوحيد للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يصف أي متحدث قتل الجيش لأطفال غزة بالإرهاب أو أي كلمة إدانة أخرى، بينما استغرق فتح تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في انتهاكات تل أبيب بحق المشاركين في مسيرة العودة على حدود غزة نحو عامين، لكن خلال أيام قررت المدعية العامة التحقيق في جرائم روسيا ضد أوكرانيا.

وتساءلت «فتح»: «هل الدم الفلسطيني بالنسبة إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة من الدرجة الثانية، وهل الإنسانية تُصنّف وفقاً للعرق واللون؟"، قائلا: «من الضروري أن يتعامل قادة العالم بحيادية، بخاصة في حق تقرير مصير الفلسطينيين، ويتخذوا قراراً بحتمية إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة لهم».

واستطردت الحركة الفلسطينية، أن تتخذ المنظمات الدولية والأممية مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمة أوكرانيا، بينما تمتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه جرائم إسرائيل التي امتدت لأكثر من سبعة عقود ضد السكان في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية على حد سواء، يعكس ازدواجية في المعاملة وغياباً للعدالة.

ومن جهتها، اعتبرت حركة «حماس» الفلسطينية، أن المجتمع الدولي منحاز لصالح الاحتلال دائماً ويتجاهل المعايير الإنسانية.

وأكدت «حماس»، أن الأمر لا يقتصر على ازدواجية المعايير، إذ يصل إلى حد تواطؤ المنظومة العالمية مع إسرائيل نظراً إلى علاقات المصالح التي تربطهما.

ويكتسب هذا الأسبوع قدسية خاصة لدى اليهود نظرا لتزامنه مع عيد الفصح الذي بدأ يوم الجمعة الماضي، ويستمر حتى الخميس، وهو ما جعل المستوطنين يكثفون الاقتحامات للحرم القدسي الشريف.

الغزو الروسي والاحتلال الإسرائيلي

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، توالت التصريحات التي تؤكد حق الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم، وأنه حق يكفله القانون الدولي، وأصدرت دعوات لإرسال مقاتلين متطوعين للدفاع عن أوكرانيا، ولم يوصف ذلك بأنه إرهاب كما توصف به عمليات المقاومة في فلسطين وفي مناطق الاحتلال الأخرى.

وعلى إثر ذلك، تعرضت روسيا لعقوبات اقتصادية قاسية شملت تجميد الحسابات الخارجية للرئيس الروسي وشخصيات في دائرته المقربة وأيضا حظر تصدير منتجات عالية التقنية إلى روسيا وعزل عدد من البنوك الروسية عن نظام الدفع الدولي «سويفت»، وشملت العقوبات أيضا إغلاق موانئ أوروبية والمجال الجوي الأوروبي أمام السفن والطائرات الروسية.

ومن جهتها، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أن المرحلة القادمة من العقوبات ضد روسيا ستهدف تعطيل آلتها العسكرية وستستهدف منشآت صناعاتها الدفاعية.

وفي المقابل، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا أسفرت عن تدهور الاقتصاد في الغرب.

أما فيما يخص انتهاكات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، اكتفت الدول الغربية بل والعربية بإدانة اقتحام قوات الاحتلال من الشرطة والقوات الخاصة الإسرائيلية المسجد الأقصى والاعتداء عليه وعلى المصلين هذا الأسبوع.

فعلى الصعيد الغربي، أعرب الاتحاد الأوروبي، عن قلقه البالغ إزاء التصعيد الأخير فيما وصفه بأعمال العنف في أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية والاشتباكات التي وقعت في المسجد الأقصى، الجمعة.

وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية، عن قلقها الشديد إزاء الاشتباكات في القدس المحتلة، ودعت إلى تجنب الأفعال والخطابات الاستفزازية والحفاظ على الوضع التاريخي في القدس المحتلة.

ومن جانبه، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رفضه لممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تحول دون وصول المصلين بحرية إلى المسجد الأقصى، واحترام الوضع التاريخي للمسجد والقدس.

أما عربيا، فقد حذرت جامعة الدول العربية، من إشعال الموقف في الأقصى المبارك، محملاً المسئولية لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تُمارس عدواناً خطيراً على الشعب الفلسطيني وعلى حقه في إقامة الشعائر داخل الأقصى في شهر رمضان المبارك.

كما أدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأشد العبارات اقتحام الشرطة والقوات الخاصة الإسرائيلية المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فجر الجمعة، والذي أدى إلى إصابة حوالي 152 مصلياً واعتقال المئات، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا، وتصرف مدان ومرفوضا وتصعيدا خطيرا.

ومن جانبها، أدانت القاهرة، اقتحام القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى وما تبع هذا الاقتحام من أعمال عنف تعرض لها الفلسطينيون في باحات المسجد الأقصى، مما أسفر عن إصابة واعتقال العشرات من المُصلين.

وأدان الأردن، بأشد العبارات اقتحام الشرطة والقوات الخاصة الإسرائيلية المسجد الأقصى المبارك الحرم القدسي الشريف والاعتداء عليه وعلى المصلين، وأعلن استدعاء استدعاء نائب السفير الإسرائيلي لديها، وهو الأمر الذي وصفته سلطات الاحتلال يقوض جهود تهدئة الأوضاع في القدس.

كما أعربت المملكة العربية السعودية، عن إدانة واستنكار إقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى وإغلاق بواباته، والاعتداء على المصلين العزل داخل المسجد وفي ساحاته الخارجية.

في الوقت ذاته، استنكرت دولة الكويت، اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلي، مؤكدة أن هذه الاعتداءات تعتبر تصعيدا خطيرا وانتهاكا صارخا لكافة المواثيق والقرارات الدولية ومدعاة لتغذية التطرف والعنف وتقويض استقرار المنطقة.

ومن جهتها، أدانت الجزائر، بشدة الاعتداءات الخطيرة التي تعرض لها الفلسطينيون في المسجد الأقصى، على يد القوات الإسرائيلية في انتهاك فاضح لقدسية وحرمة المسجد وتعد سافر على كل القرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة.

والجدير بالذكر أنه منذ بدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عام 1948، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، نحو 310 قرارات تعالج الخلاف بين الطرفين وبعضها يدين إسرائيل ويطالبها بضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، كما اتخذ مجلس الأمن 131 قراراً تعالج بشكل مباشر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن لم يطبّق على الأرض أي منها على أرض الواقع.

غزة وإسرائيل

أما فيما يتعلق بالتصعيد مع غزة، يرى الدكتورعبد المُهدي مطاوع، أن إسرائيل ليس لها أطماع في غزة منذ البداية ومعركتها كلها الضفة والقدس، ولكنها تتعمد الإشارة إلى غزة لإبعاد الكاميرات عن مخططاتها في الضفة والقدس، مؤكدا أنها بذلك تصغر القضية الفلسطينية إلى أزمة غزة وكأن فلسطين هي غزة فقط.

وكشف مطاوع، أن حركة «حماس»، ليس لها رغبة في التصعيد حتى لا تخسر المكاسب الاقتصادية، وكذلك نتنياهو الغير موجود بالحكم والذي كان يدير عمليات التصعيد في إطار الخطر المحسوب.

ولفت الخبير الفلسطيني، إلى أن الحرب الاخيرة خلقت وضعا صعبا إنسانيا واقتصاديا، وكذلك أضعفت القدرات العسكرية لحماس والفصائل.

وأكد أن الهدف الرئيسي لـ«حماس»، هو الحفاظ على بقاء حكمها في غزة بالدرجة الأولى لذا تخشى من التصعيد، أما إسرائيل فلا ترغب بالتصعيد حتى لا توضع في مقارنة حية مع ما يحدث في أوكرانيا.

#القدس_عاصمة_الشجاعة

وعلى خلفية التصعيد الحالي في مدينة القدس، واجهت منصات التواصل الاجتماعي اتهامات بالعنصرية والتعامل بازدواجية المعايير فيما يتعلق بالتعامل مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، وبين اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

ووجه نشطاء فلسطينيون، انتقادات لاذعة إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية الكبرى متهمين إياها بملاحقة المحتوى الفلسطيني.

وفي هذا السياق، أطلق نشطاء فلسطينيون حملة إلكترونية، تحت وسم #فلسطين-عاصمة-الشجاعة، هذا الأسبوع، لفضح الازدواجية والمعايير الغربية التي تمجد مقاومة أوكرانيا، في مقابل إهمال ومحاصرة المقاومة الفلسطينية واتهامها بالإرهاب.

وشارك رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الصور والفيديوهات التي تظهر شجاعة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، في أثناء اقتحام المسجد الأقصى في القدس المحتلة عاصمة الشجاعة، مع الذكر أنه منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قطعت غالبية شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة علاقاتها مع موسكو.

وأعلنت «ميتا» الشركة الأم لمنصتي التواصل الاجتماعي فيسبوك وانستجرام، بإجراء تعديل على قواعدها للسماح برسائل عنيفة ضد الروس الذين يدعمون الحرب في أوكرانيا والجنود الروس المشاركين في الحرب.

موضوعات متعلقة