الزمان
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

وا إسلاماه

إلهــام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام]

رئيسية مجلسي الإدارة والتحرير
رئيسية مجلسي الإدارة والتحرير

فى ختام رحلتنا مع قصة نبى الله عيسى عليه السلام، نقف عند مشهدٍ تأمليٍّ جامع، تتلاقى فيه النصوص وتتقاطع فيه التفاسير، حول واحدة من أكثر المسائل إثارة للبحث: هل رُفع عيسى عليه السلام إلى السماء حيًّا، أم بعد وفاته؟

تتعدد الآيات وتتباين الظواهر، ما بين قوله تعالى: ﴿إنى متوفيك ورافعك إليّ﴾ فى آل عمران، وقول عيسى عليه السلام: ﴿فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم﴾ فى المائدة، ثم النفى القاطع فى النساء: ﴿وما قتلوه يقينًا بل رفعه الله إليه﴾.

فهل كانت الوفاة نومًا؟ وهل كان الرفع بالجسد والروح؟ وما دلالة هذه العبارات على الحقيقة القرآنية؟

فى هذا المقال، نُمعن النظر، ونفكك العبارات، ونستعرض أقوال العلماء، لنرسم صورةً متكاملة، نرجو بها رفع الخلاف، وترجيح الفهم، ونختم بها هذه السلسلة المباركة.

ولنا وقفة تأملية هنا نرسم من خلالها صورةً كاملةً حتى يتسنى لنا رفع الخلاف ويمكننا الترجيح فى مسألة رفعه عليه السلام، هل رُفع حيًّا أم بعد انتقاله؟؟؟؟

فى مشهدٍ قرآنى مهيب، يتردد صدى النداء الإلهى الذى يخاطب اللهُ فيه نبيّه عيسى عليه السلام - فى سورة آل عمران- بقوله: ﴿ يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إليّ﴾، ثم نلاحظ ترديده عليه السلام هذا المعنى بنفسه فى سورة المائدة، مخاطبًا ربّه: ﴿ فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم ﴾، الأمر الذى يوحى بأنه انتقل على الحقيقة.

غير أننا حين نطالع سورة النساء نجد موضعها قد أتى ليحسم هذا الجدل، كيف لا، وهى تعلن فى نفيٍ قاطعٍ: ﴿ وما قتلوه يقينًا، بل رفعه الله إليه﴾.

هنا تتنوع التفاسير، وتُطرح التساؤلات: هل رفع الله عيسى عليه السلام حيًّا بجسده وروحه؟ أم أن الوفاة قد سبقت الرفع، ليكون قد رُفع روحًا لا جسدًا؟؟؟

وإذا كان الله قد توفّاه أولًا، فكيف نوفّق بين هذا وبين نجاته من القتل والصلب، ورفعه إليه فى مقام تكريم؟؟؟

لقد وقف جمهور المفسرين، عند تفسير الآية الأولى ﴿ إنى متوفيك ورافعك إليّ﴾، فرأوا أن المقصود بالوفاة هنا ليس الموت التام، بل "وفاة النوم"، كما أوضح الله تعالى ذلك فى موضعٍ آخر: ﴿الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها ﴾، وعليه، فإن الله ألقى على عيسى عليه السلام نومًا عميقًا، ثم رفعه حيًّا إلى السماء بروحه وجسده، فى صورةٍ من صور العناية الربانية.

أما قوله فى سورة المائدة: ﴿ فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم ﴾، فقد يُتوهم منه أنه مات قبل أن يُرفع، ولكن السياق الذى يرويه لنا عيسى عليه السلام يوم القيامة، وقد انقضت مهمته الأرضية، يبيّن أنه يتحدث عن لحظة انقطاع مباشر بينه وبين قومه، أى بعد أن رفعه الله وانتهى زمن تبليغه، لا عن الموت بمعناه النهائي.... فإذا كان ظاهر الآية يوحى بأن الله عز وجل قد توفاه قبل أن يرفعه، فإن الأخبار قد تظاهرت برفعه، وأنه فى السماء حي، وأنه ينزل ويقتل الدجال، وعليه فيكون المعنى: فلما رفعتنى إلى السماء.

وهكذا تتجلى صورة التناسق لا التعارض، إذ إن النصوص تجمع بين الوفاة النومية، والرفع الجسدى الكامل، والنفى الجازم للقتل والصلب، والراجح أن الله سبحانه وتعالى رفع نبيّه الكريم بجسده وروحه إلى السماء حيًّا، حيث لا يزال فيها إلى أن يشاء الله، لينزل فى آخر الزمان علامةً من علامات الساعة وأماراتها، ويكسر الصليب، ويُقيم العدل، ويكتمل به الفصل الأخير من ملحمة التوحيد الكبرى.

إنها قصة نبيٍّ فيها ما يُدلل على قدرة الله، وعنايته بأوليائه، وإتمام نوره فى وجه الخيانة والتضليل، فقد رفعه الله إليه رفعًا كريمًا يليق بمن قال الله فيه: ﴿ وجيهًا فى الدنيا والآخرة ومن المقربين﴾، ولا عجب فقد وعد الله رسله بنصره، قائلًا: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا».

إنها قصة فيها من العبر ما يدلل على أن الله إذا أراد أمرًا هيّأ له الأسباب، وأجرى المعجزات، ونسف مكر الماكرين، ليبقى الدرس خالدًا: بأن الحق - وإن غُيِّب لحظة- فإنه لا يُغلب، وأن المكر - مهما اشتد- فإنه لا يُفلح أمام إرادة الله.

بهذا نطوى صفحات هذه السلسلة العطرة، التى تعرضنا خلالها لقصص الأنبياء عليهم السلام، سائلين الله تعالى أن ينفعنا بها وبما فيها من دروسٍ وعبر.

دمتم فى رعاية الله وأمانه.

رسالة الأبرار «173»

أوصاف الحور العين

حين يتأمل المؤمن وعد الله لعباده الصالحين، تتجلى أمامه مشاهد الجنة، بما فيها من نعيمٍ مقيم، ورضوانٍ من الله أكبر، ومما يلفت قلب المؤمن ووجدانه فى هذا النعيم ما أعده الله تعالى لعباده المتقين من الحور العين، تلك التى لم تلمسها يد بشر، ولم ترها عين، ولم ولن تخطر على قلب كائنٍ من كان، بل أقصى ما يتصوره هو محاولة التخيل لما جاء فى حقهنّ من وصفٍ ربانى ونبوى يملأ القلب شوقًا، ويبعث النفس نحو الطاعة رجاءً وأملًا.

إنها نفحاتٌ من طيب الجنة......

نساءٌ من طيب الجنة وريحها تجعل النفوس فى اشتياقٍ إلى نعيمٍ لا يزول، وتتوُّقٍ إلى سعادة لا تبور

كيف لا، وقد جعل الله تلك المزيّة للفائزين بالجنات، فقال تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ}؟!!!!

كيف لا، وقد صوّر سيدنا –صلى الله عليها وسلم- أوصافهن، فقال فى الحديث الشريف حين سُئل عن خلق الحور العين: «خُلِقْنَ من ثلاثة أشياء: أسفلهن من المسك، وأوسطهن من العنبر، وأعلاهن من الكافور، وشعورهن وحواجبهن سواد خط فى نور».

يا له من خلقٍ طاهر، لا تتصوره العقول، لا يُخلقن من طينٍ لازب ولا من ماءٍ مهين، بل من أعطر عناصر الجنة وأزكاها، فى صورةٍ مُزج فيها الطيب بالنور، والجمال بالنقاء، فكانت الحور العين تجسيدًا للكمال الإلهى فى الجمال.

ولا عجب فقد روى عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «سألت جبريل فقلت: أخبرنى كيف يخلق الله الحور العين؟ فقال لي: يا محمد يخلقهن من قضبان العنبر والزعفران مضروبات عليهن الخيام، أول ما يخلق منهن: نهدًا من مسك أذفر أبيض عليه يلتام البدن».

إنه خَلق سماوى خالص، فيه كل ما تهواه الأنفس من عطرٍ وصفاء، فالزعفران، والعنبر، والمسك، والكافور، ليست إلا رموزًا لما فى الجنة من خيراتٍ وأسرارٍ لا يدرك كنهها إلا مَن رزقه الله دخولها.

أوصافٌ تنبهر بها العقول، يرويها عبد الله بن عباس – رضى الله عنه- وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، قائلاً: "خلق الله الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض، عليها سبعون ألف حُلّة مثل شقائق النعمان..."

ولم يقف الأمر عند الجمال الظاهري، بل تُكمل الرواية قائلة: "إذا أقبلت يتلألأ وجهها نورًا ساطعًا، كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا، وإذا أقبلت يُرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها، فى رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها، وهى تنادي: هذا ثواب الأولياء جزاءً بما كانوا يعملون."

أيّ صورة هذه؟ وأيّ نعيم؟ جمال ظاهر وباطن، نور يُبهر، ولباسٌ لا يحجب الحسن بل يزيده بهاءً، خَلق ناعم من نور وطيب، حُقّ للقلب أن يُسر بهنّ، وللعين أن تُقرّ بهن.

أما عن صفات هؤلاء الحور من حيث السن والتناسق، فقد جاء فى القرآن الكريم وصفهن بـ {كَوَاعِبَ أَتْرَابًا}، والكاعب هى المرأة التى نهد ثديها، وهى فى أتم نضج الشباب، سنٌّ يُقدّر بثلاث وثلاثين سنة، وهى السن التى هى أعدل ما يكون فى الجمال والنشاط والفتنة.

والأتراب هن اللائى تقارب سنهنّ، وفى هذا الوصف إشارةٌ إلى التساوى الذى يُبهج النفس، فلا تفاوت يُفضى إلى الغيرة أو ميل القلب لبعضهن دون بعض، كما أوضح ابن عاشور فى "التحرير والتنوير" قائلًا: «يجوز أن يكون وصفهن بالأتراب بالنسبة بينهن فى تساوى السن لزيادة الحُسن، أى لا تفوت واحدة منهن غيرها، ويجوز أن يكون هذا الوصف بالنسبة بينهن وبين أزواجهن، لأنه أوفق بطرح التكلّف بين الزوجين، وذلك أحلى المعاشرة".

هذا ليس خيالًا بل هو وعد الله لعباده الصابرين فى الدنيا، الناهين أنفسهم عن اتباع هواها، الممتثلين من خلق الشمس وضحاها، حتى استحقوا نعيمًا لا يُبلى، وسعادة لا تفنى..... ووعد الله لا يُخلف.

فشمّروا عن ساعد الجد، وسِيرواْ إلى الله بقلبٍ طاهر، ولسان ذاكر، وعمل بالإخلاص نابض، ولا تضيعوا هذا النعيم لأجل شهوة زائلة، أو نظرة محرّمة، أو لهوٍ عابر.

دمتم فى رعاية الله وأمانه

click here click here click here nawy nawy nawy