رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

عن الجماعة وقطب أقطابها

شاهدت الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» الذى كتبه المؤلف الدرامى الأستاذ وحيد حامد، مكملًا الجزء الأول الذى يتحدث عن تاريخ الجماعة منذ تأسيسها إلى المعركة القاصمة التى دخلتها مع نظام عبدالناصر فى منتصف الخمسينيات، ثم الإجهاز عليها فى منتصف الستينيات، ولا أدرى متى كان للجماعة شيء من الحظوة عند الشباب فى مصر، إلا أأنها كما يظهر سجلها كانت دائمًَا فى حالة صدام مع السلطات، ولعل استخدامها للعنف فى تصفية خصومها هو ما صنع عزلتها ونفور المواطن العادى صاحب السليقة السليمة منها، المهم أن كاتب المسلسل استغرق كما يقول زمنًا فى البحث والتنقيب لكى يكتب شهادته التى يقولها فى المسلسل من سجل الواقع والأحداث التاريخية وليس تأليفًا وخيالًا، إلى حد أنه أثار عليه بعض الناس من الجانبين، أعنى بما فى ذلك بعض الناصريين الذين بالتأكيد يناصرون عبدالناصر فى استهدافه الإخوان، والنكبة التى ألحقها بهم، وقد قرأت مقالات كثيرة تناولت بالتعليق والتحليل بطل المسلسل سيد قطب، وكيف كان انضمامه إلى الإخوان وسبب هذا الانضمام، وقد اعتمد بعضهم على اقتباسات من كتاب عنوانه «سيد قطب عملاق الفكر الإسلامى» لمؤلفه عبدالله عزام وهو أحد قادة الجهاديين فى أفغانستان، إخوانى من أهل التطرف ومن المؤسسين لفكر القاعدة ومات قتيلًا فى أفغانستان، وقد فند مقولاته وأظهر بطلانها كتاب يحمل أطروحة مضادة هى كتاب الأستاذ حلمى النمنم عن الرمز الإخوانى المتطرف سيد قطب، وأقول لهؤلاء الكتاب إن سيد قطب أصبح فى أذهان تابعيه شخصية هلامية محاطة بالأساطير لأنه خرج عن السياق الطبيعى وهو ما يسمى باللغة الإنجليزية «Cult-figure» Bottom of Formولهذا فهو يصبح فى عيون أتباعه شخصًا غير حقيقى وغير واقعى ويتعاملون معه كما يتعاملون مع كائن خرافى، خاصة لدى أناس مثل الإرهابى مؤلف الكتاب المذكور، أأأما سيد قطب الحقيقى كما ظهر فى المسلسل، فقد كان شخصًا ممسوسًا ومهووسًا بفكرة سيطرت على عقله وقلبه، مقطوعة الصلة بالواقع والتراث الدينى والتاريخ، جعلته يرتدى عباءة عدو البشر، كما أظهره المسلسل، ليس فى قلبه إلا العنف والتدمير والنسف والقتل، وفكرة ثابتة فى ذهنه، أن المجتمع يستحق التدمير لأنه مجتمع جاهلى.

ولا أعتقد هنا أن الكاتب كان يظلم سيد قطب ولكنه فعلًا يصور الرجل كما أصبح بعد عودته من أمريكا، وهذه قصة سمعتها شخصيًا من صديق حميم لسيد قطب وزميل له فى الإخوان وأحد أبناء جيله، أى فى مرحلة عمرية واحدة معه كان يعيش فى السعودية التى فر إليها من مطاردات عام 1954 وزار ليبيا فى منتصف الستينيات، وأجريت معه حديثًا صحفيًا لصحيفة الحرية، وذكر لى أن سيد قطب عاد من أمريكا غير سيد قطب الذى ذهب إلى أمريكا، وطبعًا كلنا يعرف أنه كان ناقدًا أدبيًا فى مجلة الرسالة وكان شاعرًا بمثل ما كان كاتبًا ومفكرًا يتحدث عن الجوانب الإسلامية، ويقتدى بالكاتب الشهير عباس العقاد ويعجب به، وكان صاحب كبرياء، له سمرة أهل الجنوب المصرى، واعتبروه فى أمريكا زنجيًا، وعاملوه بحسابات التفرقة العنصرية التى كانت سائدة فى تلك المرحلة التى زار فيها أمريكا، فكان إحساسه بالإهانة كبيرًا جدًا، إلى حد أنه كره هذه الحضارة التى ينتسب إليها هؤلاء الناس التى تسمى بالحضارة الغربية، واتخذ موقفًا معاديًا منها ومن كل ما يتصل بها ومن يريد اقتباسها، وعاد إلى مصر وقد كبرت فى رأسه هذه الفكرة، ووجد فى جماعة الإخوان غطاءً يمكن أن يرتديه ويتسرب إلى أعضائها بأفكاره، رغم أنه كان ينفر منها ولا يحب لها ذكرًا كما ورد فى المسلسل، فانضم إلى الجماعة بعد عودته من أمريكا، وأخذ فكر الإخوان إلى التطرف وإلى الغلو وإلى مناطق فى التكفير والهجرة من المجتمع لم يبلغها مؤسس الجماعة حسن البنا نفسه.