رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

بنهر من الدموع نودعك يا رسول الله .. مع عمر !! -بقلم الهام شرشر

الهام شرشر
الهام شرشر

وتمضي الأيام سريعا ... و يودعنا رمضان .. تخطف اللحظات الحلوة .. ولا يبقى دوما إلا الدنيا ... وصراعتها .. ليعلوها بعد ذلك ومضات بسيطة من النور .. نتلمسها ونبحث عنها في أطلال تلك الايام الجميلة التي مضت او في الاحلام التي يكون لنا فيها السلوى .. إما بتجدد رمضان أخر .. وإما أن يكبر الحلم .... حين يتسع القلب ويمتلئ الوجدان بعظيم الشوق للحنان المنان سبحانه وتعالى ...

وتبقى أيام سوف تفر وتتسلل من بين أيدينا ... ويا ليتها لا تكون في غفلة منا ... يا ليتنا نحاول أن ننهل منها ... لعلها تحمل رصيدا يعيننا على ما تبقى من أيامنا التي لا نعلم كم لنا فيها .. ليكون من اغلى هذه الأيام .. هي ليلة خير من الف شهر .. اللهم اكتبها لنا .. عمر بها قلوبنا .. اقسم لنا أجرها .. بعد أن تنعم علينا بإحيائها ... والتمتع بعظيم نفحاتها .. وجلال نورها ..

إنها ليلة القدر.. التي هي خير من ألف شهر.. وخير من عبادة ملايين السنين.. فهي خير العبادات.. خير جهاد للنفس..

تلك الليلة.. ليلة.. السلام.. هكذا ذكرها الخالق الحنان المنان.. فهي السلام علي كل من قامها وأحياها وتعبدها.. بما فيها من الرحمة.. فيها السلام بتنزل الملائكة.. فيها السلام علي الأمة كلها.. كي تتحد وتجمع صفوفها.. وتوحد كلمتها.. ليلة السلام من أعدائها.. السلام من أنفسنا وشرورها والعياذ بالله من سوءها..

إنها ليلة القدر ... «إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر» سورة القدر

ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. ماذا عساي أقول..

ليلة القدر التي يفرق فيها كل .... أمر حكيم ويبرم.. فهل من مُدَّكِرْ؟

ليلة القدر.. ليلة الملائكُ والطهر .... إحياء ليلها خير من ألف شهر..

ليلة فيها نزل جبريل بجناحيه ...... ليمسح محييها ويزفه بالبِشّْر

ليلة نزل فيها الروح الأمين ....... بوعد جنة في يوم الحشـــر

سلام هي.. أمان وعتق ..... لأمة خير الأنام.. حتي مطلع الفجر

إنه القيام.. إحياء ليلة القدر.. إنه الاعتكاف في شهر القرآن.. إنه القرآن.. القرآن العظيم.. تلك المعجزة التي لا تشعر بحلاوتها، إلا وأنت تتأمل في كلماته وتتفكر فيها.. وما يعطيك القوة والثقة في الحديث عنه وتلاوته.. فإن لم نكن من أهل الفتوي.. لأن للفتوي أصحابها وعلماءها الأجلاء باركهم الله.. ولكننا مجرد متأملين متفكرين.. للوصول إلي المعاني..

ففي تلك المحاولات متفردين قبل توثيقها من التفاسير.. إنما هو لون من العبادة مطلوبا.. ذلك التأمل والتفكر لما يشتمل عليه من نور إيمان يهدي في المعاني والتفاسير.. فحين توثقها.. تجدك أن الله ساعدك.. حيث ستجد أنه في حدسك الصواب.. ولسوف أدلل لك علي ذلك..

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلي الله عليه وسلم، إذا دخل العشر الأواخر.. شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»..

إنها ليلة القدر التي نتحصل عليها لأنها من أثر النبي صلاة الله عليه وسلم.. فلن يصاحب سيدنا جبريل وملائكة الله ونور رسول الله صلي عليه مليك السماء.. إلا المؤمن الطائع المحب..

وإذا به هو ذلك الضيف الغالي.. يستعد إيذانا بالرحيل .. يرفع يده.. يلوح مودعا.. فنهرع إليه كعادتنا .. نحاول الإمساك به للحاقه.. ولكن دون جدوي.. فلن نوقف الزمن.. لن نتحكم في عقاربه ودقاته.. فهذه سنة الحياة.. سنة الدنيا.. كل زوال وفناء وعدم..

وبإبتسامته ووداعته وحلمه وطيبته.. يقول.. إفشوا السلام والعدل بينكم.. وأطعموا الطعام .. وصلوا والناس نيام.. ولا تنسوا المرضي.. ولا تنسوا الأرامل.. أوصيكم باليتامي.. وأوصيكم بالعواجز.. أوصيكم بالرحمة.. أوصيكم بالتقوي ..وعبادة الخالق.

وبصوت متقطع بالبكاء .. وبشلالات من الدموع في مآقينا تنفجر.. وتهطل لتبلل الأوراق.. وتمزق الكيانات.. لترعد الأجساد.. نبحث حولنا.. فلا سبيل لإثلاج صدورنا.. إلا التمسك بالطاعات.. التعلق ببابه .. لنفوس ملتاعات ليتكرم علينا بجوده وكرمه .. ويسبل علينا قدرا من الرحمات.. كل ما حولنا عبر الزمن.. دائما يدعونا ويدفعنا إلي الإياب إلي الذي لا يبقي إلا وجهه الحي القيوم الدايم الذي أبدا لا يموت.. ولا تأخذه سنة ولا نوم..

اللهم بجاه أهل الجاه .... وبمحل أصحاب المحل وبحرمة أهل الحرمة .. وبمن قلت له ألم نشرح لك صدرك .... اشرح اللهم صدورنا .... بالهداية كما شرحت صدره .... ويسر أمورنا كما يسرت أمره .... يسر لنا من طاعتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك .... لا إله إلا أنت .... الغوث الغوث.. خلصنا من النار يا رب..

اللهم إني أسألك وأتوسل إليك ... بتوحيدك ..وتمجيدك ..وتهليلك ..وتكبيرك ..وتسبيحك ..وكمالك ..وتدبيرك وتعظيمك ..وتقديسك.. ونورك ..ورحمتك.. ورأفتك ..وعلمك.. وحلمك.. وعلوك ..ووقارك.. وفضلك ..وجلالك.. وكمالك .. وكبريائك ...وسلطانك ...وقدرتك ...وإحسانك ..وامتنانك ...وفضلك ...وجمالك ...وبهائك ...وبرهانك ...وغفرانك ...وبنبيك ...ووليك ... وعترته الطاهرين.. أن تصلي علي سيدنا محمد وآله السادة الأشراف العظام، والسادة الصحابة الأوفياء الكرام..

كلما ذكرك الذاكرون.. وغفل عن ذكرك الغافلون..

علينا وبسرعة أن نخرج من فراق و وداع رمضان .. لنلبس ثوب القوة ... قوة عمر .. وإن كانت لن تزيدنا إلا إثارة و شوق وحنين لمصاحبة النبي «صلى الله عليه وسلم» ... ليزداد قوة إيمان .. ولكن انهيار لدين الفراق ... فراق رمضان .. وفراق هؤلاء الأحبة الغاليين ... لأنه كما لو أننا نعيش معهم أو أنهم معنا يعيشون ...

إلــــــــــى عمررررررررررر !!!!!!!! ........

لما نقضت قريش صلح الحديبية بغدرها ..... خشيت من الخطر القادم من المدينة ..... فأرسلت أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة ..... فقدم على رسول الله ..... فدخل على ابنته «أم حبيبة بنت أبي سفيان» ولكن بدون جدوى ...... وخرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم يردّ عليه شيئاً ...... ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله ..... فقال : ما أنا بفاعل ..... ثم أتى عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» فكلمه ..... فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله!!!! .... والله!!!!! ... لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ..... وعندما أكمل النبي ..... استعداده للسير إلى فتح مكة .... كتب «حاطب بن أبي بلتعة» كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم فيه بنبأ تحرك النبي إليهم .... ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه عن طريق الوحي على هذه الرسالة .... فقضى على هذه المحاولة في مهدها .....

فأرسل النبي «عليا»ً و«المقداد» ..... فأمسكوا بالمرأة في «روضة خاخ» على بعد اثني عشر ميلاً من المدينة.... وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم .... ثم استدعي حاطب «رضي الله عنه» للتحقيق .... فقال: يا رسول الله ...... لا تعجل «عليّ» ...... «إني كنت امرأً ملصقاً في قريش» ... وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم ..... فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي ..... ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام .... فقال رسول الله : إما إنه قد صدقكم .... فقال عمر: يا رسول الله .... دعني اضرب عنق هذا المنافق .... فقال : إنه قد شهد بدراً ..... وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً .... فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ......

وفي غزوة حنين ..... باغت المشركون جيش المسلمين ... وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ... وإنحاز رسول الله ذات اليمين .... ثم قال : أين أيها الناس؟؟؟!! .. هلموا إليّ أنا رسول الله: «أنا محمد بن عبد الله» ... فلم يسمع أحد .... وحملت الإبل بعضها على بعض ..... فانطلق الناس إلا أنه بقي مع رسول الله من المهاجرين أبو بكر و عمر .... ومن أهل بيته «علي بن أبي طالب»و«العباس بن عبد المطلب» وغيرهم ....

ويحكي أبو قتادة عن موقف «عمر» في هذه الغزوة فيقول: خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة .... فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين .... فضربته من ورائه على عاتقه بسيف فقطعت الدرع .... وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت فأرسلني .... فلحقت «عمر بن الخطاب» فقلت : ما بال الناس ؟؟!! ... فقال : أمر الله .... ثم رجعوا ....

و قال تعالى عن هذه الغزوة:« لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين » سورة التوبة

وبعد معركة وبينما المسلمون يمرون بالجعرانة .... كان رسول الله يقبض الفضة من ثوب بلال «رضي الله عنه» ويعطي الناس .... فأتى رجل ... وقال لرسول الله : «يا محمد اعدل» .... قال رسول الله : «ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟؟؟!! » .... لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل !!!!!... فقال عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» : دعني يا رسول الله .... فأقتل هذا المنافق .... فقال: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي» ....

وأما في غزوة تبوك ... فقد تصدق بنصف ماله ... وأشار على رسول الله بالدعاء للناس بالبركة عندما أصاب الناس مجاعة .... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان في غزوة تبوك ... أصاب الناس مجاعة .. فقالوا : « يا رسول الله لو أذنت فذبحنا نواضحنا فأكلنا وادَّهنَّا » .... فقال لهم رسول الله : افعلوا ... فجاء عمر فقال : « يا رسول إنهم إن فعلوا قل الظّهر ...ولكن ادعهم فليأتوا بفضل أزوادهم ... فجعل الرجل يجيء بكف الذرة .. والآخر بكف التمر ... والآخر بالكسرة ... حتى اجتمع من ذلك على النطع شيء يسير ثم دعا بالبركة ... ثم قال: «خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم ... حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملأوه ... وأكلوا حتى شبعوا .. وفضلت منه فضلة» .. فقال رسول الله : «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله .. لا يلقى الله بها عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة» ..

لم يلازم عمر نبي الأمة فقط ... حيث كانت موافقته في مواضع كثيرة في القران الكريم .. ولم يلازمه فقط في الغزوات ولكن كان معه في كل لقاءاته القريبة منها والبعيد ....

حيث كان عمر شديد الحرص على ملازمة رسول الله .... وكان «رضي الله عنه» ... إذا جلس إلى رسول الله لم يترك المجلس حتى ينفض .... فهو واحد من الجمع القليل الذي لم يترك رسول الله ..... وهو يخطب حين قدمت عير إلى المدينة ....

كان يجلس في حلقات ودروس ومواعظ رسول الله نشطاً يستوضح ... ويستفهم ... ويلقي الأسئلة بين يدي رسول الله في الشؤون الخاصة والعامة .... ولذلك فقد روى عن النبي «خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثاً» وفي رواية : «خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثاً» ....» ...

حيث اتفق الشيخان في صحيحيهما على ستة وعشرين منها .... انفرد البخاري بأربعة وثلاثين ومسلم بواحد وعشرين والبقية في كتب الأحاديث الأخرى ....

وقد وفقه الله إلى رواية أحاديث لها قيمتها الأولوية في حقيقة الإيمان.. والإسلام... والإحسان ...والقضاء ... والقدر ..وفي العلم ..والذكر .. والدعاء .. وفي الطهارة ... والصلاة .. والجنائز .. والزكاة .. والصدقات .. والصيام ..والحج .. وفي النكاح .. والطلاق .. والنسب .. وغيرها ...

وقد أخذت هذه الأحاديث مكانها في مختلف العلوم الإسلامية، ولا تزال رافداً يمد هذه العلوم ....

حيث أنه عاش أهم دروس الوحي التي كانت خير ملخص له ..

فعن عبد الله بن عمر «رضي الله عنهما» .... أنه قال : أخبرني «عمر بن الخطاب» أنهم بينما هم جلوس - أو قعود - عند النبي .... جاءه رجل يمشي .. حسن الوجه.. حسن الشعر.. عليه ثياب بياض.. فنظر القوم بعضهم إلى بعض.. ما نعرف هذا ؟؟!!!! .... وما هذا بصاحب سفر.... ثم قال: يا رسول الله ... آتيك!!! .. قال: نعم...

فجاء فوضع ركبتيه عند ركبتيه ..... ويديه على فخذيه ..... فقال: ما الإسلام ؟؟؟!! ... قال : «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله .. وتقيم الصلاة .. وتؤتي الزكاة .. وتصوم رمضان ... وتحجّ البيت»...

قال: فما الإيمان؟؟؟!! .. قال : «أن تؤمن بالله ..وملائكته .. والجنة والنّار.. والبعث بعد الموت .. والقدر كلِّه»

قال: فما الإحسان؟ قال : «أن تعمل لله كأنك تراه .... فإن لم تكن تراه فإنه يراك»....

قال: فمتى الساعة؟ قال : « ما المسؤول عنها بأعلم من السَّائل» ......

قال: فما أشراطها؟؟؟ قال: « إذا العُراة الحفاة العالة ... رعاء الشاء تطاولوا في البنيان ... ووَلَدت الإماء أربابهنَّ»

قال: ثم قال عليَّ الرّجُلَ.... فطلبوه فلم يروا شيئاً..... فمكث يومين أو ثلاثة.... ثم قال: يا ابن الخطاب أتدري من السائل عن كذا وكذا؟ .... قال: الله ورسوله أعلم .... قال: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم ....

وهذا الحديث يبين أن الفاروق تعلم معاني الإسلام والإيمان والإحسان بطريقة السؤال والجواب من أفضل الملائكة وأفضل الرسل.

يا الهي على توافق رأي عمر ليس مع القران فقط وإنما مع السنة بصورة تؤكد أنه .. كم كانت قوة الإسلام بداخله .. كم كان نور الله سبحانه وتعالى يملؤه .....

عن أبي هريرة «رضي الله عنه» قال: كنا قعوداً حول رسول الله .... ومعنا أبو بكر وعمر.. في نفر.... فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا .... وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا .... وقمنا ...

فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله .... حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد .... فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة فاحتفزت .... فدخلت على رسول الله .... فقال أبو هريرة ؟ فقلت: نعم يا رسول الله .... قال : ما شأنك؟ قلت: كنت بين ظهرينا .... فقمت فأبطأت علينا .... فخشينا أن تقطع دوننا .... ففزعنا ... وكنت أول من فزع .... فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب ..... وهؤلاء الناس ورائي..... فقال: يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه - «اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة» ...

وكان أول من لقيت عمر .... فقال: ما هذان النعلان يا أبا هريرة ؟؟؟ .... فقلت: هذان نعلا رسول الله ..... بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة ....

ولم يفت رسول الله موقف مهما يكن بسيط إلا أنه كان يستوقفه ليعلم الناس من حوله وإن كان الصحابة الكرام في نفس اللحظة يحاولوا ينهلون منه حتى لا يفوتهم ولو أبسط البسيط ...

عن جابر بن عبد الله أن النبي ... رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة ... فقال: أمتهوكون فيها يا بن الخطاب؟؟؟ ... لقد جئتكم بها بيضاء نقية .... لو كان موسى حيا ً ما وسعه إلا اتباعي .... وفي رواية: أن لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ...

وكذلك حديث عمر الذي كان لا ينقطع عن بدء الخلق .. حتى إنزال أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم .....

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر «رضي الله عنه» يقول : قام فينا النبي مقاماً .... فأخبرنا عن بدء الخلق .... حتى دخل أهل الجنة منازلهم ..وأهل النار منازلهم .... حفظ ذلك من حفظه ... ونسيه من نسيه....

وهذا الحديث يدخل ضمن فقه القدوم على الله الذي فهمه عمر من رسول الله.

وكذلك لم يفت الحديث عن الحلف والرزق ....

عن عبد الله بن عمر«رضي الله عنهما » ... أن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم..... قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله نهى عنها .... ولا تكلمت بها ذاكراً ولا آثراً .....

ليكون من أروع ما قاله الفاروق العادل الذي كان عنده فصل الخطاب ... حيث يعلم الناس ... ماهيتهم .. وعن أصول التعريف بهم التي تزيدهم شرفا وعزة .. لأنها خير وأبقى ...

عن أبي موسى قال: سئل النبي عن أشياء كرهها ؟؟!! ... فلما أكثر عليه غضب ... ثم قال للناس : سلوني عمّا شئتم ... قال رجل: من أبي ؟؟ ... قال: أبوك حذافة ... فقام آخر من أبي ؟؟ قال: أبوك سالم مولى شيبة.... فلما رأى عمر ما في وجهه .... قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل .... وفي رواية: فبرك عمر على ركبتيه ....

فقال: « رضينا بالله رباً ... وبالإسلام ديناً ... وبمحمد نبياً، فسكت »

هذا هو عمر العفيف ... الذي يرسم طريق العفة يا اتباع رسول الله .. هل لنا منه ؟؟!!!.. هل نكون من مؤيديه ؟؟؟؟!!!!!... هل يباركنا الله بخطاه التي هي خطا الرسول «صلى الله عليه وسلم »

عن ابن عباس «رضي الله عنهما» .... أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» ... . فقال: امرأة جاءت تبايعه فأدخلها الدولج .... فأصبت منها ما دون الجماع ؟؟؟ .... فقال: ويحك لعلها مُغيبة في سبيل الله؟ ونزل القرآن:( وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) ( سورة هود .... فقال: يا رسول الله إلي خاصة أم للناس عامة .... فضرب صدره - يعني عمر - بيده ... وقال: لا .... ولا نعمة عين بل للناس عامة .... فقال رسول الله: صدق عمر ....

يحذرنا عمر بألا يكون المتصدق كالكلب حين يرجع عن صدقته ...

عن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» ..... قال: حملت على فرس في سبيل الله ..... فأضاعه صاحبه .... فأردت أن أبتاعه وظننت أنه بائعه برخص ..... فقلت: حتى أسأل رسول الله ..... فقال: لا تبتعه ..... وإن أعطاكه بدرهم ..... فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه .....

حيث كان من صدقاته ووقفه ...

عن ابن عمر «رضي الله عنهما» أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله .... وكان يقال له: ثمغ ... وكان به نخل ..... فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً .... وهو عندي نفيس ..... فأردت أن أتصدق به .... فقال النبي: «تصدق بأصله ... لا يباع .. ولا يوهب .. ولا يورث .. ولكن ينفق ثمر» ...

فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله ... وفي الرقاب .. والمساكين .. والضيف .. وابن السبيل ... ولذوي القربى ... ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف ... أو يؤكل صديقه غير متمولٍ به ...

كان رسول الله على درجة كبيرة من العطاء .. حيث أنه كان يهدي صحابته .. ليظل أثرها عميقا في نفوس أبنائه ......

حيث حدثنا .. عن ابن عمر قال: رأى عمر على رجل حلة من استبرق ... فأتى بها إلى النبي .... فقال: « يا رسول الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك» ...... قال :« إنما يلبس الحرير من لا خلاق له» ....

فمضى من ذلك ما مضى ... ثم إن النبي بعث إليه بحلة ... فأتى بها النبي ...... فقال: بعثت إلي بهذه ... وقد قلت في مثلها أو قال في حُلة عطارد ما قلت :قال : إنما بعثت إليك لتصيب بها مالاً .....

وفي رواية: ... فكساها عمر أخاً له بمكة قبل أن يسلم .....

وأما هدية النبي لابن عمر ... فعن عبد الله بن عمر قال: كنا مع النبي في سفر ..... فكنت على بكر صعب لعمر .... فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم .... فيزجره عمر ويرده ..... فقال النبي لعمر: بعنيه .... قال : هو لك يا رسول الله ... قال: بعنيه: فباعه من رسول الله ...فقال النبي : هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت ....

وكان دائما لا يفوت عمر أن يكون عطائه لأهل بيته ... مثل عطائه للأمة .. فلا يمكن أن يمكن أن يكون عطائه للأمة مثلما كان بكل هذه القوة والتركيز مع إهمال بيته .... بل قد يكون من أسباب البركة لإداء أمانة الأمة عنده هو عدم إغفال أو إهمال تربية أبنائه .....

عن عبد الله بن عمر «رضي الله عنهم» أن رسول الله قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ... وهي مثل المسلم » ... حدِّثوني ما هي؟؟؟ فوقع الناس في شجر البادية .... ووقع في نفسي أنّها النخلة .... قال عبد الله: فاستحييت ..... فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها..... فقال رسول الله : هي النخلة....

قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي ..... فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا ....

وما كان وما أجمل ما كان .. من دعاء رسول الله «صلى الله عليه وسلم » لعمر ...

رأى النبي على عمر ثوباً - وفي رواية قميصاً أبيض - فقال: أجديد ثوبك أم غسيل؟؟؟!! ... فقال: بل غسيل ....

فقال: «البس جديداً ... وعش حميداً ... ومُت شهيداً».....

ضرب عمر مثالا غاية في الروعة ... وهو يحاول أن يستر ابنته برجلا بعد وفاة زوجها .. ولعل رجالنا يتخذون من موقف الفاروق العادل أمير المؤمنين مثالا لأنهم لن يزيدون عليه .. فكيف أن يتملكهم الكبر في مساعدة بناتهم وهم يبحثون لها عن رجل تكون في حصنه و عصمته .. يعفيها من زلات الزمان وعثرات الأيام ...

فهل نكون أكثر من ابن الخطاب الذي عرض ابنته على الصحابة الإجلاء عثمان بن عفان و أبي بكر الصديق ...... دون خجل .... وأخيرا وبمجرد أن عرضها على رسول الله الذي وافق على أن يتزوجها فورا دون حرج ولا كبر ايضا منه بل إعزازا للفاروق العادل ....

قال عمر «رضي الله عنه» : حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي .... وكان من أصحاب رسول الله فتوفي في المدينة .... فقال عمر: أتيت «عثمان بن عفان» فعرضت عليه حفصة بنت عمر ..... قال : قلت: إن شئت أنكحتك حفصة .... فقال: سأنظر في أمري .... فلبث ليالي .... ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج ....

قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق .... فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر .... فصمت أبو بكر «رضي الله عنه» فلم يرجع إليَّ شيئاً ..... فكنت عليه أوجد مني على «عثمان بن عفان»، ..... فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله .... فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر .... فقال: «لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً» ...

قال عمر: نعم !!! .. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي .... إلا أني كنت علمت أن رسول الله قد ذكرها .... فلم أكن لأفشي سر رسول الله .... ولو تركها رسول الله لقبلتها ،،،،

ولا ننسى موقف الفاروق العادل وما سجلته الايام والسيرة النبوية وسيرة الصحابة له من غيرة عظيمة عليه .. وحب أعظم حتى على زوجاته ....

عن ابن «عباس رضي الله عنه» قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر «رضي الله عنه» عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالى: «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا»؟؟!! ... حتى حجَّ عمر وحججت معه .... فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة .... فتبرز ثم أتاني ... فسكبت على يديه فتوضأ ..... فقلت : يا أمير المؤمنين ..... من المرأتان من أزواج النبي اللتان قال الله تعالى: « إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» ؟؟!!!... (؟

فقال عمر: « واعجبا لك يا ابن عباس» ...

قال الزهري: كره ..... والله ما سأله عنه ولم يكتمه عنه - قال هي حفصة وعائشة... قال: ثم أخذ يسوق الحديث، قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء .... فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ... فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم .... قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي ..... قال: فتغضبت يوماً على امرأتي .... فإذا هي تراجعني .... فأنكرت أن تراجعني .... فقالت: ما تنكر أن أراجعك .... فو الله إن أزواج النبي ليراجعنه .... وتهجره إحداهنَّ اليوم إلى الليل ..... قال: فانطلقت .. فدخلت على حفصة .... فقلت: أتراجعين رسول الله ؟؟!! ... قالت : نعم !!!! ... قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل .... قالت : نعم .... قلت : قد خاب من فعل ذلك منكنَّ وخسر .... أفتأمن إحداكن أن يغضب عليها لغضب رسول الله ؟؟!! ... فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله ولا تسأليه شيئاً .... وسليني ما بدا لك ....

ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله منك - يريد عائشة - قال : وكان لي جار من الأنصار .... وكنّا نتناوب النّزول إلى رسول الله .... فينزل يوماً ... وأنزل يوماً .... فيأتيني بخبر الوحي وغيره .... وآتيه بمثل ذلك .... قال: وكنا نتحدث أن غسّان تُنْعلُ الخيل لتغزونا ..... فنزل صاحبي يوماً .... ثم أتاني عشاءً فضرب بابي ..... ثم ناداني فخرجت إليه .... فقال: حدث أمر عظيم ..... فقلت : وماذا أجاءت غسان ؟؟ .... قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول .... طلق الرّسول نساءه..... فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، ..... قد كنت أظن هذا كائناً...... حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ..... ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي ..... فقلت أطلقكن رسول الله!!!!.... فقالت: لا أدري .....

هو هذا معتزل في هذه المشربة: فأتيت غلاماً له أسود .... فقلت: استأذن لعمر ...... فدخل الغلام ثم خرج إليَّ ...... فقال: قد ذكرتُك له فصَمتَ ...... فانطلقت حتى أتيت المنبر ..... فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، ..... فجلست قليلاً ..... ثم غلبني ما أجد ..... فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر فدخل ثم خرج إليَّ...... فقال: قد ذكرتك له فصمت ... فوليت مدبراً ..فإذا الغلام يدعوني ...فقال: ادخل.... فقد أذن لك....

فدخلت ..... فسلمت على رسول الله .... فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه ..... فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك ؟؟؟ ..... فرفع رأسه إلي وقال؟ لا. ..... فقلت: الله أكبر ......لو رأيتنا يا رسول الله ....... وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ..... فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم .... فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ....... فتغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني .... فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك؟؟؟؟ ..... فوالله إن أزواج رسول الله ليُراجعنه !!!! وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل..... فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر ...... أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ؟؟؟؟ ....

فتبسم رسول الله ?، فقلت يا رسول الله ...... فدخلت على حفصة ..... فقلت: لا يغرَّنك إن كانت جارتك هي أوسم وأحبَّ إلى رسول الله منك .... فتبسم أخرى ... فقلت: أستأنس يا رسول الله؟؟؟؟ ... قال: نعم!!!! ... . فجلست ..... فرفعت رأسي في البيت .... فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرُدُّ البصرَ إلا أهبة ثلاثة ..... فقلت : ادع يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وُسِّع على فارس والروم ..... وهم لا يعبدون الله ..... فاستوى جالساً ..... ثم قال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟؟؟؟ ..... أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ..... فقلت: استغفر لي يا رسول الله...... وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل .......

لقد من الله سبحانه وتعالى على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. عظيم المنة من الإيمان والعلم والدين .....

فقد جاء في منزلة إيمانه «رضي الله عنه» .... ما رواه عبد الله بن هشام .... أنه قال : كنا مع النبي .... وهو آخذ بيد «عمر بن الخطاب» فقال له عمر : «يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي» .... فقال النبي: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك..... فقال له عمر: «فإنه الآن والله لأنت أحبُّ إليّ من نفسي» .... فقال النبي: الآن يا عمر ....

وأما علمه فقد قال رسول الله: بينما أنا نائم شربت - يعني اللبن - حتى أنظر إني الرّي يجري في ظفري أو في أظفاري .... ثم ناولت عمر..... فقالوا : فما أولته قال العلم .... وجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سبباً للصلاح ..... فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي ..... وفي الحديث فضيلة - ومنقبة لعمر «رضي الله عنه» - وإن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها ..... وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره ..... والمراد بالعلم - في الحديث - سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله .......

واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر ..... وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان ..... فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة ..... فلم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ..... ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس ...... بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان ..... فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر في طواعية الخلق له ...... فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف عليُّ فما ازداد الأمر إلا اختلافاً والفتن إلا انشاراً .....

وأما دينه ..... فقد قال رسول الله: بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص .... فمنها ما يبلغ الثدي .... ومنها ما يبلغ دون ذلك .... وعرض على عمر وعليه قميص اجتره.... قالوا فما أولته يا رسول الله؟؟؟

قال: الدين

و كان حقا لعمر أمام قوة إيمانه وحبه لله ورسوله .. أن يرهب الله سبحانه وتعالى الشيطان منه ... تلك الرهبة التي كانت من شدة رهبته من الله سبحانه وتعالى .. لتفوق إخضاع البشر له أو رهبتهم منه بل رهبة الشيطان نفسه .........

عن سعد بن أبي وقاص «رضي الله عنه» قال : استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله .... وعنده نسوة من قريش يكلمنه .... ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته .... فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ..... فأذن له رسول الله صلى فدخل عمر ورسول الله يضحك ......

فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي: « عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي .... فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ......

قال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ؟؟؟ ... ثم قال عمر : يا عدوات أنفسهن ... أتهبنني ؟؟؟!! .... ولا تهبن رسول الله ؟؟؟؟!!!.... فقلن: نعم !!!! ..... أنت أفظ وأغلظ من رسول الله !!!! ... فقال رسول الله : « إيها يا ابن الخطاب !!!! .... « والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً آخر »

هذا الحديث فيه بيان فضل عمر «رضي الله عنه» ..... وأنه من كثرة التزامه الصواب لم يجد الشيطان عليه مدخلاً ينفذ إليه ....

قال ابن حجر: فيه فضيلة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه ..... لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة..... إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ..... ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته ...... فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة .... لأنه إذا منع من السلوك في طريق ..... فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ..... ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له ...... لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة .... ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ: إن الشيطان ....

لا يلقى عمر منذ أسلم إلا فر لوجهه ...... وهذا دال على صلابته في الدين .... واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض ..... وقال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره .... وأن الشيطان يهرب إذا رآه: ...

وقال عياض: يحتمل أن يكون ذاك .... على سبيل ضرب المثل .... وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان قال ابن حجر والأول أولى ....

واستحق هكذا الفاروق العادل .. استحق ان يكون ثاني الخلفاء الراشدين الذي يلي الصديق «رضي الله عنه » .. ليظل تاريخا طويلا .. حيث أنه إذا كان الهامه قد توافق مع الوحي .. ليكون له ذلك مؤشرا وعلامة ودليلا .. لأن يكون ملهما لأمة محمد .. ليكون ذلك الالهام أحد من القوانين .. وأشد من ضربة السيف ... لأن مصدر الهامه كان كلام الله .. كان القران وسنة النبي العدنان «صلى الله عليه وسلم» ..

قال رسول الله : «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون .... فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» ....

هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة للفاروق «رضي الله عنه» ..... وقد اختلف العلماء في المراد بالمحدَّث.....

فقيل : المراد بالمحدث : الملهم.....

وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد ....

وقيل: مكلم أي: تكلمه الملائكة بغير نبوة.. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلماً في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام.....

قال ابن حجر: والسبب في تخصيص عمر بالذكر ..... لكثرة ما وقع له في زمن النبي من الموافقات ..... التي نزل القرآن مطابقاً لها ووقع له بعد النبيعدة إصابات ......

وكون عمر «رضي الله عنه» اختص بهذه المكرمة العظيمة وانفرد بها دون من سواه من الصحابة ..... لا تدل على أنه أفضل من الصديق «رضي الله عنه» ....

قال ابن القيم: ولا تظن أن تخصيص عمر «رضي الله عنه» بهذا تفضيل له على أبي بكر الصديق ..... بل هذا من أقوى مناقب الصديق .... فإنه لكمال مشربه من حوض النبوة .... وتمام رضاعه من ثدي الرسالة .... استغنى بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره ..... فالذي يتلقاه من مشكاة النبوة أتم من الذي يتلقاه عمر من التحديث .... فتأمل هذا الموضع وأعطه حقه من المعرفة ..... وتأمل ما فيه من الحكمة البالغة الشاهدة لله بأنه الحكيم الخبير .....

وكذلك لم أر عبقرياً يفري فريه:

قال رسول الله : رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب... فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له .... ثم جاء عمر بن الخطاب «فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن»

ومعنى استحالت : صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر ....

وأمّا «العبقري» : فهو السيد وقيل: الذي ليس فوقه شيء ومعنى ...

«ضرب الناس بعطن» : أي أرووا إبلهم ثم آووا إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح

وهذا المنام الذي رآه النبي .... مثال واضح لما جرى للصديق وعمر «رضي الله عنهما» في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما ...

فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة ... وقطع دابرهم .. وأشاع الإسلام ... رغم قصر مدة خلافته فقد كانت سنتين وأشهراً .... فوضع الله فيها البركة ... وحصل فيها من النفع الكثير .... ولما توفي الصديق خلفه الفاروق فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه .... وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله .... فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لطولها فقد مصر الأمصار ... ودون الدواوين ... وكثرت الفتوحات والغنائم ...

ومعنى قوله «فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه» : أي لم أر سيداً يعمل عمله ويقطع قطعه ومعنى قوله : حتى ضرب الناس بعطن ....

قال القاضي عياض ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة .... وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً ... لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر ....

«وضرب الناس بعطن» ..... لأن أبا بكر قمع أهل الردة .... وجمع شمل المسلمين .... وألفهم .. وابتدأ الفتوح ... ومهد الأمور .... وتمت ثمرات ذلك .... وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب «رضي الله عنهما» .....

لا أدري ماذا اتب ولا اعرف ماذا اقول عن قمة الخلق والامانة والرقي والعفة والترفع لرسول الله .... وهو رسول الله .. الذي كانت السماوات والأرض من أجله .. إلا أنه كان شريفا عفيفا ... حتى تجاه جارية .. خاصة جارية عمر ..

ليكون الوفاء العظيم والحب الكبير من الفاروق العادل عمر له ...

يا آلهي سيمفونية إنسانية عظيمة راقية ... هل لنا أن نتعلم منها شيئ ؟؟؟!!!!... هل ندرك سر تلك العلاقة أكثر من ذكرى نرددها .. تكون عملا نرتقي به في كل تعاملتنا !!!!!....

قال رسول الله : رأيتني دخلت الجنة .. فإذا أنا بالرميصاء «امرأة أبي طليحة» ... وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ ؟؟.... فقال: هذا بلال ... ورأيت قصراً بفنائه جارية ... فقلت لمن هذا؟؟؟ فقالوا: لعمر ... فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك....

فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار ؟؟؟!!! ....

وفي رواية قال رسول الله : بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبراً..... فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله ...

هذان الحديثان اشتملا على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» حيث أخبر النبي

برؤيته قصراً في الجنة للفاروق وهذا يدل على منزلته عند الله تعالى ....

نحبك يا عمر .. لأن رسول الله أحبك يا عمر .....

نحبك يا عمر .. لأنك أحببت رسول الله عنا وعنك يا عمر ....

قال عمرو بن العاص «رضي الله عنه» : قلت يا رسول الله ... أيُّ الناس أحبّ إليك؟؟؟.. قال: عائشة قلت : يا رسول الله ... من الرجال؟ قال: أبوها .... قلت: ثم من؟ قال: ثم «عمر بن الخطاب» ثم عدّ رجالاً ...

كم استحقيت يا عمر أن تكون من المبشرين بالجنة .. الجنة التي أحببناها من الله عز وجل ومن النبي الكريم .. وتمنيناها معك يا عمر لصحبة النبي الحبيب الشفيع المختار .....

عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة .... فجاء رجل فاستفتح فقال النبي: افتح له وبشره بالجنة .... ففتحت له .... فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله : فحمد الله ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي : «افتح له وبشره بالجنة ... ففتحت له فإذا هو عمر» ... فأخبرته بما قال النبي ...فحمد الله ... ثم استفتح رجل .... فقال لي افتح له وبشره بالجنة .... على بلوى تصيبه فإذا عثمان .... فأخبرته بما قال رسول الله ... فحمد الله ..... ثم قال: الله المستعان ...

بعد رحلة الحب الطويل ... بعد ملاصقة الابدان ... وذوبان الأرواح .. ورغم الإيمان بالله العلي العظيم ... تبقى هناك الحقيقة .. التي تعلو كل حقيقة .. لأنها الابقى والأكثر خلودا .. «حقيقة الموت» ..

بعد كل ما كان من الأيام .. بعد كل ما مضى منها من أحداث صغيرة كانت أو عظام ... ورغم كل الآمال تعلو أعنف الآم وهي تؤكد حقيقة تلك الايام رغم ما كان فيها من حياة أو تصورنا أن فيها من حياة .. إلا أنها العدم أمام الحياة الابدية الأخرى ...

وللامانة يبدأ العدم في الدنيا .. بفقدان الأحبة الغاليين الراحلين فيها .. وكأننا عشنا مع عمر ..كان جزء منا .. بعدما عشنا مع عمر قوته وحبه لله ولرسوله .. الذي شق وجنتيه سواد إلا أنه كان نور ... بدموع تلك المحبة وهذا العشق .. هذا الحب الذي شق قلبه لشدة تعلقه برسول الله .. فما كان إلا قلبا نابضا يمشي على الأرض ...

بعد أن عشنا معه حبه لله ورسوله .. وقلّبنا معه إيمان جميل .. يقلِب علينا اليوم مواجع عظيمة .. بفراق رسول الله «صلى الله عليه وسلم » ... ذلك الفراق الذي يصحو معه عظيم من الأشجان والألم .. يعمقه فراق أيام جميلة .. أيام رحمة وغفران وعتق من النيران ... لتخطلط المشاعر والاحاسيس فتتعاظم لحظة الألم نحو الحقيقة الوحيدة في ذلك الوجود وهي ا الفراق ..

لأنه إذا كان الموت حقيقة .. ونحن نؤمن به إيمانا مطلقا .. ولكن يكون الألم فيه لذلك الفراق .. الذي نشعر معه لنتأكد أن الحياة لا تساوي شيئ ... أى شيئ .. لاتساوي حتى جناح بعوضة ...

معك يا عمر في حزنك على رسول الله «صلى الله عليه وسلم » .. لنبكيه منذ أن جئنا إلى الدنيا .. وحتى نودعها .. سنظل نبكيه .. وحتى نراه .. لأنه كان الخلق الأعظم الجميل .. كان قرانا يمشي على الأرض .. كان رحمة الله فوق الأرض .. كان رحمة الله على الأرض حقا ...

حقيقة حيث كان حيا يعيش وذكرى اطلال لتلك الرحمة .. التي نسأل العزيز القدير أن تمتد إلينا .. فوق الأرض وتحت الأرض ويوم الأرض تشفعا بنبي الرحمة «صلى الله عليه وسلم »...

بدأ المرض يقعده فى بيته« صلى الله عليه وسلم» عند السيدة عائشة «رضى الله عنها وأرضاها» ودخل عليه ابن مسعود «رضى الله عنه» ... وذلك حين استشعروا بدنو الفراق .... فإذا برسول الله «صلى الله عليه وسلم» ينظر إليهم حيث دمعت عيناه «صلى الله عليه وسلم» ...... ثم قال مرحبا بكم .... حياكم الله .... آواكم الله .... نصركم الله .... وأوصيكم بتقوى الله وأوصى بكم الله ..... « إنى لكم منه نذير مبين» أن لا تعلوا على الله من بلاده وعباده... . وقد دنا الأجل والمنقلب إلى الله ... وإلى سدرة المنتهى ... وإلى جنة المأوى .... وإلى الكأس الأولى .... فاقرءوا على أنفسكم وعلى من دخل فى دينكم بعدى منى السلام ورحمة الله.....

ثم طلب إليهم «صلى الله عليه وسلم» أن يغسلوه بسبع بقرب من سبع آبار ..... ففعلوا ذلك حيث وجد راحة .... فخرج فصلى بالناس.... واستغفر لأهل أحد ودعا لهم .... وأوصى بالأنصار لا تزيد على هيئتها التى هى عليها اليوم .... وقال: «إن الأنصار عيبتى التى آويت إليها فأكرموا كريمهم ..... أى محسنهم .... وتجاوزوا عن مسيئهم» ثم قال : «إن عبدا خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله» ......

فبكى أبو بكر «رضى الله عنه» ..... وظن أنه يريد نفسه فقال النبى «صلى الله عليه وسلم» على رسلك يا أبا بكر .... سدوا هذه الأبواب والشوارع فى المسجد .... إلا باب أبى بكر فإنى لا أعلم أمرا أفضل عندى فى الصحبة من أبى بكر ..... ثم دخل عبد الرحمن أخو السيدة عائشة «رضى الله عنها» وبيده سواك فجعل ينظر إليه .... فعرفت أنه يعجبه ذلك ... .. فقالت له : آخذه لك فأومأ برأسه أى نعم.... فناولته إياه فأدخله فى فيه ....فاشتد عليه.... فقالت: ألينه لك ... فأومأ برأسه .... أى قال: نعم .... فلينته وكان بين يديه ركوة ماء فجعل يدخل فيها يده ...

ويقول: «لا إله إلا الله أن للموت لسكرات » ثم نصب يده يقول الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى .... فقالت : « إذا والله لا يختارنا» ....

وفيما بعد قالت : جمع الله بين ريقى وريقه عند الموت ..... حيث قصت ما حدث مع أخيها ..... ولما رأت الأنصار أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يزداد ثقلا ...ً.. أقاموا بالمسجد فدخل العباس «رضى الله عنه» على النبى «صلى الله عليه وسلم» فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ..... ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ....ثم دخل عليه على «رضى الله عنه» فأعمله بمثله..... فمد يده وقال: « ما تتناولون» .. فقال : ما تقولون؟؟؟!! قالوا : نقول : نخشى أن تموت وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبى «صلى الله عليه وسلم» ....

فسار رسول الله «صلى الله عليه وسلم» متوكئاً على علىَّ والفضل... والعباس أمامه.. ورسول الله «صلى الله عليه وسلم» معصوب الرأس يخط برجليه .... حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه ..

وقال: «أيها الناس أنه بلغنى أنكم تخافون علىَّ الموت .... كأنه استنكار منكم للموت .... وما تنكرن من موت نبيكم ألم أنع إليكم وتنعى إليكم أنفسكم .... هل خلد نبى قبلى؟؟!!!! .. فيمن بعث فأخذ فيكم!!!! .. ألا إنى لاحق بربى ... وأنكم لاحقون به » ...

وإنى أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا ..... وأوصى المهاجرين فيما بينهم .... فإن الله عز وجل قال : «والعصر، إن الإنسان لفى خسر، إلا الذين آمنوا...» «سورة العصر»..

وأن الأمور تجرى بإذن الله عز وجل .... لا يعجل لعجلة أحد .... ومن غالب الله غلبه .... ومن خادع الله خدعه ...... «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم» سورة محمد

وأوصيكم بالأنصار خيرا ..... فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا إليهم ..... ألم يشاطروكم الثمار ...... ألم يوسعوا عليكم فى الديار .... ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة .... إلا فمن ولى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم .... وليتجاوز عن مسيئهم ألا ولا تستأثروا عليهم ..... ألا وأنى فرط لكم .... وأنكم لاحقون بى ..... ألا وأن موعدكم الحوض حوضى ..... أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن .... يصب فيه ميزاب الكوثر...... ماء أشد بياضا من اللبن .... وألين من الزبد وأحلى من الشهد .... من شرب منه لم يظمأ أبدا .....

أبدا حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك .... من حرمه من الموقف فقد حرم الخير كله .....ألا فمن أحب أن يرده على غدا ..... فيلكفف لسانه ويده الا مما ينبغى ....