تنحصر في الأراضي وندرة في المياه.. مصر تواجه أزمة غذائية بسبب التغيرات المناخية

رئيس مركز البحوث الزراعية: التغيرات الحرارية ملموسة لا نريد تصديقها
عاشور: تهدد بغرق مليون فدان وتشريد 15 مليون مواطن
عيد: التغيرات المناخية أزمة وزارة الرى وليست الزراعة
نقيب الفلاحين: أدت إلى تملح أراضى شمال الدلتا
باتت ظاهرة التغيرات المناخية تمثل عاملا مهما فى تحديد مسارات الحياة، وتفاقمها يهدد مصادر الغذاء والإنتاج، حتى أصبحنا بحاجة لمواجهة أثرها المتوقع على كافة نواحى الحياة بالرغم من تخطى مرحلة التشكك فى مدى مصداقية المشكلة إلى الواقع الذى أصبحنا نعيشه، والذى يتطلب وضع خطة إستراتيجية لإبعاد جميع المنشآت الصناعية والمشاريع الزراعية عن المناطق المتوقع حدوث الأضرار بها نتيجة التغيرات المناخية ومنع أى استثمارات إستراتيجية بهذه المناطق، والعمل على تفعيل قياس معدل التغيرات المناخية، من خلال برامج علمية تتبناها الدولة تضم كافة التخصصات المهتمة بالتغيرات المناخية.
«الزمان» تفتح الملف للوقوف على حقيقة تلك التغيرات وأثرها على قطاعات الزراعة والصناعة والأهم الجغرافية السكانية.
الدكتور محمود مدنى رئيس مركز البحوث الزراعية، أكد أن مصر تقع فى الحزام العالمى للمناطق شديدة القحولة، والتى تتميز بارتفاع درجات الحرارة فيها بصورة مستمرة، غير أن الكثيرين من المهتمين بالأرصاد الجوية لا يصدقون ذلك الواقع .
وأوضح لـ«الزمان» أن مدة تواجد أى محصول فى الأرض الزراعية تتراوح بين 4 و6 شهور، وأننا عند حساب متوسط درجات الحرارة على مدار تلك المدة نجده فى الحدود المثلى التى لا تمثل أى خطورة على الإنسان أو النبات.
أشار مدنى إلى أن الواقع يؤكد ارتفاع درجات الحرارة خلال يوم واحد بمعدل 30 درجة مئوية عن معدلاتها الطبيعية، فتحترق النباتات خاصة إذا تصادف ارتفاع الحرارة وقت التزهير فلا بد أن تنخفض إنتاجية المحصول بصورة ملموسة، لافتا إلى زيادة استهلاك المحاصيل للمياه نتيجة ارتفاع الحرارة .
وقال رئيس مركز البحوث الزراعية، إن الميزان الحرارى للأرض اختل بحيث أصبح الصيف حارا جدا، والشتاء باردا جدا، وهو ما يتطلب عمل غرف محاكاة لطبيعة نمو المحاصيل المختلفة، لدراسة حجم تأثر إنتاجية كل محصول مع هذه المتغيرات التى نعيشها ونملسها ولا نريد أن نصدقها.
وحول التأقلم مع التغيرات المناخية، بيّن مدنى أنها تتطلب تغيير مواعيد زراعة الحاصلات، واستخدام أصناف مقاومة للحرارة والملوحة، وزيادة إنتاجية وحدة المياه باستخدام مقننات مائية مقدرة وفقا للظروف الحرارية، واستخدام وسائل الهروب من مشاكل التربة والإنتاج المكثف عن طريق تطوير نظم الزراعة دون تربة .
وتوقع رئيس مركز البحوث الزراعية أن تؤدى التغيرات المناخية إلى انخفاض إنتاجية محصول القمح بنسبة 18%، والذرة الصفراء والشامية 19% ، والذرة الرفيعة 19% والأرز 11% وفول الصويا 28% وعباد الشمس 28% وقصب السكر 25%، فيما ستنخفض إنتاجية الفدان من الطماطم 51%، أما محصول القطن فمن المتوقع زيادة إنتاجيته 17%.
نسبة التغيير فى إنتاجية بعض المحاصيل الرئيسية فى مصر تحت ظروف التغيرات المناخية مقارنة بالإنتاجية تحت الظروف الجوية الحالية.
فى سياق متصل، أوضح الدكتور محمود عاشور، نائب رئيس الاتحاد الجغرافى الدولى سابقا، أن مستوى سطح الدلتا ينخفض سنويا بمعدل ملليمتر، فيما يرتفع منسوب مياه البحر ملليمتر آخر، ما يعنى أن مستوى سطح البحر يرتفع 2 ملليمتر سنويا، وهو ما ينذر بغرق الدلتا نهاية القرن الحادى والعشرين.
وأضاف عاشور أن هناك أربعة سيناريوهات لغرق الدلتا الأول ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل نصف متر، والثانى ارتفاع مستواه مترا كاملا، والثالث ارتفاعه مترا ونصف، والرابع ارتفاع البحر ثلاثة أمتار وفى هذه الحالة تزول محافظات الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ودمياط من الخريطة، حسب ما توضحه الخريطة التالية.
وتوقع الدكتور عاشور أن تغمر المياه ما يقرب من مليون فدان من الأراضى الصالحة للزراعة، وأن يصبح حوالى 15 مليون من السكان بلا مأوى، وستتحول المدن الساحلية الكبرى مثل الإسكندرية ودمياط وبورسعيد إلى جزر صغيرة محمية، وستنتهى تماما العديد من المصانع والمئات من القرى والنجوى، وستدمر كل المواقع الأثرية فى شمال الدلتا.
وحذر نائب رئيس الاتحاد الدولى من فقدان 15% من الدلتا نتيجة، بحلول 2025 نتيجة زحف مياه البحر على باطن الأراضى الزراعية، لافتا إلى حتمية بناء سلسلة تلال رملية خطية متتالية لا تقل عن 3 أمتار، موازية لساحل البحر أو خط الكنتور الأرضى.
وقال عاشور إن شمال شرق الدلتا يعانى من الكثافة السكانية العالية بمعدل 1272 مواطن فى الكيلو متر المربع، والتى ترتفع فى شمال غرب الدلتا إلى 1615 مواطنا، أما ذروتها فتقع فى جنوب وسط الدلتا بمعدل 3743 مواطن للكيلومتر، فيما يقدر المتوسط العالمى 230 فردا للكيلومتر.
وطالب عاشور بإنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع تغيرات المناخ والآثار المترتبة عليها، تتولى إنشاء قاعدة بيانات تحتوى على جميع المعلومات ذات الصلة على أن تكون قاعدة البيانات هذه متاحة لجميع المستخدمين ووضع خطة لنقل السكان من الدلتا إلى شمال سيناء، بإقامة مدن صناعية صغيرة تتولى تصنيع منتجات مطلوبة فى الأسواق العالمية ولا تتطلب تكنولوجيات عالية.
وقال الدكتور عاشور: من الخطأ الاعتماد فى نقل ملايين السكان على النشاط الزراعى، لأن مصر لم تعد دولة زراعية كما كانت نتيجة فقرها فى مواردها المائية، وانخفاض نصيب الفرد من الأرض الزراعية لأقل من 09. فدان مقابل 1.2 فدان عام 1820 ميلادية.
من جانبه أوضح الدكتور محمد عيد مدير مكتب تسويق التكنولوجيا بمركز البحوث الزراعية، أن التفاصيل الدقيقة عن مشكلة تغيير المناخ وتأثيره على طبيعة الأراضى الزراعية بالدلتا وحجم الأراضى التى تعرضت لتأثير واضح من ارتفاع مياه البحر تعلمها وزارة الرى، لافتا إلى أن كل ما يتعلق بالدلتا والتغيرات المناخية مسئولية الرى وليست وزارة الزراعة.
وأضاف عيد أن ما يهم الزراعة هو امتلاك مياه صالحة وأراضى جيدة ولا بد أن يكون للمياه مواصفات خاصة، وهناك دراسة شاملة وتتبع لمشكلة إزاحة أراضى الدلتا، وكذا عملية البحث عن حلول سواء عن طريق سدود أو غيرها ومعرفة ما إذا كانت السدود التى تم بناؤها عند رشيد كافية أم لا، كل ذلك تحدده وزارة الرى.
وحول الحصاد المبكر لمحصول القطن فى بداية شهر أغسطس هذا العام أكد الدكتور عيد أنه لا يعنى تأثره بمشكلة منسوب البحر لأن القطن إذا تمت زراعته على سبيل المثال فى شهر فبراير فسيكون حصاده فى أغسطس، وإذا تمت فى شهر مارس فسيكون حصاده فى شهر سبتمبر، ولكن هناك تغيرات ملموسة فى بعض المحاصيل الأخرى هذا العام.
فالإنتاجية الزراعية لبعض النباتات أصبحت أقل من كل عام فمع ارتفاع درجات الحرارة حدث إسراع فى نمو المحاصيل ولكن بكميات أقل، مؤكدا أن حصر البيانات الدقيقة عن النسب المئوية لإنتاجية المحاصيل هذا العام لم تنته بعد، قائلا: «ما زلنا فى منتصف الموسم وحتى الآن لم يحصد القصب والذرة الشامية وحتى عملية جنى القطن لم تكتمل وبالتالى النتائج النهائية لم تتضح».
وفى السياق ذاته، أكد حسين أبو صدام نقيب الفلاحين تأثير التغيرات المناخية المدمر والسلبى على المحاصيل الزراعية نتيجة ارتفاع ملوحة أراضى الدلتا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، موضحا أن المحصول الصيفى إذا صادفه جو بارد ولو ليوم واحد فإن المحصول يتأثر جدا، وكذلك المحصول الشتوى إذا صادفته حرارة شديدة ولو ليوم واحد فإن الإنتاجية تصبح أقل، كما تنتشر الآفات مع المناخ السيئ المحمل بالأتربة والميكروبات والحشرات مؤثرة على الإنتاجية النهائية للمحصول.
وتابع أبو صدام: التغيرات المناخية تؤدى إلى التصحر نتيجة قوة الرياح، وانجراف الطبقة السطحية من التربة، كما أن عملية المد والجزر فى البحار تسبب تآكل الشواطئ وتؤثر على المساحات الموجودة من الأراضى الزرعية اليابسة بصفة عامة، ليس فى مصر و حدها ولكن فى العالم كله، ويسعى العلماء حاليا إلى علاج تأثيرات التغيرات المناخية، التى يعزى وجودها من التأثير الضار للدخان والعوادم والسحابة السوداء.
وعن دور نقابة الفلاحين فى مواجهة الأزمة، قال: من ناحيتنا نحاول توعية الفلاحين من خطورة الإضرار بالبيئة عن طريق إحراق المخلفات الزراعية أو المواد البلاستيكية التى تحمى النباتات أو البذور لأن بها مواد حافظة ومن الممكن أن يكون لها تأثيرات خطيرة وسلبية على الزراعة بصفة عامة.
وعن شكوى الفلاحين من ملوحة الأراضى، قال صدام إن ارتفاع مياه البحر تؤدى لمشكلتين الأولى تآكل الشواطئ وارتفاع منسوب المياه الجوفية وتملح الأراضى، ولذلك نلجأ إلى الرى بالغمر فى السواحل الشمالية لتقليل الأملاح الزائدة خاصة فى المحافظات القريبة من مياه البحر لمكافحة عملية بور الأراضى وعدم جودتها.
أما أكثر النباتات التى تتأثر بهذه الظاهرة فهى «الموز والعنب والخضروات والفراولة والمانجو» ولذلك نزرع المحاصيل التى تتحمل ظروف الملوحة الطماطم والرمان والموالح بشكل عام.
وحول مسألة تهجير السكان، أوضح نقيب الفلاحين أن التغيرات المناخية إذا زادت حدتها فستؤدى إلى هجرة الملايين وتوجههم إلى استصلاح أراضٍ جديدة بالصحراء، مؤكدا أن سدود رشيد غير كافية لوقف زحف مياه البحر على المياه الجوفية، ولا بد من عمل المزيد من السدود ومشروعات الصرف بحيث يتم حماية الأراضى من التغيرات المناخية التى من الممكن أن تكون أشد فى الأيام المقبلة.
من جانبه قال الدكتور رجب عبد العظيم نائب وزير الموارد المائية والرى أن الوزارة اتخذت سلسلة إجراءات لمواجهة تغيرات المناخ إذ صدر القانون 34 لسنة 2018 الذى أعطى وزيرى الرى والزراعة الحق فى حظر زراعة المحاصيل الشرهة للمياه فى مناطق معينة، والقرار الوزارى رقم 28 لسنة 2018 بخفض مساحات زراعة الأرز من 1.076 مليون فدان إلى 427 ألف فدان فقط .
وأضاف عبد العظيم أن الوزارة تنسق مع الزراعة لعمل خريطة محصولية لمصر لتحديد الأماكن المناسبة لزراعة كل محصول طبقا لتصنيف التربة، ومدى توفر المياه بالمنطقة، وتعظيم العائد من وحدة المياه بزراعة محاصيل بديلة للتقليدية مثل التوسع فى زراعة محصول الكينو لإنتاج الخبز نظرا لأنه يستهلك فى ريه ألف متر مكعب للفدان، مقابل 2500 متر لمحصول القمح، والتوسع فى الزراعات التعاقدية لزراعة لمواجهة مشكلة تفتت الحيازات الزراعية لزيادة الإنتاجية من وحدة المساحة.
وأشار نائب وزير الرى إلى توقيع برتكول تعاون مع وزارة الإنتاج الحربى لإنتاج 92 محطة خلط بتكلفة 370 مليون جنيه، لخلط مياه الصرف الزراعية مع مياه الترع لتعظيم الاستفادة من المياه المتاحة، والتنسيق مع وزارة الإسكان والتعمير لتحويل محطات معالجة الصرف الصحى من معالجة ثنائية إلى ثلاثية بما يسمح بإعادة استخدام مياه الصرف فى رى بعض الزراعات.
ولفت عبد العظيم إلى أن الوزارة بدأت فى استخدام الطاقة الشمسية فى تشغيل طلمبات الرى بدلا من الديزل، حفاظا على البيئة من التلوث، والسماح للفلاحين بضخ فائض الطاقة التى يتم توليدها فى الشبكة القومية للكهرباء، استثمارا لسطوع الشمس الذى تتمتع به مصر، مؤكدا أن استخدام الطاقة الشمسية فى تشغيل خزانات المياه الجوفية بالصحارى، إذ تم تشغيل 25 بئرا وجارٍ تجهيز 75 بئرا أخرى بتكلفة 110 ملايين جنيه بمحافظة الوادى الجديد.