رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

قتلوه وانتحلوا شخصيته.. من الذي أخفى «الصدر» إيران أم ليبيا؟

معمر القذافي-موسى الصدر-آية الله الخميني
معمر القذافي-موسى الصدر-آية الله الخميني

تشهد لبنان هذه الأيام، غضبًا من جانب المسؤولين الشيعة على خلفية الأخبار المؤكدة دعوة ليبيا إلى القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المنعقدة في بيروت، وذلك بسبب الخلاف القائم بين البلدين حول اختفاء الإمام موسى الصدر في طرابلس ثمانينات القرن الماضي، وعدم الكشف عن مصيره حتى الآن.

وأعلن الشيخ عبد الأمير قبلان، المرجع الشيعي في لبنان، احتجاجه على توجيه الدعوة إلى ليبيا للمشاركة في القمة، داعيًا لاجتماع طاريء لبحث ما وصفه أنه "تداعيات" دعوة طرابلس إلى بيروت.

وكانت اللجنة الإعلامية المنظمة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، أصدرت أمس، بيانًا أعلنت فيه أنه سبق إبلاغها من جانب رئيس مجلس النواب موافقته على دعوة ليبيا ومشاركته في القمة.

لكن المكتب الإعلام الخاص برئيس المجلس النيابي، نبيه بري الذي يترأس حركة أمل الشيعية، أصدر بيانًا نفى فيه ما جرى تداوله بشأن ترحيبه بدعوة ليبيا للقمة الاقتصادية ومؤكدًا أنه «عارٍ عن الصحة تمامًا».

وتعود جذور الخلاف بين لبنان وليبيا إلى ثمانينات القرن الماضي، بعد اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر زعيم ومؤسس حركة أمل (أفواج المقاومة اللبنانية)، في ليبيا عقب زيارة إلى طرابلس للقاء الرئيس السابق معمر القذافي.

اختفاء

في صيف 1978م وتحديدًا في الخامس والعشرين من شهر أغسطس، وصل الإمام، موسى الصدر، بصحبة أخويه الشيخ محمد يعقوب، والصحفي الذي عهد إليه تغطية أخبار الزيارة إلى الصحف اللبنانية، السيد عباس بدر الدين، وصلوا إلى طرابلس على خلفية دعوة رسمية وجهتها السلطات الرسمية في ليبيا، لعقد اجتماع مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

وصل الضيوف وعلى رأسهم الإمام الصدر، إلى ليبيا، ونزلوا  في فندق "الشاطيء"، بطرابلس الغرب، وذلك بحسب التفاصيل التي أعلنتها وسائل الإعلام اللبنانية.

في تمام الواحدة ظهرًا يوم 30 أغسطس، شوهد الإمام الشيعي للمرة الأخيرة، وهو يغادر الفندق بصحبة أخيه والصحفي اللبناني، داخل سيارة تابعة للسلطات الليبية، متجهين إلى مقر الاجتماع ولقاء الرئيس معمر القذافي.

بعد ذلك، لم يعرف أحد في لبنان، مصير الإمام الشيعي موسى الصدر، وما إذا كان قد التقى الرئيس معمر القذافي، أم أنه اختفى قبل ذلك؟

مصير الإمام موسى الصدر لازال مجهولًا حتى الآن، كما أن الشهادات حول خط سير الرجل جاءت مختلفة بل متضاربة، بحيث لا يمكن معها معرفة مكانه بالتحديد ولا أين ذهب بعدما ركب السيارة الحكومية الليبية.

فالرئيس معمر القذافي، نفى أن الاجتماع عقد في موعده، لأنه فوجيء بإبلاغه أن الإمام الشيعي، غادر ليبيا ولم يلتقى به.

وبحسب التحقيقات فيما بعد، كما ذكر موقع الإمام الصدر، فإن معمر القذافي كان على موعد مع الأخير ليل 29-30 أغسطس، لكن القذافي ألغى هذا الموعد خلال اجتماعه مع وفد لبناني من بينهم، بشارة مرهج، طلال سلمان، أسعد المقدم، منح الصلح، بلال الحسن، ومحمد قباني.

ويعود الموقع ليضيف، أن هناك معلومات مستندة إلى حوار للملك خالد والملك فهد، أدلوا به إلى الوفد اللبناني الذي زار الملكة العربية السعودية في 25/2/1979م، حيث أكدوا أن الاجتماع حدث بين الطرفين، ولكن وقعت خلافات ونقاشات حادة، وتباين شديد في وجهات النظر، حول أزمة لبنان ودور ليبيا تجاهها.

وأكد الموقع، أنه استنادًا إلى مصادر دولية، فقد صرح وزير الخارجية الليبي السابق علي التريكي، أن اللقاء بين الطرفين تم في ميعاده المحدد، لكن تم احتجازهم بعد انتهاءه مباشرة، وكان معروف مكانهم حتى شهر فبراير 1979م.

الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الليبية لم تتحدث عن زيارة الإمام موسى الصدر إلى ليبيا، أو لقائه بالقذافي، على الرغم من المكانة الكبيرة التي يحتلها الرجل في المشهد السياسي آنذاك بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، فضلًا عن أن الزيارة جاءت بدعوة رسمية من الرئيس معمر القذافي نفسه.

وبحسب شهادة عائلة موسى الصدر، فهو لم يهاتفهم على غير عاداته في السفر بأنه كان كثير الاتصال اليومي بهم، وبأركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، لكن انقطعت الأخبار تمامًا عنه، حتى علموا بخبر الاختفاء عقب خروجه من الفندق في المرة الأخيرة التي شوهد فيها في شوارع طرابلس.

حدث إضافي أثار دهشة اللبنانيون، وهو أن الصحفي الذي كان مرافقًا إلى الإمام موسى الصدر، لم يتواصل مع جريدته "وكالة أخبار لبنان" التي يملكها حول زيارة الصدر إلى لبنان.

لماذا زار الإمام موسى الصدر ليبيا؟

 الإمام موسى الصدر، يحتل مكانة مهمة بين اللبنانين وخاصة الشيعة، حيث بدأ على يديه العمل السياسي المنظم للطائفة الشيعية في جنوب لبنان.

واكتسب الإمام الإيراني الأصل شعبية واسعة في داخل وخارج لبنان، بعدما شيد العديد من المؤسسات الاجتماعية والمدرس والعيادات الصحفية، ومراكز لمحو الأمية، بالإضافة إلى الوعي بخطورة الاعتداءات الإسرائيلية، على لبنان، كما حرص على ضرورة توحيد الصف بين اللبنانيين والبعد عن الطائفية.

كما استطاع الإمام الإيراني الوافد إلى لبنان منذ خمسينات القرن الماضي، تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية، وهي الجناح العسكري لحركة أمل- التي حاربت مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ضد مشاريع التقسيم وتوطين الفلسطينيين في لبنان.

وفي عام 1978م تعرضت لبنان إلى عملية احتياج من قبل القوات الإسرائيلية عرفت باسم "الليطاني"، بدعوى حماية حدودهم الشمالية على أراضي فلسطين المحتلة من هجمات مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية.

وتسببت هذه العملية في سقوط بين 200 إلى 400 قتيل، إلى جانب نزوج 400 ألف مواطن لبناني إلى العاصمة بيروت وضواحيها.

وعزم الإمام موسى الصدر حينها على القيام بجولة إلى عدد من الدول العربية، ودعا لعقد مؤتمر قمة عربية محدود، للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ قرار الأمم المتحدة 425 للانسحاب من الأراضي اللبنانية، وإنهاء الأزمة وإنقاذ الجنوب.

ولم يكن للزعيم الشيعي حينها علاقة مع ليبيا، إن أن مواقفه السياسة خلال محنة لبنان تحظى بإعجاب السلطة الليبية.

حتى أنه في عام 1976 ذهب رجلًا عبد السلام جلود، الذي اشتهر بأنه الرجل الثاني في ليبيا والذي سيأتي ذكره فيما بعد حول علاقته باختفاء الإمام، إلى لبنان 45 يومًا التقى خلالها بمختلف قادة لبنان، فيما عدا الإمام موسى الصدر.

وبحسب الموقع الخاص بالإمام اللبناني، ذو الأصل الإيراني، فإنه اعتبارًا من نفس العام، ظهرت حمالات إعلامية لبنانية تابعة إلى ليبا ضد الإمام موسى الصدر.

ولكن الإمام الصدر زار ليبيا بناء على مشورة الرئيس الجزائري هواري بومدين، لما للقذافي من تأثير على مجريات الوضع العسكري السياسي اللبناني.

بعد اختفاء الإمام الشيعي، فُتحت تحقيقات واسعة واسعة من الجانب الليبي والإيطالي لمحاولة الكشف عن خط سير الإمام الشيعي، ومصيره الذي لم يعرف أحد حتى الآن.

وجاءت المعلومات متشابكة ومعقدة، وحاولت ليبيا منع الوفد اللبناني الأمني من التحقيق في ليبيا، إلا أنها سمحت للوفد الإيطالي.

حقيبة في روما

بعد انتشار الأخبار حول اختفاء الإمام موسى الصدر بعد دخوله ليبيا، لم تصدر أية بيانات رسمية من الجهات الليبية، عقب الاختفاء.

كما "تهرب" بحسب الموقع الخاص بالإمام، الرئيس معمر القذافي، من مكالمة نظيره اللبناني إلياس سركيس، الذي هاتفه في 12/9/1978م.

وفي 17/9/1978م صدر بيان رسمي من الحكومات الليبية، عقب الضغط الإعلامي والدولي، أفاد أن الإمام موسى الصدر والوفد المرافق له غادروا إلى إيطاليا دون علم السلطات الليبية.

ولكن التحقيق اللبناني كشف أن الإمام لم يصل إلى روما بل إنهم لم يغادرو ليبيا في الموعد والطائرة اللذين حددتهما السلطة الليبية في البيان الرسمي.

وفي روما اكتشفت السلطات الإيطالية، حقائب للإمام الصدر، وآخرى لشقيقه الشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدر الدين في فندق "هوليدي إن" في روما.

وفتحت السلطات الإيطالية تحقيق موسع، كشف كذب البيان الرسمي الليبي وأن الإمام الصدر لم يغادر ليبيا من الأساس، ولم تحط أقدامهم في روما سواء بشكل أساسي أو يمروا بها "ترانزيت"، وتم حفظ التحقيق على ذلك.

انتحال شخصية

لم يكتف القضاء اللبناني، بالتحقيقات السابقة التي أجرتها السلطات الإيطالية أو الليبية التي أدعت خروج الصدر من أراضيها ووصلوا إلى روما بدون علم السلطات بذلك.

واستمرت التحقيقات اللبنانية سنوات بعد اختفاء الإمام الصدر، محاولة كشف مصيره، وفي عام 1986م ظهرت أدلة جديدة وشهادات من أشخاص أكدت بموجبها السلطات في بيروت، أن الزعيم الشيعي اختفى ومرافقيه في الأراضي الليبية بشكل متعمد، ثم انتحلوا أشخاصًا آخرين شخصياتهم ودخلوا إلى الأراضي الإيطالية حيث وجدت حقائب المختفين في فندق بروما.

لم تظهر آية أثار للإمام موسى الصدر أو أخيه أو حتى عرف أحد مكانًا للصحفي اللبناني، فلم يعرف أحد ما إذا كانوا محتجزين في سجون القذافي، أم تم التخلص منهم بالقتل؟

بعد حوالي 20 عام من الاختفاء، أصدر القضاء اللبناني، مذكرة توقيف غيابية بحق 6 من أركان القيادة الليبية إلى الانتربول الدولي، باشتراكهم مع 11 آخرين بالتورط في خطف واخفاء الإمام موسى الصدر ومرافقيه.

وبحسب التحقيقات اللبنانية، أشارت أصابع الاتهام إلى معمر القذافي بالتورط في جريمة الإخفاء وانتحال شخصية الإمام موسى الصدر، ولم يحضر القذافي إلى التحقيقات في بيروت، فطالب القاضي، سميح الحاج إعدام الرئيس الليبي شنقًا وستة من معاونية بموجب القانون اللبناني، بتهمة التحريض على هذه الجريمة.

إلا أن ذلك لم يحدث، واستمر الرئيس الليبي معمر القذافي السلطة، حتى قتل بعد قيام الثورة الليبية في 2011 واغتياله في أكتوبر من العام ذاته.

الثورة الليبية تقلب الموازين

قيام الثورة الليبية، واختلاف الواقع السياسي هناك، أعاد الأمل إلى اللبنانيين في إمكانية معرفة مصير الإمام موسى الصدر بعد عقود من اختفائه.

وأدلى عدد من السؤولين الليبين شهادتهم بخصوص مصير الإمام الشيعي، ولكنها جاءت متضاربة كذلك إلا أن موقع البعض  من عائلة الرئيس معمر القذافي يجعل روايته هي الأقرب إلى الصحة.

فقبل عامين، قال محمد بلقاسم الزوي، رئيس مؤتمر الشعب، في تصريحات صحفية، "قمت بالاتصال بالتلفزيون الليبي وطالبتهم بعمل تغطية خاصة للرجل (الصدر) وإجراء حوارات موسعة، وبالفعل بعد الاحتفال ذهب فريق العمل للفندق، ولكن أبلغوهم بأنه غادر، وحينها خرجت تصريحات عن اختفاء الإمام".

وأضاف الزوي، "أن سفير ليبيا في موريتانيا في ذلك الوقت أبلغه بأنه شاهد الإمام موسي الصدر في المطار(الليبي)، وكان يتأهب لتحيته، لولا الإعلان عن وصول الطائرة المتجه إلى موريتانيا".

أما نجل القذافي، هانيبال فقد صرح في 2015 أن شقيقه سيف الإسلام يملك تفاصيل كاملة عن اختفاء موسى الصدر، وهو الحديث الذي أدى إلى اعتقال نجل الرئيس الليبي الراحل في السجون اللبنانية.

وبحسب، محمد إسماعيل، مستشار سيف الإسلام، فقد صرّح بعدها، لصحيفة نيويروك تايمز الأمريكية، أن الإمام موسى الصدر قٌتل في ليبيا  وتم إلقاء جثته في  البحر، بعد مشادة مع العقيد القذافي وأن جثته ألقيت في البحر، وإن السلطات الليبية كذبت حين قالت إنه غادر ليبيا.

وأضاف "أن شخصًا يدعى عبد السلام جلود، والذي عرف أنه الرجل الثاني في النظام الليبي طيلة حكم القذافي، هو المسؤول عم عملية الإخفاء"

وأكد أن نجل القذافي هانيبال، ليست لديه أية تفاصيل عن الحقيقة، ولا يعرف مصير الإمام الشعي كما قال من قبل.

 تصريحات مستشار سيف الإسلام، أكدتها المحامية الخاصة بـ هانيبعل القذافي، إلى الإعلام، حيث كشفت أن رئيس حركة أمل تم قتله في ثاني أيام تواجده في ليبيا مع مرافقيه.

وأضافت بشرى الخليل، أن محمد باقر الصدر أبلغ هذه المعلومات في الماضي إلى وفد لبناني كان يتحرى عن مصير الصدر.

و كشفت الخليل أن صحفيا إيطاليا دخل إلى مشرحة موتى في منطقة باب العزيزية بعد سقوط القذافي وعثر على 7 جثث في براد موتى بينها جثة قد تكون للصدر.

وأكدت المحامية الليبية، بأن الصحفي صور شعرا من الجثة، وأنه زار الرئيس بري وأبلغه بضرورة إجراء فحص (دي أن آي) بحيث قد تكون الجثة للإمام.

هذه الرواية التي أفادت بمقتل الإمام موسى الصدر، رفضتها عائلته مؤكدين أن الإمام لايزال مختفيًا داخل الأراضي الليبية في مكان لم يفصح عنه أحد حتى الآن.

هل أخفاه الخميني؟

في 2016 صدر كتاب جديد، بعنوان "سقوط السماء.. البلهويون والأيام الأخيرة لإمبراطورية إيران"، من تأليف الباحث أندرو سكوت كوبر،  تحدث فيه عن الإطاحة بشاه إيران، وتفاصيل سقوط حاكم طهران السابق.

هذا الكتاب قلب موازين الروايات الخاصة بقضية اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر ومرافقيه، حيث أثبت أن المتورط في اختفاء الزعيم الشيعي، هو آية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية عام 1979م، التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي.

وكشف الباحث، بحسب تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" عم الكتاب، عن العلاقة بين سقوط الشاه محمد رضا بلهوي، وعلاقته باختفاء الزعيم الديني موسى الصدر، وربما رأي رجال الدين في إيران حينها أن الأخير يمثل خطرًا عليهم حول كرسي السلطة.

وأضافت الصحيفة الأمريكية، نقلًا عن الكتاب، أنه جرت اتصالات سرية بين الشاه وموسى الصدر، بالرغم من التوترات التي كانت بينهما، وأنها دليل يمثل رغبة الشاه آنذاك في عودة موسى الصدر إلى إيران بهدف إحباط مخططات الخميني قبيل قيام الثورة.

وبحسب الكتاب، فإنه يقدم رواية مخالفة للتي كانت سائدة بأن الصدر كان يقف مع الخميني ضد الشاب رضا بلهوي.

وأكد الباحث، أن شاه إيران محمد رضا بهلوي كان على استعداد لإجراء حوار مع موسى الصدر، وأن هناك معلومات لم يتم نشرها من قبل عن تحذيرات أرسلها الصدر بشأن الخطابات التخريبية لآية الله الخميني في منفاه، كما تتضمن عرضا تم تقديمه في مطلع صيف 1978، قبل اختفاء الصدر بأسابيع، لمساعدة الشاه في كبح جماح الخميني.

موضوعات متعلقة