رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

إعصار «جنوب السمراء».. خذوا من مصر حصنكم!

محمد عبد المنصف
محمد عبد المنصف

تعرضت دول موزمبيق وملاوى وزيمبابوى بجنوب شرق أفريقيا خلال شهر مارس الماضى لإعصار «أيداى» المدمر الذى أدى إلى تصدع 35 ألف منزل، ووفاة 60 مواطنا، وإصابة 672 آخرين بالأمراض، كما أدى إلى تشريد 19 ألف أسرة، ومعاناة 868 ألف فرد من الأزمة بدولة ملاوى وحدها، نتيجة هطول الأمطار بشدة بالتزامن مع مرور الإعصار بالبلاد.

ولم يكن الوضع فى موزمبيق أفضل حالا فقد فاضت مياه نهرى بوزى وبنجوى الرئيسين بالبلاد، أثناء الإعصار فأغرقت الأراضى والقرى حتى طفت جثث الضحايا فى فوق سطح الماء، وبلغ عدد الوفيات 602 فرد، فيما أصيب 1641 بالكوليرا، فضلا عن تدمر 239 ألف منزل بصورة كلية أو جزئية، ناهيك عن هلاك محصول نحو 1.8 مليون فدان .

أما زيمبابوى فقد أغرق الإعصار تجمعات سكانية فى مقاطعتى تشيمانيمانى وتشيبينجى، مؤديا إلى تشريد 16 ألف أسرة، ومصرع 344 فردا وتأثر 250 ألف إنسان بالأمراض المختلفة فى كارثة إنسانية مخيفة ليس فقط لشعوب جنوب القارة وإنما لكل شعوب أفريقيا.

ومن المؤكد أن السبب الرئيسى فى هذه الفيضانات قيام الشركات الأجنبية بقطع أشجار الغابات بصورة غير رشيدة لا تسمح باستعادة توازنها البيولوجى وترك الأرض بورا، وليس أدل على ذلك من ارتباط الفيضانات العارمة التى اجتاحت موزمبيق عام 2000 وأدت إلى وفاة آلاف الأشخاص، وتدمير منازلهم وهلاك محاصيلهم بإزالة الغطاء الشجرى حول نهر الليمبوبو، فالغابات هى التى تتحكم فى حركة الرياح لارتفاعات تصل إلى 20 ضعف ارتفاع الغابة، ولهذا تحدث اتزانا فى حركة السحب ومعدلات تساقط الأمطار .

والواقع أن منطقة جنوب أفريقيا بوجه عام تعانى من ظاهرة اضطراب دورة الأمطار، فهى إما أن تأتى عنيفة تصل إلى حد السيول فتهلك الحرث والنسل، وإما أن تأتى شحيحة فتعرض البلاد للجفاف، ولا تمتلك هذه الدول برامج تنمية متكاملة لاستغلال الموارد المائية تحقق لها التنمية، وهو ما نراه بوضوح فى نهر الزامبيزى الذى يشترك فيه ثمان دول ويقدر تصرفه السنوى بنحو 233 مليار متر مكعب من المياه وهى كمية تعادل 4 أضعاف حصة مصر من مياه النيل، دون أن نجد عائدا اقتصاديا لهذا النهر على هذه الدول .

وبصرف النظر عن المعونة الإنسانية التى أرسلتها مصر لمساندتهم فى محنتهم العظيمة، فإن المأساة لا تهددهم وحدهم، فالأنهار الأفريقية هبة المحيط الهندى حيث تتبخر مياهه لتسير سحابا وتسقط أمطارها فوق بلاد القارة، ومياه حوض نهر النيل جزء من هذه المياه، التى ارتبطت بمشكلة تراجع حزام الغابات فى دول المنبع.

والواقع أن هذه الفيضانات بمثابة إنذار مبكر لدول حوض النيل بخطورة إزالة الغطاء الخضرى أو الغابات دون وضع برامج متكاملة لاستعادتها للحفاظ على استقرار دورات المطر، ومن المؤكد أن هذه البلا فى حاجة عاجلة لإنشاء محطات تنبو بحجم الأمطار المتوقعة قبل سقوطها، لتأهيل المجتمع نفسه على كيفية مواجهة تلك الأزمة، ولدى مصر خبرات طويلة من تعاملها مع الفيضان السنوى للنهر النيل، يمكن نقلها لهؤلاء الأشقاء حتى يستطيعوا القيام بعمل نماذج رياضية لتوقعات حجم الأمطار المتساقطة، وهو أمر عاجل يجب ألا تتردد فيه مصر لأن انتشار المجاعة بها من شأنه أن يزيد من الهجرة غير الشرعية لشمال أفريقيا، كما قد يؤدى إلى انتشار ظاهرة قرصنة السفن، فى المحيط الهندى بالقرب من مضيق باب المندب، المدخل الجنوبى لقناة السويس.