رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

ذكرى تنصيب القائد ياسر عرفات رئيسا لدولة فلسطين

الرئيس القائد الراحل ياسر عرفات
الرئيس القائد الراحل ياسر عرفات

يمثل اليوم الاول من إبريل عام 1986 تنصيب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رئيسا لفلسطين

ولد ياسر عرفات (24 أغسطس 1929 وتوفي - 11 نوفمبر 2004 باريس، فرنسا)، ياسر عرفات سياسي فلسطيني وأحد رموز حركة النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال. اسمه الحقيقي محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، عرفه الناس مبكرا باسم محمد القدوة، واسمه الحركي "أبو عمار" ويُكنّى به أيضًا .

 

وهو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996. وقد ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها على يد أحمد الشقيري عام 1964، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة التي أسسها مع رفاقه في عام 1959. عارض منذ البداية الوجود الإسرائيلي ولكنه عاد وقبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في أعقاب هزيمة يونيو 1967، وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية على قرار حل الدولتين والدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية. كرس معظم حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالبًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

شرع عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في آخر فترات حياته في سلسلة من المفاوضات مع إسرائيل لإنهاء عقود من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن تلك المفاوضات مؤتمر مدريد 1991، واتفاقية أوسلو، وقمة كامب ديفيد 2000. وقد أدان بعض الإسلامين واليسارين في منظمة التحرير الفلسطينية التنازلات التي قدمت للحكومة الإسرائيلية، وأصبحوا من المعارضة. وفي عام 1994 مُنحت جائزة نوبل للسلام لياسر عرفات، وإسحاق رابين، وشمعون بيريز بسبب مفاوضات أوسلو. وفي تلك الأثناء اهتز موقف السلطات الفلسطينية بسبب طلب نزع سلاح حماس وحركات المقاومة الأخرى وتسليمه لفتح.

 

بنهاية سنة 2004، مرض ياسر عرفات بعد سنتين من حصار للجيش الإسرائيلي له داخل مقره في رام الله، ودخل في غيبوبة. توفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004 بباريس عن عمر جاوز 75 عاما. لا يعرف سبب الوفاة على التحديد، وقد قال الأطباء أن سبب الوفاة هو تليف الكبد، ولكن لم يتم تشريح الجثة.

اتفاقيات كامب ديفيد. في عام 1990 عندما غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت، حدث شرخ في السياسة العربية شبيه بما أحدثه خطاب السادات. واتخذ عرفات موقفا مؤيدا لصدام حسين في حرب الخليج الأولى، وهو الموقف الذي جعل المنظمة تخسر كثيرا على الصعيد العربي والدولي، وتعتذر عنه للحكومة والشعب الكويتي بعد وفاة ياسر عرفات. إجمالًا، في هذا الباب يمكن القول أن السياسة العربية عموما تعاطت بشكل إيجابي مع القضية الفلسطينية سيما بعد خروج ياسر عرفات من لبنان، فمكن ذلك ياسر عرفات من عقد سلسلة من المؤتمرات والخطابات والقرارات التي أيدتها الدول العربية وإن كان ذلك بتحفظ البعض منها

 

ياسر عرفات والإسرائيليين

 

بنيامين نتنياهو مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في محادثات مع ياسر عرفات تمهيدًا للتوقيع على اتفاقية واي ريفر عام 1998

اعتبرت إسرائيل ياسر عرفات عدوا لدودا سيما بعد تطاير صيته كقائد فلسطيني على المستوى العالمي في أعقاب معركة الكرامة]. وقد قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة عرفات لمدة عشرة أسابيع في بيروت الغربية، ظل خلالها عرفات يقاتل مع قواته بشجاعة وبروح معنوية عالية. وفي تشرين الأول من عام 1985 تعرض مقر عرفات في تونس للقصف الإسرائيلي ونجا عرفات لأنه خرج من مكتبه قبيل حدوث الغارة بوقت قليل]. بعد قبول عرفات بفكرة الدولتين وقرار 242 وبدء محادثات السلام بين إسرائيل والمنظمة ] بدأ الكثير من الإسرائيليين يبدون اهتمامهم بعرفات سيما السياسيين والباحثين الأكاديميين وغيرهم. البعض منهم ينطلق من معاداته والتشكيك في توجهاته نحو السلام، والبعض الآخر ينطلق من توجهات يسارية ترى في عرفات شريكا جيدًا لإرساء السلام في الشرق الأوسط. وخلال ذلك كتب الإسرائيليون أعدادًا لا تحصى من المقالات والكثير من الكتب التي تتناول حياة ياسر عرفات وتبحث في نواياه السياسية وخبايا شخصيته، وطباعه [كذلك وجد عرفات له بعض المؤيدين المتحمسين من أوساط الإسرائيليين؛ فالصحفي أوري أفنيري قام بالدخول إلى بيروت الغربية ومقابلة عرفات أثناء الحصار وقد ألف كتابا بعنوان (عدوي أخي) أبدى فيه تأييده للطروحات السياسية لعرفات [. كذلك بدا عرفات غريبا في تصريحاته السياسية أحيانا من وجهة نظر الإسرائيليين بعد اتفاقيات أوسلو خصوصا حينما أخرج في أحد التصريحات قطعة نقدية إسرائيلية وقال أن ما هو مصبوب على أرضيتها ما هي إلا خريطة إسرائيل الكبرى. كذلك تسلل عرفات للحياة الثقافية والأدبية للإسرائيليين عبر الكثير من البرامج التلفزيونية الكوميدية ومجلات الفكاهة والكاريكاتير [].

 

ياسر عرفات في السياسة الدولية

أصبح ياسر عرفات سياسيًا معروفًا على مستوى العالم في نهاية الستينات وبداية السبعينات. سيما بعد أن أجرت معه مجلة التايم سلسلة من اللقاءات الصحفية إثر معركة الكرامة. وعندما ألقى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يقتصر عرفات في خطابه على الحديث عن القضية الفلسطينية وإنما تعداه إلى الحديث عن الشعوب الأخرى الواقعة تحت الاحتلال معلنا دعمه لها ولحركات التحرر التي تمثلها، فأضفى بذلك على نفسه صفة الثوري العالمي. في أواخر الستينات وخلال السبعينات كان الغرب ينظر لعرفات كقائد لحركة إرهابية وليس حركة تحرر. ولكن عرفات شأنه في ذلك شأن كثير من زعماء ما كان يعرف في تلك الحقبة ببلدان العالم الثالث، استفاد من حالة الحرب الباردة والصراع بين الشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي والغرب بزعامة الولايات المتحدة، فوطد عرفات علاقات المنظمة مع بعض البلدان الشرقية مثل ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا على الصعيدين العسكري والسياسي. وبعد انهيار الشيوعية أصبحت الولايات المتحدة هي البلد المؤثر على سياسات كثير من دول الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد الموقف الذي اتخذه عرفات من حرب الخليج الأولى، تعرضت المنظمة لحالة من العزلة السياسية من بعض البلدان الغربية والبلدان العربية سيما بلدان الخليج، وبدأت المنظمة تعاني أزمة مالية خانقة. على الرغم من ذلك لم تنل تلك الأزمة من نشاط عرفات على الصعيد طرح القضية الفلسطينية على صعيد المؤتمرات الدولية، سيما البلدان الغربية التي تبدي تعاطف مع القضية الفلسطينية مثل فرنسا وإيطاليا واليونان.

 

حياة ياسر عرفات الشخصية

 

عرفات في مخيم للاجئين الفلسطينيين (جنوب لبنان 1978)

اتخذ ياسر عرفات لنفسه صورة الأب الحامل على كاهله مسؤولية القضية الفلسطينية وهمومها؛ لذلك كان يعامل أبناء الشعب الفلسطيني معاملة أبوية. من هنا اكتسب أبو عمار- وهو اللقب الذي اختاره لنفسه بعد تأسيس حركة فتح- رمزية القائد، سيما أنه كان يتمتع بكاريزما وجاذبية شخصية وكان يواظب على ارتداء الزي العسكري والتمنطق بمسدس، هذا مع اعتمار الكوفية الفلسطينية بشكل شبه دائم، لذلك حاز عرفات على شعبية جارفة في أوساط الأطفال والشباب الفلسطينين بما أنه كان أيضا يلاطفهم بعطف وحنان، ولا يكف عن مواساتهم وتقبيل أياديهم] إذا حدث لأحدهم مكروه. وعندما بدت على عرفات علائم الكبر في السن، أطلق عليه الفلسطينيون لقب "الختيار". وطوال سنوات كثيرة رفض عرفات الزواج، بدعوى تكريس وقته للثورة الفلسطينية وهمومها لدرجة أنه قيل إنه كان ينام بجواربه []. على الرغم من ذلك، فاجأ عرفات الكثيرين، وتزوج عام 1990 بسكرتيرة مكتبه السيدة سها الطويل، وهي سيدة مسيحية من آل الطويل الثرية. عندما تزوج عرفات، كان يبلغ من العمر61 عاما، بينما كانت سها في 27 من عمرها ،وكان ثمرة هذا الزواج أن ولدت لهم ابنة سماها عرفات زهوة على اسم أمه. ومن الناحية الدينية واظب عرفات كمسلم على أداء الصلوات المفروضة ولم يبدي خلال حياته تمظهرا دينيا باستثناء استشهاده ببعض آيات القرآن الكريم في بعض خطبه وتصريحاته، وذلك مرده على ما يبدو إلى رغبته بالظهور كزعيم لعموم الشعب الفلسطيني الذي يشتمل في تركيبته على أقليات دينية. وعلى الرغم من ظهور عرفات بمظهر الرجل المتواضع والمتقشف إلا أن الكثير من اللغط أثير من قبل أوساط إسرائيلية وغربية حول ثروته وأرصدته في البنوك. مع ذلك يُعتقد أن معظم هذه الأموال كان من أموال الدول المانحة التي كان يستخدمها في مصاريف تخص السلطة. وعندما توفي عرفات أوصى بأن تعطى زوجته سها الطويل، التي كانت قد غادرت قطاع غزة لتعيش في الخارج، حصة من هذه الأموال.

 

يتواجد اليوم قبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله على الرغم من رغبته في أن يدفن في القدس، وهو اليوم مزار لكثير من الفلسطينيين والأجانب الذين أحبوا عرفات خلال حياته وسُحروا بشخصيته، ولكثير من ضيوف السلطة الوطنية الفلسطينية من الزعماء الذين يبدون رغبتهم بزيارة قبر الراحل عرفات.

عرفات تحت الحصار في مقره برام الله

بعد مباحاثات كامب ديفيد وطابا بدأت الدوائر الأمريكية وأوساط من الحكومة الإسرائيلية وبعض السياسيين الإسرائيليين بالقول أن ياسر عرفات لم يعد يعتد به، بمعنى عدم جدوى التفاوض معه.] في هذه الأثناء ازداد العنف والعنف المضاد، وارتكبت عدة عمليات فدائية أسفرت عن مقتل كثير من الإسرائيليين وعلى الرغم من شجب عرفات واستنكاره الواضح لهذه الأعمال بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، الذي كان على عداء مرير مع ياسر عرفات ولا يثق به ويرفض مقابلته، بتحميله مسؤولية ما يحدث. في هذه الأجواء قامت إسرائيل بمنعه من مغادرة رام الله لذلك لم يحضر عرفات مؤتمر القمة العربية في بيروت في 26 مارس 2002 خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الأراضي الفلسطينية. وفي 29 مارس من نفس السنة حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية. وهكذا بدأت حالة من المناوشات التي يقتحم خلالها الجيش الإسرائيلي ويطلق النار هنا ويثقب الجدار هناك،] بينما كان عرفات صامدا في مقره متمسكا بمواقفه، في تلك الفترة بدأ يتقاطر عليه في مقره بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه. كذلك تعرض عرفات من قبل الإدارة الأمريكية وإسرائيل لحملة لإقصائه عن السلطة أو إبعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور، ففي يوم 24 مايو 2002 طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، وبسبب الضغط الدولي وانسداد الأفق السياسي اضطر عرفات للتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس ولكن عباس سرعان ما استقال وتولى المنصب أحمد قريع.

تدهور صحته ووفاته

 

قبر عرفات في رام الله، التقطت في-24 ديسمبر 2004.

في يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي (البرص)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ تشرين الأول/أكتوبر 2003. وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفًا عامًا وتقلبًا في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني.

 

تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات تدهورًا سريعًا في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2004، قامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004. وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوبًا بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به. وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الانباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسؤولين فلسطينيين، وقد أعلن التلفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004 نبأ موت الرئيس عرفات سريريًا وأن أجهزة عرفات الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ. وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004. وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته.

 

موت طبيعي أم اغتيال

تضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، إذ يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب بأن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، فيقول طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي إن وفاة عرفات نتجت عن تسميمه، وطالب بتشريح الجثة، مؤكدًا أن تحليل عينات الدم لا يكفي وحده للكشف عن الإصابة بالتسمم، مشيرا إلى أن الأمر في حاجة إلى تشريح للجثة وتحليل عينات الأنسجة، للتأكد من السبب الحقيقي على وجه اليقين.

وتعليقا على تفاقم النزيف الدماغي لدى عرفات، قال الكردي إن هذا النوع من النزيف ينتج عما يعرف بتكسر الصفائح الدموية، الذي يسببه التسمم، أو الإصابة بالسرطان، أو الاستخدام الطويل والمتكرر للأدوية.

واعتبر أن الأعراض التي ظهرت على عرفات أثناء مرضه ربما تكون ناتجة عن الإصابة بنوع من السم الطويل الأجل. هذا مع العلم أن الأطباء الفرنسيين بحثوا عن سموم في جثة عرفات بعد موته في باريس، وبحسب التقرير الطبي الفرنسي فقد وردت به أنه بعد الفحوصات الطبية الشاملة التي كانت سلبية بما فيها دخول سموم للجسم .كذلك رجح بعض الأطباء من عاينوا فحوصاته الطبية ومنهم الأطباء التونسيون وأطباء مستشفى بيرسي المتخصصون بأمراض الدم أن يكون عرفات مصابا بمرض تفكك صفائح الدم، وتجدر الإشارة إلى أن زوجة الرئيس الفلسطيني السيدة سها الطويل هي المخوَّلة الوحيدة بحسب القانون الفرنسي بالإفصاح عن المعلومات الطبية التي وردتها من مستشفى بيرسي والأطباء الفرنسيين، وهي لا زالت ترفض إعطاء اية معلومات لأيَّة جهة حول هذا الموضوع.