لبنان يعتزم تقديم شكوى لمجلس الأمن ضد إسرائيل لاستهدافها مسعفين خارجية فلسطين تطالب بتدخل دولي لوقف عدوان الاحتلال ومستعمريه على التجمعات البدوية إصابة 5 أشخاص بحادث تصادم سيارتين سوزوكي وملاكي بالطريق الزراعي بطوخ وزير التنمية المحلية يتابع مع محافظ بورسعيد عددا من الملفات الخدمية التي تهم المواطنين محافظ الشرقية يلتقي رئيس قطاعات كهرباء الشرقية والمدن الجديدة محافظ الغربية يتابع أعمال كورنيش ترعة الساحل بسمنود بني سويف: 317 منفذا ثابتا ومتنقلا لبيع السلع الغذائية والأساسية محافظ بني سويف ينيب رئيس مركز ببا في افتتاح مسجد الحسين بعد إحلاله وتجديده بتكلفة 2.5 مليون جنيه وزير الصحة يشهد توقيع بروتوكول بين هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمؤسسة العلاجية محافظ أسيوط يناقش الموقف التنفيذي لمشروعات المبادرة الرئاسية حياة كريمة.. واستكمال المرحلة الأولى أسيوط: إزالة 5 تعديات ومخالفة بناء بحي شرق ليفربول يخطط لضم الأردني موسى التعمري تحسبا لرحيل محمد صلاح
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

التوحد بالأنبياء فى القصيدة المعاصرة

يشير التوحد إلى كونه حيلة من حيل التوافق، تتم على مستوى لا شعورى دون وعى من الفرد نفسه،  يقوم بها ويتمثل الفرد ويستدمج داخل ذاته دوافع واتجاهات وسمات شخص آخر، بحيث تصبح دوافع واتجاهات أصيلة فى كيان الشخص، تضرب بجذورها فى أعماق بنائه النفسى، وهكذا فإن التغير الذى يحدث فى للفرد أو شخصيته لا يكون مؤقتًا ولا مفتعلًا، كالذى يحدث فى موقف التمثيل أو المحاكاة والتقليد، بل يكون عميقًا فى تأثيره فى الشخصية ومستمرًا إلى حد بعيد، وعلى هذا فالابن يتوحد بأبيه والبنت تتوحد بأمها، والشخص يتوحد بالشخصية التى يرى فيها مثله الأعلى، وفى حالة التوحد هذه يكون النجاح الذى يحدث لمن نتوحد به نجاحًا غير مباشر لنا نحس حلاوته، ويكون إشباع الدوافع كأنه إشباع خاص بنا وكذلك الإحباط أو الفشل، أما التقليد الذى يشبه التوحد، فيتمثل فى قيام الشخص بوعى وقصد بتقليد ومحاكاة شخص آخر فى حركاته وسكناته، وهى عملية مؤقتة، يعود المقلد بعدها إلى شخصيته العادية بعد انتهاء عملية التقليد.

والأنبياء شخصيات مثالية أختصها الله بهداية الناس إلى الإيمان به، والالتزام بالحق والخير والعدل وبقية مكارم الأخلاق، وهناك دعوى دائمة باقتفاء أثرهم والمشى على نهجهم، ولما كان المبدعون يرغبون فى تحقيق صورة جميلة عن العالم والحياة، فإنهم والحال هذه يتوحدون لا شعوريًا، بنماذج تيسر لهم الاستمرار فى اتجاههم من الحياة، ولأن هناك تنوعًا فى الأنبياء وفى حياتهم وفى طرق دعوتهم، فإن كل مبدع وشاعر يجد نفسه فى فترة من فترات حياته مدفوعًا للتعلق والتوحد بشخصية أحد الأنبياء وربما يتغير ذلك التوحد من نبى إلى آخر فمثلًا هناك من توحد بالمسيح، ثم النبى أيوب.

وبدر شاكر السياب فى أثناء مرحلة مرضه الأخيرة، توحد مع النبى أيوب، إذ مرض كلاهما مرضًا طويلًا ومزمنًا، وقد تأتر السياب فى شعره بما حدثنا القرآن الكريم فى سورة الأنبياء عن مرض النبى أيوب: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ".

وسمّى السياب عشرًا من قصائد ديوانه "منزل الأقنان" [بسِفْر أيوب]، بجانب قصيدة أخرى فى الديوان بعنوان " قالوا لأيوب" فالسياب هنا يلتقى مع النبى أيوب فى كثير من العبارات:

قالوا لأيوب جفاك الإله/

فقال لا يجفو /

من شد بالإيمان  /

لا قبضتاه ترخى ،/

ولا أجفانه تغفو "/

قالوا له "

والداء من ذا رماه "/

فى جسمك الواهى.

ومن الصور الرائجة صورة المسيح – عليه السلام - باعتباره رمزًا للفداء ولقد وردت عند بدر شاكر السياب فى ديوان أنشودة المطر قصيدة بعنوان "المسيح بعد الصلب" حوالى أربع وعشرين مرة حتى  لقد يظن القارئ أن السياب شاعر مسيحى فيقول:

" بين القرى المتهيبات خطاى والمدن الغريبة /

غنيت تربتك الحبيبة /

فأنا المسيح يجر فى المنفى صليبه.

فالشعر هنا يتحدث عن مسيح جديد يحمل الاغتراب، من أجل أن يفتدى بلده من الاستبداد الذى أذاه، ولم يدرك أن هذا النفى يمكن أن يولد بعثًا جديدًا وخلاصًا من الاستبداد نفسه، وبذلك يكون الشعر قد فدى بلده مثلما فعل المسيح، وهنا يكون الشاعر هو المخلص الجديد، ثم يقول:

" بعدما أنزلونى /

سمعت الرياح /

فى نواح طويل تسف النخيل /

والخطى وهى تنأى /

إذن فالجراح /

والصليب الذى سمرونى عليه طوال الأصيل /

قدم قدم قدم /

القبر يكاد بوقع خطاهم ينهدم/

أترى جاءوا ؟ من غيرهم ؟/

قدم قدم قدم/

ألقيت الضجر على صدري/

أو ما صلبونى أمس؟..

فها أنا فى قبري/ ".

وصورة المسيح موجودة أيضا فى شعر البياتى فى قصيدة أغنية إلى يافا فيقول :

" يافا يسوعك فى القيود /

عارٍ ممزقة الخناجر عبر صلبان الحدود /

وعلى قبابك غيمة تبكى وخفاش يطير/

قالوا تمتع من شميم عرار نجد يا رفيق /

فبكيت من عارى فما بعد العشية من عرار .

فشعب يافا أو شعب فلسطين هو المسيح الجديد والفادى الذى ضحى بنفسه، من أجل يقظة الوطن العربى كله، فصلب على الحدود ومزقته الخناجر.

وفى ديوان موسى حوامدة المسمى "شجرى أعلى" نطالع قصيدة "مآرب أخرى" يقول فيها:

أعطانى سحر الكلمات وكلمنى تكليما/

يا الله/

هل يلقى عبدك موسى /

فى الناس نبوته وعصاه /

بيضاء يدى والطير طيور /

سأشق البحر وأرفع عن كل الناس الجور/

هارون أخى والشعر شقيقى الأوفى".

هذا التناص مع النبى موسى يخدم هنا قضية التحرر من الاحتلال الإسرائيلى، فموسى حوامدة أردنى من أصل فلسطينى ولا يخفى أن شخصية النبى موسى قد عانت من صلف وغلو بنى إسرائيل الكثير والكثير، والشاعر وأسرته وقومه قد عانوا أيضًا من الإسرائيليين الجدد الحرب والموت والتشريد، ومن ثم فإن هذا التوحد يخدم البناء النفسى للشاعر فى قضية قومه الوطنية، ولما لا واسمه أيضا موسى؟

 

  • مع صورة د. خالد عبد الغنى الموجودة لديكم