رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

بمناسبة يومها العالمى، المتخصصون والأدباء يطرحون هذا السؤال:

          لغتنا الجميلة.. إلى أين؟

يوافق الأحد الماضي (18 ديسمبر) اليوم العالمى للغة العربية، أرقى اللغات من حيث الثراء بالمفردات، وأغناها من حيث خصائصها الذاتية، وتفردها بحرف الضاد، فضلًا عما يميزها من استقلال فى الأصول والجذور اللغوية، وكونها لغة منصرفة تقوم على اشتقاق البنية وتوليدها، مما أهلها لتكن دومًا وعاءً للحضارة والفكر والثقافة.. ومشاركةً منَّا فى احتفال اللغة العربية بيومها، التقينا كوكبة من المتخصصين، ليحدثونا عن لغتنا الجميلة، وكيفية النهوض بها وطرق حمايتها.
 

يقول الناقد الدكتور محمد زيدان: النهوض باللغة العربية فى الوقت الراهن يحتاج إلى العمل فى اتجاهين؛ الأول اتجاه تعليم اللغة فى المدارس المصرية، والذى وصل مؤخرًا إلى ذروة التردى بفعل مناهج التدريس المتخلفة، التى يتم تدريسها – هذا إذا دُرِّسَتْ أصلًا – بوضع برنامج محدد واضح الأهداف لكل مرحلة من المراحل التعليمية، ولابد أن يتسم البرنامج برسالة ورؤية واضحتين، ووضع نماذج واقعية لتدريس اللغة العربية وتقييمها بشكل دورى والعمل على تطويرها.

أما الاتجاه الثانى فيتمثل فى وضع تبسيطات وتنقيحات لنحو اللغة وصرفها تلائم الواقع المعاصر، مع الانحياز إلى اللغة المستعملة بشكل صحيح، بعيدًا عن النماذج التى تقدم فى الصفوف التعليمية، وهذا لا يتأتى إلا بإرادة حقيقية من المؤسسات التعليمية، من مدارس وجامعات مع وجود رغبة واقعية من الدولة.


ويرى الباحث والمحقق الدكتور محمد سالمان أن اللغة العربية مظلومة من أهلها، فأهلها يتباهون أنهم يجيدون لغات أخرى، لكنهم لا يهتمون بها، ونظرة يسيرة إلى أسماء المحال التجارية فى الشوارع، نجدها ليست عربية، وفى صفحات التواصل الاحتماعى نجد لغة غريبة، حتى فى التعليم وفى الصحف لدينا آفة اسمها اللغة ننظر إليها كأنها جرثومة ينبغى الابتعاد عنها، لكن لو وجدت الإرادة السياسية لكانت اللغة كسابق عهدها، أذكر أن حفيد أحد القادة فى إسرائيل ومن مؤسسيها كان يرسل له خطابات بالإنجليزية ولم يرد عليه، إلا عندما تعلم العبرية، والعربية منظومة لابد أن تكتمل برعاية الدولة، والإعلام لابد أن يؤدى دوره فى نشر اللغة الصحيحة بدلًا من العامية المبتذلة، والصحف تكف عن استعمال العامية، ويبقى للتعليم الدور الأكبر.


ويرجو الناقد الدكتور يسرى عبدالغنى ألا تكون الدعوة إلى الاهتمام باللغة العربية التى هى ذاتيتنا وهويتنا، مجرد دعوة تطرح بمناسبة يومها العالمى، فمن المفترض أن نهتم بلغتنا بشكل دائم ومستمر على كل الأصعدة، بداية نحن نطالب بأن تكون اللغة الحياتية هى الفصعامية أو اللغة الثالثة، ولا نطالب باللغة العربية التى كانت عند شعراء المعلقات مثلًا، وعليه ننادى بضرورة عودة الكتاتيب مرة أخرى بطريقة حقيقية فعالة، لتعود مرة أخرى كى يحفظ أولادنا ما تيسر من قصار سور القرآن الكريم، لتتكون لديهم الملكة اللغوية منذ نعومة أظفارهم، ولابد أيضًا من برامج تلفازية معربة تراجع لغويًا وتربويًا، وجعل العربية لغة التعليم والتعلم، وتوحيد المصطلحات العلمية بين بلادنا العربية، وخدمة اللغة العربية تربويًا وجعل طرق تدريسها حديثة وعلمية، وتبسيط كتب النحو والصرف، والاهتمام بدراسة التراث العربى دراسة أصيلة فى فروع اللغة والأدب والنقد والبلاغة، وإعادة النظر فى منظومة الكليات التى تخرج معلمين لتدريس اللغة العربية.

وتعتقد الأديبة والإعلامية الدكتور منار حسن فتح الباب أننا لكى ننهض باللغة العربية لابد من تعديل مناهج اللغة العربية، بحيث يغرس حب اللغة فى نفوس الصغار، ولابد من متابعة أداء المدرس ومنحه راتبًا ممتازًا مثل الدول الأخرى المتقدمة، لابد من إضافة القصص الجذابة إلى المناهج، ولابد من إضافة المسابقات الأدبية إلى نشاط المدارس، ودعم المدارس الحكومية وأنواع الأنشطة المسرحية والنفسية، والأخذ بآراء الأدباء والمترجمين أيضًا والفنانين التشكيليين فى تطوير المناهج، لتصبح جاذبة للطفل وللطلاب.

ويتساءل الناقد الدكتور عزوز إسماعيل هل يعى مدّعو الثقافة والمتأثرون بدعوى بعض المستشرقين المعادين للغتنا وأهلها حقيقة أن لغتنا المجيدة قد تعرضت لكثير من العواصف والمحن من أولئك المرجفين، فوقفت شامخة كالجبال لا تهتز ولا تضطرب، بل زادتها تلك الدعوات الباطلة والهجمات الجاهلة جمالًا وقوةً وثباتًا؟ كيف لا وقد تعهدها المولى عز وجل بالحفظ والصون فى قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون"؟، أم إنهم يبحثون عمَّن يرد على أكاذيبهم وافتراءاتهم؛ ليظهروا بمظهر من يُحَاجج، فهم ليسوا ممن يُحاجج؛ لأنهم صغار جدًا أمام هذا الجبل الأشم، فهل يستطيع حجر صغير أن يؤثر فى هذا الجبل؟ إنها اللغة العربية، حببوا أولادكم فى اللغة العربية من خلال سماع ما تطرب له الآذان فى المراحل الأولى من التعليم، ثم يتطور هذا الأمر فى المراحل المتقدمة.

ويقول الدكتور شعبان عبد الحكيم: انطلاقًا من قيمة لغتنا العربية وشرف الانتماء إليها، يجب علينا النهوض بها، وأول مرحلة تعليمها لأبنائنا التعليم الصحيح، والذى من خلاله يدرك الابن الصغير قيمة ما يتعلمه، وذلك بتعلم الحروف المكونة لكلمات تعكس لنا جمال هذه اللغة فى إيقاعها الصوتى، وفيما تتضمنه من قيم روحية وفكرية، هذا هو حجر الأساس لمعرفة أبنائها لقيمتها العظيمة، يصاحب ذلك إعداد المناهج العلمية المستوفاة لقيمة اللغة من حيث الأداء الصوتى، والدلالات المعنوية والقيم الروحية، مع وجود مكتبة ثرية بالمدارس تحتوى على كتب تتماشى مع كل المستويات العمرية، وتقوم وزارة التربية والتعليم بتفعيل حصص المكتبات، واعتبار هذه المادة مادة أساسية يجرى فيها امتحان يتوافق مع طبيعة هذه المادة.

ويذهب الباحث اللغوى الدكتور حسين ربيع إلى أن العربية لها ظرف خاص لم يتوفر لغيرها من لغات العالم، لارتباطها بالقرآن الكريم منذ خمسة عشر قرنًا، وبها دوّن التراث العربى الضخم، الذى كان محوره القرآن الكريم فى كثير من مظاهره، ومع ما يشهده واقع هذه اللغة الآن من تعسر ومعاناة، فإن تشريفها بأن جعلت وعاء للقرآن سبب أكيد لاستمرارها وبقائها، فما تعانيه لغة الضاد مردّه ضعف الوعى السياسى العربى الراهن، الذى أشاع نوعًا من التكابر على لغتنا الأم، وليس من سبيل للنهوض بعربيتنا اليوم إلا بالعكوف على نصوصها لتطوير طرق تدريسها، لتطويعها لتكون آلة التعبير عن المنجز الفكرى والعلمى.