رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

لا تضعفوا لسان الأمة...!

الدكتور يسرى عبدالغنى عبدالله
الدكتور يسرى عبدالغنى عبدالله

اللغة هى وعاء الفكر ووسيلة الاتصال والتفاهم، وأداة نقل المعارف والعلوم من جيل إلى جيل، ومحور أساسى فى بناء الإنسان بكل جوانبه، فهى ليست بشرية بما تشتمل عليه من حركات وسكنات تظهر الأصوات التى تنبس بها الشفاه وتدوى بها القلوب والحناجر، واللغة العربية لغتنا الجميلة تمر بعصور قوة وضعف.

 ومن أسباب ضعفها فى العصر الذى نحياه، عدم وجود منتج ثقافى أو علمى قوى باللغة العربية، فينبغى الالتزام بجعلها لغة العلم والتعليم فى جميع المراحل الدراسية، وفى شتى مجالات المعرفة والفكر كى تصبح الجميلة لغة المعرفة العلمية والبحث العلمى والتقنية الحديثة فى جميع مجالات العلوم والفنون والآداب.

وكذلك الاستعمار الذى كان وراء تخلينا عن التعليم بلغتنا العربية، إلى لغات أخرى، لأنه أدرك مبكرًا أن اللغة العربية هى روح الأمة الإسلامية، وسلاحها للحفاظ على هويتها ورمز وحدتها وبقائها، فسعى إلى طمسها بناءً على خطة محكمة نجح فيها إلى حد كبير، وكانت ترمى إلى: تقديم اللغات الأجنبية على اللغة العربية فى بلادنا، وتقديم اللهجات واللغات المحلية على العربية، والدعوة إلى كتابة العربية بحروف لاتينية كما حدث فى تركيا، وابتعاث أبناء المسلمين إلى الغرب لدراسة لغاته، وعودتهم وهم فى حالة إنكار عظيم للغتهم وتراثهم.

نضيف إلى ذلك إثارة الشبهات حول اللغة العربية للقضاء عليها عن طريق: تطوير الفصحى - من وجهة نظرهم - حتى تقترب من العامية، عن طريق سيطرة وعمومية اللغة العامية أى ثنائية اللغة، مما يعنى التحلل من الأصول والقواعد، التى صانت لغتنا الجميلة خلال خمسة عشر قرنًا من الزمان.

أيضًا الدعوة إلى ما يسمى بشعر أو أدب الحداثة، والدعوة إلى كتابة العربية بأحرف لاتينية، وتطبيق مناهج اللغة الأوربية فى التدريس، ودراسة اللهجات العامية لصرف النظر عن علاقة اللغة بالدين، لهدم الهوية العربية.

وننبه إلى ضعف مستوى الطلاب فى اللغة العربية، ومن أسباب ذلك أن معلم اللغة العربية ضعف مستواه نتيجة لضعف إعداده المهنى، وازدواج العربية الفصحى فى حصص اللغة العربية، واللغة العامية كلغة تخاطب فى الشارع والمنزل ووسائل الإعلام، وافتقار كتب القراءة إلى التدرج اللغوى، والتخطيط السليم لها حتى ينتقل فيها التعليم من الخطوة الأولى إلى التى تليها، ناهيك عن وسائل الإعلام وما تقدمه صباح مساء من مواد يسيطر عليها السوقية والابتذال، بل السخرية والاستهزاء من لغتنا الجميلة التى هى تعنى هويتنا ووجودنا.

ونشير إلى عدم توافر معجم لغوى حديث لأى مرحلة من مراحل التعليم، وقلة أو ندرة توافر مواد القراءة الحرة للطالب فى مختلف المراحل التعليمية، وازدحام مناهج النحو بكثير من القواعد مع صعوبتها، واضطراب المستوى اللغوى - بما فيها كتب اللغة العربية - فى المراحل الدراسية المختلفة، وقلة اهتمام مدرسى اللغة العربية والمواد الأخرى باستخدام الفصحى أو على أقل تقدير "الفصعامية" فى التدريس، وقلة استخدام الوسائل والمعينات التعليمية الحديثة فى تعليم اللغة العربية، مع قلة اهتمامنا بدراسة التراث العربى دراسة أصيلة فى فروع اللغة والأدب والنقد والبلاغة.  

إننا إذ نطالب بضرورة الاهتمام بلغتنا العربية الجميلة، فإننا فى نفس الوقت نطالب بالحفاظ على الهوية والانتماء وحب الأوطان، ودون هذا لن يكون لدينا ترجمة جادة لنقل العلوم الحديثة، ولن يكون لدينا أى نوع من أنواع التواصل الثقافى والاجتماعى، فى نفس الوقت الذى سنعجز فيه عن قراءة التراث والأدب القديم حتى نجعله نبراسًا لكل ما هو جديد، ولن نتمكن من تقديم كتابات أدبية حقيقية تمزج بين الأصالة والمعاصرة، استشرافًا لحاضر أفضل وأحسن يبعدنا عن التغريب، ويقينا شر طوفان العولمة الذى يبغى تفككنا وتشرذمنا وإزالتنا من على خريطة العالم عن طريق تطاحننا وتعاركنا.

اللغة العربية الجميلة فى حاجة منا إلى تضافر جميع الجهود المجتمعية، فمن العار كل العار ونحن فى القرن الواحد والعشرين، ويكون لدينا هذا الكم الكبير من الأمية بأنواعها المختلفة، وأعتقد أن أميتنا بلغتنا العربية عارٌ عظيم علينا يجب أن نتخلص منه.