رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

مليون التأمين لشهداء الأمن

ماهر المهدي
ماهر المهدي

مشكورة قناة القاهرة والناس التي لا تلبث أن تعيد علينا مشاهدا لبعض أحداث العنف التي ارتكبها المجرمون الأخوان في حق مصر وفي حق شعبها . مشاهد العنف والدم والقتل الذي ارتكبوه في حق جيرانهم وأهلهم واخوتهم وبني جنسيتهم ووطنهم الذي آواهم ورباهم وعلمهم . ولا يمكن لأحد أن ينسى أبدا ما يفعله هؤلاء المجرمون الاخوان ومن عاونوهم بالمال والسلاح والفكر والتأييد السياسي من أجل الإساءة الى مصر والى شعبها ومن أجل إعاقة التقدم في مصر . وإذ نأسى اليوم على ما حدث أمس الأول من مذبحة إجرامية آثمة في بلدنا ، ندرك أيضا البعد التذكيري لهذا الحدث الفاجع الكبير ، والذي ينبهنا الى أننا أمام تنظيم سفاح سقيم النفس عدم الشرف وعديم الانتماء الا لمن يطعمونه على دماء البشر في بلاد الله ويمتلكون ناصيته بما احاطوا به رقبته من سلاسل القيادة والمنفعة والتجارة والتسلط .

ان تلك القشعريرة التي سرت في أجسادنا ونحن نشاهد وقائع القتل التي ارتكبها هؤلاء المجرمون العبيد خلال السنوات القليلة الماضية وحتى أمس الأول ، لا يمكن أن تغادر ذاكرتنا أبدا ، ولا يمكن أن تسمح لنا بمد أيدينا اليهم بسلام أو حوار أو تفاهم أبدا . ولا يمكن أن نقبل من تلك الشراذيم ميلا الى سلام أو حوارا لأنهم خائنون غدارون وناكرون للحق وناكرون للوطن وناكرون لصحيح الدين . ومثلهم كمثل العميل الرخيص الذي يبيع نفسه وخدماته لمن يدفع ، وهو يعلم أن لا كرامة له في وطنه الذي خانه ولا كرامة له في البلد الذي اشتراه رخيصا مبتذلا يتسول العمل لدى الحاقدين ومدبري المؤامرات ، ثم يلقى مصيره في نهر أو بحر أو مقلب للمهملات . وقد أودت أحداث أمس الأول الإرهابية  الى استشهاد واصابة العديد من رجال الأمن المصريين الذين افتدوا - بكل بسالة – مئات من الناس من إخواننا المصريين الذين تواجدوا للصلاة في الكنيسة في مدينة الأسكندرية  ، مثلما استشهد كثيرون غيرهم في مواقع سابقة على خطوط المواجهة مع الإرهاب والإرهابيين وأهل الاجرام والسفاحين ، ليخلفوا وراءهم أسرا كثيرة وأبناء وأرامل وأخوة وأخوات كانوا يقومون على رعايتهم ماديا ومعنويا ويرعون مستقبلهم . وعندما تنحسر موجة المواساة والتعازي والتعاطف عن تلك الأسر الكثيرة التي ودعها أربابها في سلام ليلقوا رب كريم ، سوف تبقى أبواب الألم لسنين كثيرة قادمة ، وسوف تبقى أبواب الحاجة والاحتياج التي تدوم دوام الحياة مفتوحة ومتزايدة أمام تلك الأسر . وسوف تبقى مصر في حاجة دائما الى أولادها الذين يزودون عنها ويقدمون أرواحهم فداءً لها ولشعبها ، ولا يمكن لها أن تستغني أو تستبدلهم بغيرهم ، ولكنها تستطيع أن تنظر فيما يخصص لعائلاتهم التي فقدت عائلها للتو ، بحيث تكون هذه المخصصات من القدر بحيث لا تترك عائلة من عائلات الشهداء في مهب السؤال أو عرضة لعواصف الزمن وتقلبات الأحوال التي لا يأمنها أحد ولا يعلو على موجها العالي أحد . وليس الحل أيضا ولا الطرح المطروح يرمي الى اثقال ميزانية الدولة بأعباء جديدة تنوء بحملها وتبوء بأوجاعها ، وما أكثر أوجاع ميزانية الدولة في الوقت الراهن ، وهى تحاول أن تجبر جراح عشرات السنين وتعالج ما كان يبغي علاجه منذ عقود . ولذلك ، وسعيا الى الخروج من مأزق التحميل على الدولة أو التحميل على أسر الشهداء ، فقد يجدى الأمر نفعا أن نتدبر في إمكانية التعاقد مع شركات للتأمين على الحياة ، بحيث تسدد الدولة أقساط بوالص التأمين لمن هام ضالعون في أعمال مواجهة واقتحام وحماية وأعمال خطرة أخرى تصبح حيواتهم فيها عرضة للنهاية السريعة المفاجئة ، وذلك نظير مبالغ تأمينية قيمة ومشرفة وتمثل حبا فعليا لشهداء الواجب وعونا حقيقيا لأسرهم وذويهم ، وتمثل تشجيعا ملموسا للجميع لكيلا لا يتردد في الانخراط في سلك الخدمة التي قد تنقذ الوطن وتنقذ أناسا كثيرين وتنقذ قطاعات هامة في الدولة .  

مليون جنيها مصريا قد يمثل تعويضا مناسبا لأسر شهداء الأمن ، وهو الحد الأدنى – في ظني – في هذا الوقت المشتعل الأسعار . وهو تعويض يعبر عن ذكاء الدولة وتفهمها لقيمة التضحية الباهظة التي لا تقدر بثمن والتي تطلبها من أبنائها . وقد حان الوقت للتدبر في هذه الخطوة الهامة ، حتى لا تجد الدولة قدراتها الأمنية في حالة قصور وعجز عن مقابلة التحديات الأمنية ، نتيجة لانصراف أبنائها عن بعض القطاعات الهامة والحيوية . ذلك أن الاستمرار على مبالغ التعويض الهزيلة الحالية – مع هبوط قيمة الجنيه – قد يؤدي الى نتائج وخيمة . ولا يمكن التعويل على مشاعر الوطنية فقط ، لأن لكل مسؤولياته الأسرية التي ينبغي عليه القيام بها . ولا يعقل أن يتجه المرء الى عمل خطير قد يحرم أسرته منه مدى الحياة ، وهو يعلم أنه بلا غطاء تأميني مناسب ولا يسانده الا معاش متواضع لا يسعف أحدا . كما أن التعويض المطروح في مبلغ المليون جنيها سوف يساعد الدولة أيضا في تأدية مهامها المنوطة بها ، وذلك بالحيلولة دون ظهور طبقة اجتماعية ضعيفة من أهالي وأسر شهداء الأمن .

ان الدولة – وفي مقدمتها الرئيس السيسي – قد بذلت كثيرا من الجهد وما زالت تحاول وتسعى لعمل المزيد مسترشدة بما هو متاح ، وباحثة عن إضافات قد يضيفها فكر خلاق أو فكرة جديدة أو غير تقليدية أو قديمة جديدة سبق أن طرحت ولم تجد آذانا تصغي اليها لظروف أو لأخرى . ونحن اذ نطرح فكرة بوالص التأمين الإضافي على رجال المكافحة والمواجهة وغيرها من الأعمال الخطرة التي يقوم بها رجال الجيش والشرطة للنظر ، لا نسعى الا لشد الانتباه الى أهمية تقديم العون الحقيقي والتقدير الحقيقي للشهيد وأسرته . وليست فكرة بوالص التأمين الإضافي جديدة ، ولكنها مطبقة لدى بعض الدول الأخرى بالفعل بشكل أو بآخر يعلمه أهل التأمين ، وتستريح اليه الدولة وأولادها القائمون على رعايتها وسلامها . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى الخير .

                                                                                                        ماهر المهدي