نكشف سر تهريب الآثار المصرية إلى الخارج

إهمال المواقع والمخازن الأثرية حولها لسوق اخترقها الطامعون
الإهمال يضرب المواقع الأثرية بالمحافظات.. والمتاحف تتحول ملهى وملعب للأطفال واستراحة للماشية
اللصوص يخترقون المواقع الأثرية بالشرقية من باب الإهمال.. والأهالى يستغيثون لحماية آثارهم وتراثهم
الغربية تحتوى على أعرق الآثار «الفرعونية والقبطية والإسلامية واليونانية».. والسياحة بها صفر
متحف الإسماعيلية بلا سور منذ سنوات.. والآثار أصبحت مرتعا للصوص
كشفت وسائل إعلام غربية، الأسبوع الماضى، ضبط السلطات الإيطالية سفينة تحمل حاويات بها قطع أثرية مصرية نادرة قادمة من ميناء الإسكندرية.
وذكرت وزارة الآثار، أن شرطة مدينة نابولى بإيطاليا ضبطت حاويات تحتوى على قطع أثرية تنتمى لحضارات متعددة، من بينها قطع أثرية تنتمى للحضارة المصرية القديمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن حاويات هبطت من السفينة فى ميناء ساليرنو، وتم العثور على قناع مصرى ذهبى، وتابوت حجرى، وقارب يحوى 14 مجدافا، وتجرى حاليا تحقيقات لتتبع منشأ هذه القطع القيمة، التى لا تمثل سوى جزء صغير مما فى الحاوية، وهو أيضا ذا قيمة كبيرة.
وأكدت الصحيفة أن هذه القطع الأثرية كانت تسافر على حمولة دبلوماسية، مشيرة إلى أن المدعى العام فى ساليرنو يحقق فى تلك العملية، خاصة أن تلك القطع الأثرية كانت بيعت فى السوق السوداء، وقيمتها لا تقدر بثمن، وترى الصحيفة أن هذه القطع تم تهريبها لتمويل عمليات إرهابية لتنظيم داعش الإرهابى، إذ أن الآثار تعتبر ثالث مصدر له بعد المخدرات والأسلحة.
عقب تداول الخبر، أصيب الكثير بالصدمة عن كيفية خروج هذا العدد الضخم من الآثار وأين كان المسئولون ولكن الحقيقة أن الأمر سهل للغاية فكثيرا ما فتحنا ملفات الفساد والإهمال داخل وزارة الآثار ولكن لم يلتفت لنا أحد، نضع اليوم تحت أيديكم خريطة الإهمال فى المواقع الأثرية فى وضح النهار فلم يصبح الأمر خلسة وفى الخفاء بل أصبح التنقيب «على عينك يا تاجر» بلا خوف ولا رقابة .
البداية من محافظة الشرقية، التى تمتلك ثروة أثرية فريدة، فبها أكثر من ثلث آثار مصر، إذ تحتوى على 165 موقعا أثريا، من أبرزهم الأماكن الموجودة بآثار تل بسطة بالزقازيق، والتى كانت مركزا دينيا وإحدى عواصم مصر القديمة، وعاصرت الكثير من الفاتحين والغزاة، بالإضافة إلى مرور السيدة العذراء مريم وابنها السيد المسيح عيسى عليه السلام، من على أرضها ومبيتهم ليلة كاملة بها، وأيضا مدينة صان الحجر، التى كانت تمثل عاصمة سياسية، وتم استخراج سبع مسلات أثرية منها.
فالآثار الموجودة بمنطقة تل بسطة، لا تقل أهمية عن الآثار الموجودة بمعبد الكرنك، نظرا لما تحتويه من مقابر وتماثيل فرعونية.
ولكن تعانى الآثار فى الشرقية عموما من إهمال شديد ويهددها بالضياع، فتوجد تماثيل فرعونية عظيمة ملقاة على الأرض، وخاصة فى صان الحجر وقنتير فى فاقوس، والتى تم استخراج منها أوانٍ فخارية مؤخرا.
والمسؤولون بالشرقية لا يهتمون بالآثار نهائيًا ويتركونها ليعبث بها الأطفال، مثل مقابر الأسرة الـ٢٠ والأسرة ٢١، ومقابر ملكية، ولن يتدخل أى مسئول لإنقاذ تلك الآثار ولم تكن مدرجة فى البرنامج السياحى للدولة.
وأصبحت الأماكن الأثرية عموما عبارة عن كتل حجرية ملقاة أرضا ومن حولها المخلفات والقمامة.
وطالب العاملون بصان الحجر والتى تحوى على أكبر كمية من الآثار، بعمل صيانة لتلك الآثار الموجودة فى المخازن والمتحف القديم، ويطالبون أيضا بإعداد فيلم وثائقى للمنطقة لجذب السياح.
ويقول محمد إبراهيم موظف، أن هناك إهمالا واضحا من قبل المسئولين فى الحفاظ على آثار تل بسطة وصان الحجر وقنتير، بل هناك أراض تابعة لوزارة الآثار، ونجد البيوت تغلغلت بها.
وقال السيد متولى، مهندس، إنه توجد أعمال حفر بين حين وآخر وذلك تنقيبا عن الآثار.
ويقول سمير على أحد سكان المنطقة المحيطة بعزبة التل: «تم اكتشاف قطع أثرية فى تلك القرية وتم تسليمها لهيئة الآثار»، مضيفا أنه ليس تلك المنطقة لوحدها بمركز الحسينية التى تحتوى على آثار فهناك أكثر من منطقة، ولكن المواطنين هم الذين ينهبونها.
وأشار على التهامى مواطن، أنه منذ فترة تم اكتشاف تمثال بمنطقة المقابر وتعامل الأهالى معه على أنه حجارة، مضيفًا أن الآثار فى صان الحجر، تعانى من إهمال شديد يهددها بالضياع وصان الحجر، أصبحت واديا يقع فيه مناطق أثرية تكسوها الأتربة والرمال.
ويقول سامح سليم إن آثار تل بسطة وصان الحجر وقنتير وتل الضبعة تعانى من إهمال الدولة لها، وذلك شجع اللصوص على سرقتها، وقام عدد من اللصوص فى الآونة الأخيرة بسرقة آثارها وباعوها وأصبحوا من الأثرياء.
تقول نبيلة على، مدرسة، إن كل من له علاقة بحماية الآثار المصرية متهم فى المأساة التى تعيشها صان الحجر، إذ أنها تحمل فى باطنها مقابر للأسر القديمة، وتماثيلها نادرة، وأصبحت هدفا سهلا للصوص الآثار، والذين سرقوا الكثير من آثار صان الحجر باعوها وأصبحوا من الأثرياء، والآثار المتبقية تركها المجلس الأعلى للآثار دون اهتمام أو حراسة.
ومن جانبه، أكد الدكتور عبدالفتاح البنا مستشار المحافظة للآثار والسياحة، أن هناك خطة لتنمية السياحة بمحافظة الشرقية وعمل بروتوكولات بين المحافظة وبين الجهات المعنية ابتداء من 30 مايو الحالى، حيث يقام الملتقى الأول لدعم آثار الشرقية، وسوف يتم توقيع بروتوكول بين المحافظة ووزارة الآثار، ويتم مناقشة كيفية حماية الآثار التى تآكلت نتيجة الزخم العمرانى وسوف يتم دعمها من الوزارة.
وأضاف أن الخطة سوف تشمل وضع الشرقية فى مقدمة المحافظات السياحية الأخرى، وسوف يروجون عن منتج جديد وهو سياحة اليوم الواحد تحت اسم «رحلات كروز» وهى عبارة عن تخصيص مركب كبيرة سياحية تكمن فى بورسعيد وتقوم بنقل السياح إلى صان الحجر بالشرقية.
ومن الشرقية الغربية، حيث إن بها العديد من الأماكن الأثرية التى الإهمال فصارت مرتعا للحيوانات والأعمال غير القانونية:
أطاحت يد الإهمال الجسيمة بأعرق الآثار المصرية التى تحويها محافظة الغربية، فتلك المحافظة بها العديد من الأماكن والقطع الأثرية التى يرجع تاريخها لآلاف السنين.
فأصبحت أهم الأماكن الأثرية عبارة عن مأوى لمتعاطى المخدرات، وملجأ لمبيت أطفال الشوارع، فضلًا عن استغلال اللصوص حالة الانفلات الأمنى، التى شهدتها مصر منذ 25 يناير 2011، فبحثوا عن الآثار منقبين عن كل ما هو ثمين، وتعدوا على التراث، وهذا ما دفع مسؤولى الآثار بالغربية إلى تقديم استغاثات عاجلة لعلها تجد صدى عند المسؤولين.
قال أحمد سعيد من منطقة تفتيش الآثار بالغربية: «قمنا بإرسال العديد من الخطابات لـوزارة الداخلية بهذا الشأن، لإجراء اللازم، ولكن حتى الآن لم يتم الاهتمام بهذه المنطقة بالشكل الفعلى، فالأراضى الأثرية تتعرض لهجمة شرسة من قبل الأهالى الذين استغلوا حالة الانفلات الأمنى، وأحدثوا فوضى عارمة وقاموا بالاعتداء على الأراضى الأثرية، وبنوا عليها».
كما ناشد مسؤولو الآثار الإعلام، لتوصيل صرخاتهم للمسئولين، والتى تعد بمثابة جرس إنذار لوزير الآثار.
وأشار الأهالى إلى أن الوفود والأفواج السياحية، كانت تأتى من مختلف الجنسيات، للاستمتاع ومشاهدة ما بها من آثار، فضلًا عن الكشف والتنقيب، إلا أن لم يعد لذلك أى وجود.
وطالب الأهالى بإدراج المناطق السياحية بالغربية على الخريطة السياحة لمصر، كما طالبوا المحافظ بزيارة المناطق الأثرية والسياحية والاهتمام برصف الطريق إليها.
ومن أشهر وأهم المناطق الأثرية بالغربية، قرية «صالحجر» بمركز بسيون وهى من الآثار الفرعونية، وقرية «أبو صير بنا» بمركز سمنود، والتى كانت عاصمة لمصر فى عهد الأسرة السادسة والعشرين وموطن الإله «أوزوريس» وعاصمة الإقليم التاسع من أقاليم مصر السفلى، وقرية «بهبيت الحجارة» مركز سمنود، والتى كانت مقرًا لعبادة الإله «إيزيس».
تحولت القرية العريقة التى تضم عددا من المعابد الأثرية التى شهدت حقبة تاريخية فرعونية لعدد من الأسر الفرعونية التى حكمت الوجه البحرى فى غفلة إلى مأوى للكلاب الضالة والماشية واللصوص بعد أن أصبحت المنطقة الأثرية بها مقلبا للقمامة رغم احتوائها على كنوزا أثرية، واكتفى المسئولون بوضع لوحة ممنوع الاقتراب والبناء على المنطقة الأثرية.
ومن الغربية إلى الإسماعيلية، إذ أن متحفها الأثرى طاله الإهمال أيضًا، وهو أحد أهم الأماكن الأثرية بالمحافظة، فى عدم وجود سور بشارع محمد على، والذى يوجد به المتحف، وذلك على الرغم من أهميته الأثرية، حيث يُعد من أهم الأماكن فى الخريطة السياحية للإسماعيلية.
كما أنه مقصد الوفود السياحية بالمنطقة؛ لوجود قطع أثرية هامة به، والتى ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ.
وتحدثت منى شعبان مديرة المتحف، لـ«الزمان» عن المتحف، قائلة إنه تم تأسيسه عام 1913، وكان حينها حديقة مفتوحة، ثم تم تأسيس المبنى بعد ذلك عام 1934.
ويضم حوالى 3842 قطعة أثرية تعود لعصور ما قبل التاريخ مرورا بالعصر الإسلامى، وأول من فكر فى إنشائه هو الفرنسى جونكليدا أيام حفر قناة السويس.
وعن مشكلة تسوير المتحف التى لم تتم حتى الآن، قالت إن المتحف تابع لقطاع المتاحف بوزارة الآثار، والمتحف لا يوجد عليه سور منذ إنشائه حتى الآن، فتقدمنا أكثر من مرة لقطاع المشروعات بوزارة الآثار بطلب، يشير بضرورة تسوير المتحف لحمايته ولم يتم الرد .
وأشارت إلى أن تسوير المتحف يحتاج لميزانية كبيرة، وخاصة أن مساحته كبيرة جدًا.. يحتاج إلى تعلية تتناسب مع ارتفاع المبنى، ما يتطلب تخصيص اعتمادات مالية من قطاع المشروعات بالوزارة، ومواصلة مخاطبة المسئولين فى الوزارة فى الفترة الحالية لضرورة التحرك واعتماد ميزانية لإنشاء سور حول المتحف.