رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

مصر... تنزانيا ... والهجرة الي الجنوب

محمد عبد المنصف
محمد عبد المنصف

علي عكس لغة التجاهل التي سادت أسلوب الحوار بين مصر ودول حوض النيل طوال العقد الأول من الألفية الجديدة، جاء قرار الرئيس التنزاني "جون موجفلى"، ببناء سد "ستيجلر جورج" لتوليد الكهرباء علي نهر روفيجى الذي يصب مياهه في المحيط  الهندي بعيدا عن حوض النيل، بدلا من التوجه الذي كان يهدف الي اقامته  علي أحد روافد النيل، أكثر  من ذلك انه اختار شركة المقاولون العرب المصرية لبناء السد.

والواقع ان التواجد المصري الشعبي علي مدي العقود الماضية هناك كان ضعيفا، فاذا نظرنا الي  الصادرات التنزانية التي تصل الي   4.9 مليار دولار سنويا ، نجد أن الهند تستحوذ علي 21% منها، يليها جنوب افريقيا 17.9% فكينيا 8.8% فسويسرا 6.7%، وبلجيكا 5.9% فالكونغو الديمقراطية 4.9% واخيرا الصين 4.8%.

وبالتوازي فان الواردات التنزانية  التي تقدر بنحو  7.8 مليار دولار تستحوذ الهند منها علي 16.5% تليها الصين 15.8% فالامارات العربية 9.2% فالمملكة العربية السعودية 7.9% فجنوب افريقيا 5.1% فاليابان 4.9% واخيرا سويسرا 4.4% .

فيما لا يتعدي حجم التبادل التجاري بين مصر وتنزانيا 29.6مليون جنيه، حيث تصدر مصر بنحو 28.2مليون جنيه وتستورد بنحو 1.4 مليون جنيه، فلا عجب اذن الا تكون مصر علي راس اولويات السياسة الخارجية لتنزانيا حتي لو كان ذلك ضد رغبة المواطن التنزاني نفسه لان الحكومات لا تعترف في قراراتها الا بالمصالح العليا لبلادها.

وسبق لتنزانيا الانسحاب عام 2000 من تجمع الكوميسا والإنضمام لتجمع السادك الذي تتزعمه دولة جنوب أفريقيا لأنها أهم دولة في التبادل التجاري معها، كما لعبت دورا في توفير الكهرباء لها،  نظرا لان الكهرباء لاتغطي سوي 4% من قري تنزانيا، ولهذا السبب نجدها تقف موقفا مساندا  لإثيوبيا في بناء سد النهضة علي أن تكون أحد المشترين للكهرباء المتولده عن السد.

وبعيدا عن حجم مشاركتها في مياه نهر النيل وأنها تشترك مع كينيا وأوغندا وورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية في 15% من اجمالي حصة مصر من مياه النيل، فيما تتحكم الهضبة الاثيوبية في 85% من المياه المتدفقة الي مصر، فان غياب التواجد الشعبي المصري سمح وسيسمح بتواجد جاليات اخري تبحث عن مصالحها دون النظر للمصالح الحقيقية لتنزانيا أو مصر علي السواء،  ولابد من تداخل شعبي قوي يحقق مصالح اقتصادية ملموسة للشعبين .

اغلب الظن ان السياحة هي المحطة الرئيسية التي يمكن أن نبدأ بها تلك العلاقة فتنزانيا واحدة من أهم 10 مزارات سياحية في العالم، بما تحتويه من  مناطق خلابة تصلح لتصوير الأفلام  السينمائية وأغاني الفيديو كليب والمسلسلات كما تفعل غيرنا من الدول، كما تضم سلسلة جبال كلمنجاروا التي تغطيها الجليد أغلب شهور العام لوقوعها علي ارتفاع 5200 متر فوق مستوي سطح البحر ، كما تتشاطئ مع أوغندا وكينيا علي بحيرة فيكتوريا، ثاني اكبر بحيرة طبيعية في العالم، ولا يمكن أن ننسي أروشا أكثر المناطق السياحية شهرة في افريقيا، ناهيك عن حدائق الحيوان المفتوحه المنتشره بها وغيرها كثير.

لابد اذن من  وضع تنزانيا علي الخريطة السياحية للشركات المصرية ليبدأ المصريون رحلتهم الي الجنوب بدلا من التركيز المستمر علي الشمال، خاصة الشباب الراغب في قضاء شهر العسل خارج مصر، والعائلات التي تقضي أجازة الصيف في رحلات ترفيهية للخارج، بالتوازي مع تنظيم رحلات مماثله للتنزانيين حتي نوجد نوعا من الألفة بين الشعبين .

خاصة وأن تنزانيا  تمثل سوقا واعدا لاستثمارات رجال الأعمال فقد بدأت ارتفاع معدل النمو بها بين 6و7%  في انشاء بنية تحتية قوية تشتمل علي طرق سريعة ومولات تجارية ومصانع، وكل ذلك يفتح الباب أمام شركات المقاولات المصرية، للانفتاح علي ذلك السوق،  يساعد علي ذلك امتلاك تنزانيا ميناء  دار السلام  علي المحيط الهندي مما ييسر عملية نقل مستلزمات البناء من مصر واليها.

وربما غفل المصريون عن رصد ظاهرة توجه الكثير من السوريين بسبب الحرب الدائرة ببلادهم الي تنزانيا سواء للإقامة الدائمة  واقامة مشروعات تجارية بها أو لإتخاذها نقطة ترانزيت للإنطلاق منها  الي الدول الأوربية ، كما نجحت الصين في توفير وحدات الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بأسعار رخيصة لخدمة سكان القري ، فيما يسيطر الهنود علي حركة التجارة الأساسية بالأسواق، وكل ذلك يقلص من فرص التواجد الشعبي المصري ما لم نتخذ خطوات فعالة وعملية في النفاذ لذلك السوق .

ومن المؤكد أن المصالح المشتركه وحدها هي التي تخلق الود بين الشعوب، وما لم يلمس المواطن التنزاني مصلحته في التعاون مع المصريين لن يحرص علي استمرار تعاونه معهم  بل ستكون الأولوية للدول الاخري .