رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

خير أجناد الأرض

الجيش القاسم المشترك في ثورتي 23 يوليو و 30 يونيو

أرشيفية
أرشيفية

٦٧ عاما على ثورة مفصلية ونقطة تحول فى تاريخ العسكرية المصرية

 

تحل علينا الذكرى السابعة والستون على ثورة 23 يوليو 1952، التى تظل واحدة من أهم المحطات المضيئة فى تاريخ مصر والعرب المعاصر، فهى تمثل نقطة تحول مهمة فى تأكيد عروبة مصر وتطور فكرة القومية العربية فيها بل وترسيخ هذه الفكرة وإكسابها قاعدة شعبية عريضة، تجاوبت مع توجهات الثورة العربية، حتى أصبحت هذه الفكرة هى السائدة على الساحة المصرية بلا منازع.

 

كان القاسم المشترك فى ثورتى ٢٣ يوليو و٣٠ يونيو، أن جيش مصر الباسل كان وسيظل الملجأ الأخير لأبناء الشعب، لتخليصهم من الظلم الواقع عليهم، سياسيا واجتماعيا، وقد تجلت هذه الحقيقة الراسخة فى سعادة الشعب بثورة 30 يونيو، التى قاد فيها الجيش الباسل حركة الشعب للتخلص من حكم وتحكم جماعة إرهابية سعت لتمكين أعضائها وحدهم فى مفاصل الدولة.

وكان القاسم المشترك الآخر، أن القوات المسلحة وقادتها، أعلنوا منذ اللحظة الأولى، عن انحيازهم لجموع الشعب، ولفئاته فى الثورتين.

 

كانت ثورة ٢٣ يوليو نقطة تحول كبرى فى تاريخ العسكرية المصرية، إذ برز الدور الذى تسبب فيه القصر فى هزيمة الجيش المصرى بفلسطين بعد أن زج به الملك فى معركة دون سلاح تقريبا، وإن وجد السلاح فهو فاسد يرتد فى صدور أبناء الوطن بدلا من أن يصيب الأعداء‏.‏

 

بعد تردى الأمور وفى تلك اللحظات بدأت مجموعة من الضباط فى تكوين ما يعرف بتنظيم الضباط الأحرار، الذى اتسم بدقة تنظيمية هائلة مكنته ـ وخلال سنوات قلائل ـ من ضم العديد من الضباط الرافضين لهذه الأوضاع المتردية فى الجيش والبلاد‏.‏

 

ولم يكن غريبا بعد كل ذلك أن تقوم الثورة على أكتاف هؤلاء الضباط الأحرار، ولم يكن غريبا أيضا أن يطلق الثوار اسم فلسطين على خطة الثورة‏..‏ فلسطين التى كانت وما زالت محور اهتمام الأمة والشعب المصرى بوجه خاص.‏

 

أحداث الثورة

وقد جرت أحداث الثورة وخطة تنفيذها على النحو التالى‏:

بدأ تنظيم الضباط الأحرار فى تكوين خلايا له، ولمعرفة قوة هذا التنظيم قرر الأحرار خوض انتخابات نادى الضباط، كوسيلة لاختبار مدى تأثيرهم على الرأى العام داخل الجيش، وفى يوم ‏31‏ ديسمبر عام ‏1951، اجتمعت الجمعية العمومية للضباط بقاعة السينما بمعسكر العباسية لمناقشة التعديلات المقترحة فى قانون النادى، وإجراء الانتخابات لمجلس الإدارة، وبفضل التيار الوطنى الذى ساد الاجتماع أبدت الجمعية العمومية تحديها للملك بإقرارها عدم تمثيل سلاح الحدود بمندوب فى مجلس الإدارة، وكذا بفوز مرشحى الضباط الأحرار فوزا ساحقا وسقوط مرشحى السراى، وأصبح اللواء محمد نجيب رئيسا لمجلس إدارة نادى الضباط بينما ضم المجلس ‏5‏ من الضباط الأحرار وهم زكريا محيى الدين وحمدى عبيد، وجمال حماد، وحسنى إبراهيم، وأمين شاكر، وأصر الملك على تحدى الضباط الأحرار، فبعث رئيس أركان الجيش خطابا رسميا إلى رئيس مجلس الإدارة، ينص على أن سلاح الحدود أصبح سلاحا مستقلا بذاته، وبناءً عليه يجب تمثيله من خلال مندوب فى مجلس الإدارة، ولكن المجلس رفض التنفيذ‏.‏

 

ووجه مجلس إدارة النادى الدعوة لعقد اجتماع غير عادى للجمعية العمومية لعرض الأمر عليها، ولم تسمح الظروف السياسية للبلاد بعقد الاجتماع إلا فى مساء ‏16‏ يونيو ‏1952 فى حديقة نادى ضباط الزمالك، وواصل الضباط تحديهم للملك، إذ رفضت الجمعية تمثيل سلاح الحدود فى مجلس الإدارة، نكاية فى مدير الحدود اللواء حسين سرى عامر أحد أذناب السرايا‏.‏

ولكن الملك لم يرضخ لهذا القرار وضغط على الفريق محمد حيدر القائد العام للقوات المسلحة، الذى أصدر قرارا يوم ‏16‏ يوليو 1952، بحل مجلس إدارة نادى الضباط، وكان هذا القرار بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، واستعد الضباط الأحرار للقيام بالثورة التى وضعت خطتها كاملة بعد أسبوع واحد فقط من قرار الملك،‏ والتى سموها خطة فلسطين‏.‏

 

وفى الساعة الواحدة من فجر يوم الأربعاء ‏23‏ يوليو 1952 حققت الخطة فلسطين أول نجاحاتها، بالاستيلاء على مبنى رئاسة أركان حرب الجيش بكوبرى القبة، وأسر الفريق حسين فريد رئيس أركان الجيش وجميع القادة الذين كانوا مجتمعين معه فى مكتبه بالطابق الثانى من المبنى ـ وتم اقتياده إلى السجن الذى أقيم فى مبنى الكلية الحربية القديم، والمواجه لمبنى رئاسة الأركان فى ذلك الوقت‏.‏

 

وقد شاركت فى هذه العملية قوة من كتيبة مدافع الماكينة الأولى بقيادة المقدم أركان حرب يوسف منصور صديق، بالاشتراك مع السرية‏ 13‏ مشاة، بقيادة النقيب عمرو محمود على، وفصيلة من سلاح المدرعات بقيادة الملازم أول فاروق الأنصارى، واشترك فى التنفيذ المقدم جمال عبدالناصر، والرائد عبدالحكيم عامر، والرائد جمال حماد، والمقدم طيار عبداللطيف البغدادى، والمقدم زكريا محيى الدين‏.‏

 

كما أرسلت فى نفس الوقت قوة لسد الطريق الممتد من منطقة القناة خشية أن تتدخل القوات البريطانية، وفى الساعة الثالثة صباحا، اتصل الصاغ جمال حماد باللواء محمد نجيب لكى يحضر إلى مقر القيادة، لكتابة بيان الثورة الأول‏.‏

 

وفى نفس التوقيت وبالتوازى تحركت عناصر من القوات المسلحة للسيطرة على الموقف فى القاهرة، فقد تحركت الكتيبة الأولى مدافع ماكينة والمتمركزة فى منطقة الهايكستب، والكتيبة ‏13‏ مشاة ماكينة، وكانت تتمركز فى منشية البكرى، وسيارات مدرعة كانت تتمركز فى كوبرى القبة، وعناصر من الآلاى الأول سيارات خفيفة، والمتمركزة فى كوبرى القبة، والآلاى الأول مدرع، وآلاى الخيالة بالقبة، والآلاى الأول ميدان فى الهايكستب، والآلاى الأول مضاد للدبابات المتمركزة فى ألماظة، وعناصر من كتائب خدمة الجيش بالعباسية،‏ وقد وضع خالد محيى الدين خطة تحرك هذه القوات بخط يده، وتتمثل فى قطع خطوط التليفونات على الحكومة، والقبض على كل من له علاقة بالملك والسرايا ووضع كردونات فى القاهرة للسيطرة على عمليات الدخول والخروج، وسد جميع الطرق الرئيسية، على أن تبدأ هذه العملية فلسطين بعد إذاعة بيان الثورة فى الراديو‏.‏

 

وفى الساعة السادسة والنصف من صباح يوم ‏23‏ يوليو ‏1952‏ أذاع البكباشى أنور السادات مع بداية إرسال الإذاعة المصرية بيان الثورة الأول، وبدأت جميع القوات فى التحرك إلى الأماكن الحيوية، ومنها قصر عابدين والسيطرة على الحكم دون أى مقاومة تذكر، كما قامت مجموعة من الضباط الأحرار بسلاح الطيران بمعاونة فصيلة من الدبابات بالسيطرة على المطارات الحربية، كما أعلنت جميع المناطق الخارجية عن انضمامها للثورة وتولى الضباط الأحرار مهام قيادة وحداتها‏.‏

 

وعلى الفور اتصل نجيب الهلالى رئيس مجلس الوزراء من الإسكندرية باللواء أركان حرب محمد نجيب، وسألة عن مطالب الجيش، ورد عليه نجيب بالمطالب الآتية‏.‏

 

‏*‏ تكليف على ماهر باشا بتشكيل الوزارة‏.‏

 

‏*‏ تعيين اللواء محمد نجيب قائدا عاما للجيش المصرى.‏

 

‏*‏ إبعاد ‏6‏ من أفراد الحاشية الملكية عن البلاد‏.‏

 

وعلى الفور قبل الملك استقالة الوزارة، وكلف على ماهر بتشكيل الوزارة الجديدة، وفى المساء عقد اجتماعا بمقر قيادة الثورة بكوبرى القبة برئاسة اللواء محمد نجيب، واتخذ خلاله قرارا بعزل الملك فاروق من العرش وإرسال بعض القوات إلى الإسكندرية للسيطرة على الموقف هناك‏.‏

 

تم تشكيل الوزارة الجديدة برئاسة على ماهر، وضمت ‏10‏ وزراء جدد واحتفظ لنفسه بوزارات الخارجية والحربية والداخلية، وفى مساء نفس اليوم أذاع محمد نجيب البيان الثانى للثورة بصوته، وعزل الملك عن العرش، وفى الساعة‏ 11‏ مساء نفس اليوم التقى اللواء محمد نجيب مع مستشار السفارة الإنجليزية فى مقر القيادة وأبلغه بمسئوليته عن حماية أرواح الأجانب المقيمين فى مصر‏.‏

 

وفى صباح يوم ‏25‏ يوليو تحركت قوتان من ثكنات الجيش بالعباسية إلى الإسكندرية، وصلت إليها قبل الغروب، وعسكرت فى الملعب الرياضى، وفى المساء وصل محمد نجيب ومعه بعض ضباط مجلس قيادة الثورة واتخذوا ثكنات مصطفى باشا مقرا لهم، وعلى الفور اجتمع محمد نجيب بقيادة البحرية، الذين أعلنوا تأييدهم للثورة‏.‏

 

وفى فجر‏ 26‏ يوليو حوصر قصر رأس التين، وقامت البحرية بدوريات أمام القصر، وأطلقت النيران من جهة الحرس فى اتجاه الكتيبة ‏19‏ بنادق مشاة فردت بالمثل وخرج‏ 5‏ من ضباط الحرس على رأسهم اللواء عبدالله النجومى معلنين الاستسلام‏.‏

وعلى الفور أجبر الملك فاروق على التنحى عن عرش البلاد وكتب الأمر الملكى رقم ‏65‏ لسنة 1952‏ بالنزول عن العرش لولى العهد أحمد فؤاد، وأصدر الأمر لعلى ماهر رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه، وتوجه بعد ذلك الملك إلى يخت المحروسة التى نقلته إلى روما، وكان فى وداعه محمد نجيب، وجمال سالم، وحسين الشافعى، وأحمد شوقى وإسماعيل فريد‏.‏

 

وبذلك نجحت الخطة فلسطين فى خروج الثورة إلى النور وتطهير البلاد من الفساد فى ذلك الوقت، ولا يمكن أن ننسى أن هذه الثورة لها إنجازات عديدة، يكفى أنها أعادت الإحساس بالكرامة والعزة إلى البسطاء ولا ننسى مجانية التعليم، أو قوانين الإصلاح الزراعى، أو تمصير الشركات ليكون المصرى هو المالك والمنتج والمستفيد بما أنتجه كما لا يمكن أن ننسى أهداف الثورة الستة التى ما زالت حتى اليوم مطلب المصريين كلهم وهى: بناء جيش وطنى قوى يحمى حدود مصر ومقدرات شعبها، وبناء حياة ديمقراطية سليمة بجناحيها السياسى والاقتصادى، وإقامة عدالة اجتماعية، والقضاء على سيطرة رأس المال وتسلطه على صنع القرار السياسى، والقضاء على الإقطاع وعبودية جموع الشعب لفئة قليلة تأخذ كل شيء ولا تترك للجماهير إلا الفتات، ثم القضاء على الاستعمار ليكون الشعب هو صاحب قراره ومالك مصيره بنفسه.