رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي

محمد نجيب ليس شبحًا

أحمد إبراهيم الفقيه
أحمد إبراهيم الفقيه

كنت‭ ‬طفلًا‭ ‬دون‭ ‬العاشرة‭ ‬بقليل‭ ‬عندما‭ ‬بزغ‭ ‬اسم‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬زعيمًا‭ ‬لحركة‭ ‬الجيش‭ ‬الذى‭ ‬أطاح‭ ‬بعرش‭ ‬الملك‭ ‬فاروق،‭ ‬وأعلن‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬إقامة‭ ‬النظام‭ ‬الجمهورى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.‬كانت‭ ‬صورة‭ ‬زعيم‭ ‬الثورة‭ ‬تتصدر‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬بلدتنا‭ ‬جنوب‭ ‬طرابلس،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬تأخذ‭ ‬مكانها‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬الوعى‭ ‬لى‭ ‬ولأبناء‭ ‬مرحلتى‭ ‬العمرية‭ ‬باعتباره‭ ‬بطلًا‭ ‬ومنقذًا‭ ‬ومخلصًا،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تسميه‭ ‬صحافة‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬واستقر‭ ‬فى‭ ‬وجدانى‭ ‬بهذا‭ ‬الوضع‭ ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الكريمة‭ ‬المحاطة‭ ‬بالإكبار‭ ‬والتبجيل،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬سهلًا‭ ‬إزاحته‭ ‬عن‭ ‬موقعه‭ ‬ولا‭ ‬مكانه،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬الواقع،‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬معزولًا‭ ‬وسجينًا‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬مجهول‭ ‬لا‭ ‬ترافقه‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬الفئران،‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬توليه‭ ‬رئاسة‭ ‬البلاد،‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬إهالة‭ ‬التراب‭ ‬على‭ ‬تاريخه‭ ‬ودوره‭ ‬وشخصيته،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬غير‭ ‬صورة‭ ‬كرتونية‭ ‬تم‭ ‬استخدامه‭ ‬فى‭ ‬أداء‭ ‬مهمة‭ ‬ما،‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون،‭ ‬وانتهت‭ ‬المهمة،‭ ‬لا‭ ‬بكلمة‭ ‬شكر‭ ‬وامتنان،‭ ‬ولكن‭ ‬بركلة‭ ‬أسقطته‭ ‬فى‭ ‬الجب،‭ ‬وبجزاء‭ ‬سنمار‭ ‬كما‭ ‬نعرفه‭ ‬فى‭ ‬قصص‭ ‬التراث‭.‬

ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬فرحى‭ ‬كبيرًا‭ ‬وأنا‭ ‬أرى‭ ‬هذا‭ ‬البطل‭ ‬من‭ ‬أبطال‭ ‬طفولتى،‭ ‬يعاد‭ ‬إليه‭ ‬اعتباره،‭ ‬ويتم‭ ‬تكريمه‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بتاريخه‭ ‬وإنجازه‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الكبير،‭ ‬ويطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لتكون‭ ‬عنوانًا‭ ‬للمنعة‭ ‬والقوة‭ ‬وصيانة‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭.‬

إنه‭ ‬إنصاف‭ ‬يستحقه‭ ‬هذا‭ ‬الرمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬التاريخ‭ ‬المصرى‭ ‬الحديث‭ ‬ورموز‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬المصرية‭ ‬بتاريخها‭ ‬الوطنى‭ ‬الجليل،‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬إنصاف‭ ‬للرجل،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬صعبًا‭ ‬للانقلاب‭ ‬الذى‭ ‬حصل‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬النجاح‭ ‬الذى‭ ‬حصل‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬تقتنع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬به،‭ ‬فلا‭ ‬تعلن‭ ‬المقاومة‭ ‬ضده،‭ ‬لأنه‭ ‬بإشارة‭ ‬من‭ ‬زعيم‭ ‬مثل‭ ‬مصطفى‭ ‬النحاس‭ ‬باشا‭ ‬لكان‭ ‬الشارع‭ ‬المصرى‭ ‬كله‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬استنفار‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب،‭ ‬ولكن‭ ‬النحاس‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬وكان‭ ‬نجيب‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬عرض‭ ‬خدمات‭ ‬الجيش‭ ‬ليكون‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬ضد‭ ‬القصر،‭ ‬لكن‭ ‬النحاس‭ ‬أبلغ‭ ‬نجيب‭ ‬بأن‭ ‬قوى‭ ‬الشعب‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬الصراع‭ ‬لصالحها،‭ ‬وسأله‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬مع‭ ‬جيشه‭ ‬فى‭ ‬معسكراتهم،‭ ‬وهكذا‭ ‬كان‭ ‬نجيب‭ ‬موضوع‭ ‬ثقة‭ ‬وأمل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬التى‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬القصر‭ ‬ووقفت‭ ‬تساند‭ ‬الحركة‭ ‬العسكرية‭ ‬المباركة‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يسمونها‭.‬

حدث‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أفرج‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات،‭  ‬أن‭ ‬أطل‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬إطلالة‭ ‬إعلامية‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬فتصدى‭ ‬له‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭ ‬باعتباره‭ ‬سادن‭ ‬معابد‭ ‬يوليو،‭ ‬يرد‭ ‬عليه‭ ‬بكلمة‭ ‬قاسية‭ ‬مؤلمة،‭ ‬وضع‭ ‬لها‭ ‬عنوانًا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬محتواها‭ ‬هو‭ ‬‮«‬شبح‭ ‬من‭ ‬الماضى‮»‬‭ ‬وكانت‭ ‬الكلمة‭ ‬مثالًا‭ ‬لنكران‭ ‬الدور‭ ‬والمكانة‭ ‬والقيمة‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الكبير‭.                                         ‬

قاعدة‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬اليوم‭ ‬إن‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬شبحًا‭ ‬من‭ ‬الماضى‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬كريم‭ ‬نبيل‭ ‬جليل‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وتاريخ‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬سلام‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬روحه‭ ‬الطاهرة‭.             ‬